الجريمة في بولاق والمجرم في الهند .. هل أثر التراث الهندي على فتاة بولاق قبل حرق أبيها؟
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
في صدمة لم تعد بالصاعقة داخل مجتمعاتنا ، استيقظنا على أخبار تفيد بأن فتاة تبلغ من الرابعة عشر فقط في منطقة بولاق، قامت بنسج خطة خبيثة من الطراز الرفيع لقصص الروايات البوليسية ، بأن سكبت الجاز ثم أشعلت النيران في غرفته بمساعدة آخر ، ثم شوهدت هاربة بحقيبة ملابسها ، وتم القبض عليها ومواجهتها بالجريمة حتى اعترفت أنها فعلت ذلك لأن أبيها سبق وأن اعتدى عليها جنسيًا لذلك قررت الانتقام منه حتى لا يعاود فعلته .
من الممكن أن تتعجب أن فتاة في هذه المرحلة العمرية الصغيرة امتلكت “التصرف” والجرأة معًا في فعلتها حتى تمكنت من ارتكاب جريمة قتل .. فتاة في تلك المرحلة تحديدًا من المفترض أن مثل هذه الجرائم لا تعرف لقلبها ولا لعقلها طريق .. لكن ثمة سطر وحيد في نص التحقيق ربما يكشف لنا ما الذي كان يدور بعقل الفتاة قبل أن تقرر عملية الانتقام الكبير من الأب التي تدعي أنه اعتدى عليها جنسيًا .. سطر وحيد ربما هو الخيط لحل اللغز الحائر .. خلال التحقيقات قالت الفتاة أن جزء كبير من خيالها كونته مشاهداتها الدائمة للأفلام الهندية بشكل مكثف .. ترى .. ما الذي حدث ؟
جنس المحارم في المجتمع الهندي .. “الاغتصاب الصحي“
قبل أن نناقش تطور انتقال تلك المشكلة للسينما ، علينا أن نناقش أولًا طبيعة جنس المحارم داخل المجتمع الهندي بالأخص إذا كانت تلك الظاهرة مُباحة ومتاحة تاريخيًا عند بعض القبائل والشعوب الهندية … عندك مثلًا موقف الهندوس يختلف بالنسبة للزواج من الأقارب. ففي شمال الهند يمنع زواج الأقارب إلي الدرجة السابعة من جهة الذكر وإلي الدرجة الخامسة من جهة الأنثى، بينما نجد الهندوس في جنوب الهند يفضلون زواج العم لابنة أخيه والخال لابنة أخته، وذلك في ولاية اندرابرادش وولاية كارنا تاكا وولاية تاميل نادو كما أنهم يفضلون أن يتزوج المرء بنت خالته أو بنت خاله. وهو أمر يمنعه الهندوس في شمال الهند والسيخ.. لكن هذه طبيعة المجتمع ، فما طبيعة الظاهرة التي تسمى “الاغتصاب الصحي” ؟
أفادت التقارير الصحفية انتشار جنس المحارم بشكل قانوني في المجتمع الهندي ، والقانوني هنا ليس مقتصرًا على القانون الهندي فقط ، بل عند الأعراف والتشعبات العرقية داخل المجتمع المختلفة طقوسه من قبيلة لأخرى ، ومن مدينة لمدينة ، ومن الداخل للداخل .. وذلك عن طريق ما يسمى بـ “الاغتصاب الصحي” .. وهي طريقة بدأ استخدامها في الهند بشكل قانوني لعلاج “المثليين” بإجبارهم على ممارسة “جنس المحارم” حيث يجُبر الفتى على ممارسة الجنس مع امه أو اخته، وتخضع الفتيات للأغتصاب من اشقائهم او أبناء عمومتهم، والمريب في الأمر أن الوالدين وشيوخ العائلة يجبرون ابنائهم على ممارسة تلك الأفعال “الشاذة” تحت مسمى “الأغتصاب الصحى” فى محاولة لمنعهم من الشذوذ وممارسة الحياة الجنسية بشكل طبيعى.
وفي تقرير نشرته صحيفة “تايمز اوف إنديا” قال أحد أعضاء “جمعية الأزمات الهندية” أنهم تلقوا حتى الآن أكثر من 15 بلاغا يفيد بتضرر الفتيات والفتيان اللذين يُجبرون على ممارسة تلك الأفعال، وقد تصل عقوبة من يرفض الخضوع لما يصفونه بـ”العلاج الصحى” إلى الموت …. وقررت محكمة “دلهى الدستورية” قد شرّعت ممارسة “الشذوذ” للبالغين بعد 150 عاما من قانون تجريم الشذوذ عام 2009، لأن منعهم يشكل أنتهاكا للحقوق الأنسانية، إلا أنها فى نهاية عام 2013 تراجعت عن قرارها وأعادت تجريم “الشذوذ” ومعاقبة من يمارس اللواط بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات بدعوى إن تغيير القانون رقم “1861” .
جنس المحارم في تراث الفنون الهندية
في ليلة باردة .. سانجيف كومار يلعب الورق مع ديبتي .. تلعب قدماه تحت الطاولة ، من المفترض أن قدماه ذاهبتان لأقدام زوجته ماوشمي .. لكن تحدث المفاجأة وتبدأ قدماه بملامسة قدمي اخته “نافال” !!!! .. هذا هو المشهد الفلكلوري الشهير الموجود في أشهر الروايات الهندية عن جنس المحارم ، وهو تراث متأصّل داخل المجتمع الهندي … لدينا أيضًا بعض الأقصوصات في الأدب الهندي التي تحكي عن علاقة الخال بابنة أخته ، وعلاقات متشعبة داخل العائلات ، كما ان هناك بعض الأغاني الفلكلورية التي تحكي عن العلاقات الحرام ، لكنها تأصل لها كفلكلور هندي أصيل .
هل شاهدت فتاة بولاق الفيلمين “الفتاة ذو الحذاء الأصفر” و “انتقام الأفعى”؟
إذا تتبعنا آثار جريمة بولاق .. ابنه حرقت أبيها بمساعدة حبيبها ، وذلك عن طريق سكب البنزين وحرقه .. سنجد أن فلمين من أفلام بوليود بهما تركيبة المشهدين .. أولهما فيلم “الفتاة ذو الحذاء الأصفر ” ، وهو فيلم من إخراج أنور كاشيال ، وتأليف كاكلي كويشلين ، وبطولة نصر الدين شاه ، جولشان ديفايا ، وكثير من النجوم .
يحكي الفيلم عن فتاة قادمة من بريطانيا للبحث عن والدها في مدينة مومباي في الهند ، ولضيق اليد تحاول أن تعمل في مركز للتدليك عشوائيًا ، مع نهايات سعيدة ، والنهايات السعيدة في مراكز التدليك تعني ممارسة الجنس بعد التدليك .. ظلت هكذا حتى فوجئت بأبيها وقد كان واحد منهم !!! .. وهذا الفيلم بالتحديد ألقت عليه الصحافة الهندية الضوء بأنه يساهم في تكوين وعيًا به خللًا في الممارسات الجنسية المحرمة تحريمًا أبديًا .. محرمة بحكم الأديان والأعراف ، والطب ، وكل شئ تقريبًا عدا الممارسات الشاذة الوضيعة التي لا توجد إلا في المجتمعات التي نهشها التراث ، وأكل الفلكلور عليها وشرب .
فيلم آخر ، وهو في الحقيقة سلسلة أفلام طويلة اسمها “انتقام الأفعى” ، وهو فيلم عن ابنة قررت الانتقام لجرائم ارتكباها الذئاب .. وبمشاهدة الفيلم الذي هناك عملًا تليفزيونيًا يحمل نفس اسمه نجد أن طريقة الانتقام هي نفس الطريقة التي انتقمت بها الابنة في بولاق .. على الرغم من إنها لم تكن الطريقة الوحيدة للانتقام بين طرق عديدة شديدة الدموية .
تقريب للصورة
أمامنا الآن رؤية واضحة لما حدث ، وليس ضروريًا أن تكون فتاة بولاق شاهدت هذين العملين بالتحديد ، لكن بالضرورة قد تأثرت الفتاة بمجموعة أفللام هندية قادت خيالها حتى قررت الانتقام من أبيها (على حد قولها ) .. لكن هذا يقودنا إلى توضيح آخر لأن هناك ما يسمى بـ “وهام السينما” ، وهو أن يتخيل الواحد منا أنه مكان بطل الفيلم ، أن أنه يتأثر بما يتأثر به بطل الفيلم ، بالتدريج تصبح أفكارة متطابقة مع أفكار بطل الفيلم .. يقول علماء النفس أن مرحلة عالية من مراحل هذا المرض كفيلة أن تجعل المريض صورة أخرى من البطل ، حتى تصل للمرحلة التي يتأثر بها المظهر العام للمريض ، وردود أفعاله ، ومشاعره تجاه الغير ، وأحيانًا ما ينسج هذا المرض خيوطًا حول رأس المريض تؤكد له أنه مضطهد بشكل كامل ممن حوله ، وربما يصل لترسيخ الاضطهاد الديني داخل ضمير المريض ، بحيث أنه يرى أنك قد اضطهده على أساس دينه ، أو ربما يقوده ذلك للشعور بالتنمر والعنصرية دون وجود دليل واضح وأكيد على ذلك .. فيشعر أنك تكرهه للونه ، أو شكل وجهه ، أو غيره .. ربما نحن أيضًا مرضى بذلك المرض لكن بنسب متفاوتة عن غيرنا !
- المصادر :
- موقع ذا تايمز أوف إنديا
- موقع إنديا تو داي
- موقع جريدة الفجر
- موسوعة السينما العالمية
- كتيب ألف سنة من التراث الهندي
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال