التواضع في الإسلام .. حين يحدث الاتقاء لرضا الله بالتنازل عن التعالي
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
الدين الإسلامي عرف التواضع على أنه ترك التعالي والتنازل عن الكبر والغرور، أي التعامل ببساطة مع الآخرين وعدم التفرقة بين طبقات المجتمع، فلا يجب التعالي أو التكبر على من هو اقل منا في المستوى الاجتماعي أو ألأضعف منا.
التواضع في الإسلام من القرآن والسنة
أمر الله عز وجل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالتواضع، فقال تعالى : “وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ”؛ وقال تعالى : ” وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً “، ووصف الله عز وجل عباده الذين هداهم للإيمان بالتواضع فقال تعالى : ” أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ “.
اقرأ أيضًا
ما هو الكذب المباح .. 3 مواضع يجوز فيها تزييف الكلام
أما في السنة النبوية فقد روي عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” ما نَقُصَتْ صَدَقَةٌ مِن مالٍ وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزَّاً . وما تواضعَ أحدٌ لله إلاَّ رفَعَهُ الله “، وقال صلى الله عليه وسلم قال : “لو دُعِيْتُ إلى ذِراعٍ ، أو كِراعٍ ، لأجَبْت ، ولو أُهدي إليَّ ذراع أو كِراعٍ لقَبِلْت”؛ وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” ما بعثَ الله نبياً إلاَّ رَعَى الغنَم” . فقال أصحابه : وأنت ؟ فقال : ” نعم ، كنتُ أرْعاها على قَراريْطٍ لأهْلِ مكَّة ” .
ولا يعرف حقيقة التواضع إلا المقربون من عباد الله الذين مدحهم الله عز وجل: فقال : ” وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً “، كما أن التواضع أساس الخضوع والخشوع والخشية والحياء، ولا يسلم الشرف التام الحقيقي إلا للمتواضع في ذات الله تعالى.
نماذج من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم
ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم ما روي عن أبي ذرٍّ وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين ظهري أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيُّهم هو حتى يسأل، فطلبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعل له مجلسًا يعرفه الغريب إذا أتاه.
ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم، قيامه بخدمة أصحابه فقد جاء من حديث أبي قتادة، وفيه – في قصَّة نومهم عن صلاة الفجر – قال ودعا بالميضأة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبُّ وأبو قتادة يسقيهم -أي أصحابه- فلم يَعْدُ أن رأى النَّاس ماءً في الميضأة تكابُّوا عليها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنوا الْمَلَأَ كلُّكم سيَرْوى، قال: ففعلوا فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبُّ وأسقيهم حتى ما بقي غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : ثمَّ صبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لي اشرب فقلت: لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله. قال: إنَّ ساقي القوم آخرهم شربًا قال: فشربت، وشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأتى النَّاس الماء جامِّين رُوَاء .
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، بقوله: يا عائشة لو شئت لسارت معي جبال الذهب، جاءني مَلَك، فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: إن شئت نبيًا عبدًا، وإن شئت نبيًا ملكًا، قال: فنظرت إلى جبريل، قال: فأشار إلي، أن ضع نفسك، قال: فقلت: نبيًا عبدًا ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئًا، يقول: آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد . رواه الطبراني وغيره. فهو صلى الله عليه وسلم من تواضعه لم يرض لنفسه أن يتصف بغير الوصف الذي وصفه الله به، وهو وصف العبودية، وأنه رسول من عند الله، وليس له غاية غير ذلك مما يتطلع إليه الناس ، ويتسابقون إليه .
ومن عظيم تواضعه ما كان منه صلى الله عليه وسلم عند فتح مكة فقد دخلها وقد ركب ناقته، وأخذ في قراءة سورة الفتح، وكان قد حنى ظهره وطأطأ رأسه تواضعًا لله، حتى إن طرف لحيته ليكاد يمس رحله خضوعًا لله وشكرًا له على ما أكرمه الله به من الفتح المبين .
الكاتب
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال