الويكا أوالبامية الناشفة…أكلتي التي لن يمحوها زحام الأحداث والأشخاص
-
أحمد الأمير
صحافي مصري شاب مهتم بالتحقيقات الإنسانية و الاجتماعية و السياسية عمل في مواقع صحافية محلية و دولية عدّة
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
“هعملك لحمة و رز مع البامية الناشفة” هكذا تقول خالتي مع ابتسامة تحمل ورائها شيء أخر يعيش في الوجدان فهي تعلم تمامًا ما أبحث عنه لذا أقابلها بابتسامة صامتة لان ما قضيته في رحلتي من القاهرة إلى أسوان ذاهبًا إليها لم يكن إلا بحثًا عن الدفء والذكريات وحنيني إلى رائحة أمي رحمها الله وعن طعامي المفضل فهي تعرف أيضًا أدق التفاصيل لتستدعي ذاكرتي قائلة “روح هات لنا البامية الناشفة من ع السطح” واحدة من الأشياء التي كانت تطلبها أمي كعادة الأمهات اللائي يطلبن من أولادهن وبناتهن مغادرة البيت وخصوصًا المطبخ كي يتمكن من الطبخ بسلام وتركيز.
هي تعلم أنني سأتذكر “البامية الأسواني الناشفة” أو الويكا التي ورثت حبها من والدتي رحمها الله لأجدني غارقًا في الذكريات وصوت أمي يهمس في أذني ” اطلع من المطبخ وروح هاتلي البامية خليني أعمل لقمة انا وخالتك” كانت هي عبارة التي تذكرها لي خالتي “حنان” عمدًا ولان اسمها ينطبق على صفاتها تريد أن تدخلني في لحظات الماضي الفائتة التي أقطع مسافة ألف كيلو مترات بحثًا عنها.
لم أكن أعلم أن خيارات الغربة فيما يتعلق بالأطعمة وخصوصًا تلك الأكلات العصرية السريعة واعتمادي عليها وقت التحاقي بجامعة 6 أكتوبر عام 2011 مرتبطة بطبيعة الحياة في هذا المكان الصاخب المزدحم بالمطاعم المسمى ميدان الحصري وعلى وجه التحديد أدركت أن سرعة الحياة التي يلازمها الـ FAST FOOD لن تغير سلوكياتي تجاه الطعام فكان شعوري بأن هناك شيئًا ناقصًا في طعام الغربة يجعلني أتردد كثيرًا في طلب الطعام عندما يسألني صديقي في السكن بعد أن انتهينا من “المذاكرة” ماذا سنطلب اليوم؟..للأحدث نفسي قليلًا قبل أن أجيبه لم تعد البيتزا ولم يعد البروست يروق لي وأجيبه لقد تذكرت الشئ الذي ينقصني إنها “ويكا أمي” ليرد شريكي في السكن ليس بأيدينا يا صديقي لنطلب من أمهاتنا أن يعلمننا ما فاتنا الآن فنحن لا ندخل المطبخ إلا لإعداد القهوة والشاي والبيض المقلي ووضع الجبن في الأطباق.
إقرأ أيضًا…
السبانخ التي جعلتني أصدق أن جدتي رحلت
أورثتني أمي حب الويكا أو البامية الناشفة كما ورثت عنها عادات كثيرة جعلتني أتيقن أني أشبهها فكانت شكواي من الأكلات السريعة يزعجها كثيرًا ويجعلها تنتظر عودتي في الإجازات إلى أسوان بفارغ الصبر لتعد لي الويكا الغارقة في حساء لحم الضأن والأرز و العيش الشمسي المقطع على شكل مثلثات رغم أنها سعيدة كونها علمتني طرق عدة استنسختها في روتيني اليومي داخل السكن بالحي السابع في مدينة أكتوبر كطريقة إعداد المعكرونة والأرز بالشعيرية أو حتى مسح البلاط بالكلور وطريقة غسل الملايات وترتيب الملابس وطرق غسل الملابس البيضاء ونقعها لساعات.
لم أكن أعلم أن الطعام كثيرًا ما يُساهم في صنع الذات لكني أدركت ذلك مع بداية سنوات الغربة أن لكل منا إرتباطات عاطفية متعلقة بطعامنا وتجاربنا السابقة التي لا ترضى بتغير المواقف والخيارات مازالت الويكا هي اللذة الأولى والعاطفة الفطرية التي عشتها سنوات ولم ولن تمحيها الأكلات الأخريات ولن أنساها في زحام الأحداث والأشخاص ولعل تلك الأكلة التي كانت تعلقها أمي في عناقيد على سطوح منزلنا بأسوان ظلت رائحتها معلقة في ذاكرتي مثل الرائحة التي كانت تفوح من شتلات الياسمين والريحان أعلى منزلنا و لأن الرائحة التي هي أكثر ما يعلق في الذاكرة ولن يستطيع المنفى مهما كان ضيقاً أو رحباً وهي الأكلة التي ستظل تذكرني بأمي والألفة التي لن تميتها الغربة.
ولان البامية تشبه أمي فظاهرها أخضر يعكس حبها للخير وسخائها وباطنها أبيض يشبه قلبها تمامًا فلابد وأني استخدمت الطعام كمكافأة لنفسي فكلما شعرت ببعض المشاعر الإيجابية ذهبت إلى أحد المطاعم لتناول وجبة من الأسماك والأرز لكنني إذا بحثت عن نفسي حيال شعوري بدفء أمي وجدتني أجهز حقيبتي وأحجز تذكرة في أقرب قطار ذاهب إلى أسوان بحثًا عن الوجبة التي يعرفن النسوة من جيران والدتي وأحبابها أنني أفضلها فيأتون حاملين عناقيدها ويعطوها لخالتي قائلين :”إعمليها لأحمد بيحبها زي شادية” رحلت شادية “والدتي” التي أبحث عن رائحتها في جنبات الأماكن ولم يتبقى إلى حنيني لها.
الكاتب
-
أحمد الأمير
صحافي مصري شاب مهتم بالتحقيقات الإنسانية و الاجتماعية و السياسية عمل في مواقع صحافية محلية و دولية عدّة
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال