195 مشاهدة
البكاء…فرج المرحب به بكل وقت
أتصل بعزيزي الذي جعله الزمن أخي الأكبر، فور سماع صوته أجهش في البكاء، أستمر في البكاء لدقائق ويحاول هو تهدئتي بتساؤلات للاطمئنان عن حالي وأحيانا بالصمت.
كانت تنتهي هذه المكالمات بتلك الفترة العصيبة بانتهاء البكاء فقط!
..وأنا بنت ثرثارة يخاف الناس من صمتي، يتصورون دائما خلفه كارثة.
لا أنسى اليوم الذي سمعت فيه صوت أبي يحدث أخي الأصغر قائلا: أختك ما قلتش كلمة من الصبح.
ويعبر عن قلقه من صمتي بهذا اليوم.
ظللت من حين لآخر أتصل بصديقي فقط ليسمع بكائي، والذي أصبح يطلق علي لقب “عيوطة” لفترة طويلة من باب المزاح، بل وظل استفتاح كل مكالمة بيننا: بتعييييطي ليييييييه؟
أجيب ضاحكة أنني أتصل اليوم للاطمئنان فقط، ولندع الحرية للدموع مرة أخرى (يعني هنروح منها فين)
تحمل صديقي صوت الشعور بالمرار وانقطاع النفس من البكاء، وهو أمر لو تعلمون عظيم.
كانت تقول لي أخصائية نفسية ماهرة أن أخصص وقتا للبكاء، وأن أدع للحزن مخرجا، وكانت تقول هند عبد السلام ضاحكة حوهي صديقة وقد عمري رحمها الله- (تدفعكم فلانة لعمل معيطة) وقد كانت تعرف الأخصائية جيدا وتثق في قدراتها على المساعدة.
اقرأ أيضا….كيف حلت أغنية كريم محمود عبد العزيز أزمة سوسو
في الواقع العياط فعلا فرج، فالبكاء يجعلنا نخرج بعض من الثقل الجاثم على صدورنا.
ذات مرة قلت لصديق أن أحدهم ضايقني وبكيت فقال لي: ولم لم تتصلي بي بوقتها ؟…فقلت له وماذا كنت ستفعل، فقال بثقة:
كنت هعيط معاكي…كنا نعيط سوا.
لا أنسى له أبدا هذه الجملة لأنني على يقين قد قالها بصدق ، بل وجعلت هذه الجملة له رصيد كبير عندي.
البكاء باب من أبواب الراحة، وأن يشاركك أحدهم في حزنك ويتحملك بهذا الوقت لدعم كبير.
انقلب بكائي بعد جملته هذه لضحك دون توقف، وجدت في الجملة شجاعة كبيرة أن تخرج من رجل.
فمجتمعنا يحرم على الرجال الدموع وكأنها ضعفا ما، في حين التصريح بالمشاعر من حزن وفرح وغيرها من المشاعر، لشجاعة كبيرة.
مرة أخرى بهذه المرات الكثيرة التي أشعر فيها بالتيه والقلق، سألني صديق آخر عزيز وسط الضحكات وزحمة تلاقي الأصدقاء: مالك؟
هذا السؤال الذي يمكن أن يفجر شلالات دموعك لو خرج من أحدهم يهتم وأنت تقاوم كي تبدو فقط بخير.
قلت لا أعلم ، ما أعلمه أنني لست بخير.
فقال بثقة العارفين وأصحاب الحساسية والدم: عيطي…لو حاسة إن العياط هيريحك عيطي دلوقتي.
تصور يا مؤمن أن يعرض عليك أحدهم العياط وسط الناس، ولكنه يعلم جيدا أن الناس الذين كنت وسطهم هم مرآة لروحي، ورغم ما يتحملون من أعباء، يستطيعون تحمل أيضا مزاجي السيء وحالتي المذرية التي تتكرر مع مفاجأت الأيام.
قالها بصدق لمسته: عيطي، وكنت أعلم جيدا لو بدأت يومها في البكاء لن أنتهي ولو على الفجر، فاخترت تأجيل الخطوة.
وعلى ذكر الدموع فأكثر الدموع المريحة هي التي تكون بيننا وبين الله، الذي يعلم السر وعمق الآلم والغيب وخلقنا من روحه ويسمعنا بكل وقت.
العياط فرج، والفرج الحقيقي أن تجد يدا تربط على كتفك أثناء العياط، و كذلك صديق يعلم أهمية العياط ؛الباب الذي يشرح صدورنا والصديق المرحب به في كل وقت، فأرجوك حاول ألا تكبته وإن قاومته غلبك.
الكاتب
ما هو انطباعك؟
