“الانتخابات التركية” نحو جولة ثانية تميل لصالح المعارضة وتؤكد تراجع شعبية أردوغان
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
ليلة لا تُنسى قضاها العالم متابعًا نتائج الانتخابات العامة التركية، والتي انتهت بنتيجة شبه متعادلة بين طرفي الصراع؛ أردوغان وتحالف الجمهور من ناحية، وتحالف الأمة المعارض من الأخرى. الجولة الأولى من السباق الرئاسي تبقى بلا نهاية؛ حيث سيذهب الناخبون مرة أخرى إلى الصناديق لاختيار الرئيس القادم. جولة ثانية تميل لصالح المعارضة التي نجحت في تغيير الموازين، وكشفت عن سقطات إعلامية للوكالات الموالية للنظام.
أعلنت الهيئة العليا للانتخابات النتيجة النهائية بعد فرز 100% من الصناديق؛ حيث حصل الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان على 49.5%، في حين حصل مرشح الطاولة السداسية كمال كيليتشدار أوغلو على 44.9%، وذهبت 5.2% من الأصوات إلى مرشح تحالف الأجداد سنان أوغان. ومن المنتظر أن تحسم الجولة الثانية نهاية الشهر الجاري السباق؛ بفوز أحد المرشحَين الحاصلين على أعلى الأصوات في الجولة الأولى.
التوزيع الجغرافي للأصوات سواءً في السباق الرئاسي أو البرلماني يشي بتغييرات غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات التركية. فقد خسر أردوغان الولايات التي كانت سببًا لتفوقه على محرم إنجه في انتخابات 2018، حين أنهى الجولة الأولى بـ 52.6%.
إسطنبول، وأنقرة، وإزمير، وولايات الجنوب الغربي تصوت لصالح قيليتشدار أوغلو، بعد أن كانت كلمة السر في نجاح أردوغان عام 2018. إضافة إلى الولايات ذات الأغلبية الكردية التي دعمت المعارضة، بعد تعنت واعتقالات طالت زعماء الأحزاب الممثلة لهم. سيناريو توحيد قوى المعارضة نفسه الذي نجح من قبل مع رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، في انتخابات المحليات عام 2019.
المقاعد البرلمانية هي الأخرى تؤكد تراجع شعبية تحالف الحزب الحاكم، رغم محاولات الإعلام الموالي إثبات العكس. مقارنات عديدة تشير إلى تفوق تحالف الجمهور بـ 322 مقعد، مقابل 213 مقعد لتحالف الأمة. دون إشارة إلى حقيقة وجود 4 أحزاب في تحالف العدالة والتنمية، مقابل حزبين فقط على قوائم المعارضة. حين نحسب عدد مقاعد الأحزاب المعارضة ككل، والتي صوتت لقيليتشدار أوغلو في السباق الرئاسي، يرتفع نصيبها لـ 278 مقعد. ناهيك عن التقدم الملحوظ في عدد مقاعد أكبر حزبين معارضين في تركيا؛ الشعب الجمهوري والجيد.
اقرأ أيضًا
انتخابات القرن.. أردوغان يوزع أموالًا في مركز اقتراع وبلاغ توزير بولاية جنوبية
لماذا تقدم أردوغان في بداية عملية الفرز وسقط نهايته؟
تأخرت عملية فرز الأصوات بشكل غير مسبوق، خاصةً نتائج آخر 10% من الصناديق. كما شهدت ساعات الليل المتأخرة حربًا بالأرقام، بين إعلام المعارضة والنظام، وتصريحات متوترة من الجانبين. خرج أردوغان منتصف الليل من شرفة حزبه بأنقرة، مؤكدًا تقدمه في الأرقام، ومحذرًا من محاولات المعارضة لفرض نتائجها.
ومن قبله هاجم إمام أوغلو وكالة الأناضول، واتهمها بعرض نتائج غير صحيحة تظهر تقدم أردوغان؛ مطالبًا الجمهور بعدم تصديق تلك النتائج، أو دعوات الاحتفال التي يدعو لها أنصار الرئيس. كما لفت نظر متابعيه إلى تكرار هذا السيناريو في انتخابات البلدية التي خاضها أمام مرشح الحزب الحاكم عام 2019، حين عاش الوضع نفسه مع وسائل الإعلام التي حاولت تصدير تقدم منافسه للعامة.
كما تحدث قيليتشدار أوغلو عن عرقلة نتائج الصناديق المصوتة له، وهو ما رصدته وسائل إعلام في ولاية ديار بكر التي تأخرت نتائجها لساعات، وشهدت تجمهر كبير أمام رئاسة الانتخابات التركية. وفي نهاية المطاف اكتسحت المعارضة الأرقام في الولاية بـ 72%.
وكشف عن سبب تأخر إعلان النتيجة؛ بعد قيام مراقبي العدالة والتنمية بتقديم اعتراضات على نتائج الصناديق في مناطق تتركز فيها الكتل التصويتية للمعارضة. مشيرًا إلى وجود صناديق واجهت عشرات الاعتراضات قبل رفع نتيجتها إلى الهيئة العليا. وهو ما يفسر تقدم أردوغان عن 51% في بداية الفرز، ثم انخفاض أرقامه مقابل زيادة رصيد قيليتشدار أوغلو في النهاية.
اقرأ أيضًا
انتخابات القرن.. كيف استغل أردوغان مؤسسات الدولة لصالح حملته؟
سقطات إعلامية متكررة من الوكالات الموالية لأردوغان
لم تكد تمر بضعة ساعات على بدء عملية الفرز حتى نشرت صحيفة “يني شفق”، الموالية للنظام، خبرًا يتحدث عن انهيار أعصاب ميرال آقشنر، رئيسة حزب الجيد، أحد أعضاء الطاولة السداسية الداعمة لقيليتشدار أوغلو. حيث تحدثت الصحيفة عن “جنون” أصاب آقشنر في مقر حزب الشعب الجمهوري، أثناء متابعة نتيجة الانتخابات، دفعها لصفع أحد موظفي الحملة وكسر زجاج المكتب.
كما ذكر التقرير أن وكالة أنباء سجلت فيديو للوقعة، يظهر آقشنر منهارة وتقول “ألم أخبركم أننا لن نتمكن من الفوز؟”. وأشار إلى أن المقطع حُذف، بضغط من أعضاء الحزب.
الأمر الذي ردت عليه سكرتيرة آقشنر بنشر صورة لهما معًا، مصحوبة بتعليق “نحن دائمًا بخير”. أعاد نشرها القيادي بالحزب مراد إيده عبر حسابه على تويتر، وخاطب الصحيفة قائلًا “ها هو الزجاج المكسور، والموظفة التي صفعت”.
سقطات متكررة لوسائل الإعلام المعروفة بقربها من الحكومة، تعمدت شيطنة المعارضة أثناء فترة الدعاية الانتخابية، وتصويرها للشعب كعدو للإسلام. امتدت تلك الحرب الإعلامية خلال الليلة العصيبة لفرز الأصوات، بأخبار تغتال معنويات المعارضين وتفرض تقدم أردوغان كأمر واقع.
في بلد مثل تركيا الصندوق وحده هو ما يقرر، بعيدًا عن الحروب الإعلامية التي تؤكد انهيار غير مسبوق لشعبية الإسلام السياسي في البلاد. وبعد إعلان سنان أوغان، المرشح الثالث في الانتخابات التركية، دعمه المشروط لقيليتشدار أوغلو، خلال الجولة الثانية المنتظر عقدها في الـ28 من مايو/ أيَّار، أصبحت المعادلة ترجح كفة المعارضة لأول مرة منذ عقدين.
الكاتب
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال