الحكاية مش حكاية السد (07) …لا صوت يعلو فوق صوت المعركة
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
الحلقة اللي فاتت اتعرفنا على نشأة أثيوبيا وكيف تم تأسيسها ثم إعادة تأسيسها من جديد، وزي ما وعدتكم الحلقة دي من السلسلة هتكون عن الأسباب الداخلية عند الإدارة الأثيوبية لشد الخيط ع الأخر ورفع حدة التوتر في أزمة شبه مفتعلة بالكامل.
هل أثيوبيا محتاجة كهربا؟
مافيش شك أن أثيوبيا عندها أزمة طاقة ضخمة، ففي أفضل الدراسات وصلت نسبة المحرومين من التيار الكهربي إلى نُص الشعب المتجاوز 100 مليون، فأجمالي إنتاجهم من الكهربا حوالي 3 جيجا وات.. في حين منتظر سد النهضة لما يشتغل بكامل طاقته ينتج حوالي 6 جيجا وات، حسب تقديرات حكومية حداهم.
وبما أن الأمر بالوضوح ده فالإدارات المصرية المتعاقبة تتحمل جزء كبير من مسؤولية الأزمة الحالية، فكان من المفروض أنها تبادر بتقديم مبادرات وتحريك رؤوس أموال مصرية للاستثمار هناك في مجال الطاقة، وياريت نكون اتعلمنا من الدرس القاسي ده ونشوف أوضاع باقي دول الأقليم.. وأولهم السودان اللي حوالي 60% من السكان من غير كهربا، حسب مركز المستقبل للأبحاث والدراسات.
المشكلة فين؟
كده متفقين على أهمية السد بالنسبة لأثيوبيا، يبقى السؤال: فين المشكلة؟
بحيرة السد حجمها أكتر من 70 مليار متر مكعب فالمشكلة حاليا هي فترة ملوها، الخطة الأثيوبية مستهدفة تملا البحيرة خلال 5 سنين وإحنا بنقول في 10 سنين. لأن كل ما الفترة قصرت ده معناه أحتجاز نسبة أكبر من الميه.. وكل ما المدة زادت ده معناه أحتجاز نسبة أقل. لكن بعد ما البحيرة تتملي مش هيبقى فيه مشاكل كبيرة.
فيه نقاط تاني هتبقى متعلقة بضرورة التنسيق بين الدول التلاتة، وهو أمر بديهي في حتميته.. مش بس عشان الجوار والأخوة والكلام ده، إنما لأن كل دولة ليها سد على نفس النهر وأي كلل عند حد منهم ممكن يؤدي لكارثة عند اللي بعده في ترتيب جريان النهر. خصوصًا أن المسافة بين سد النهضة في أثيوبيا وسد الروصيرص السوداني حوالي 100كم.
وأديس أبابا رافضة كل المقترحات المقدمة لتبطئ عملية الملو أو للتنسيق بين إدارة السدود التلاتة.
أسباب الرفض
علميا مافيش منطق للرفض بالصورة دي غير افتعال مشكلة، بتفحص المشهد السياسي في أثيوبيا نلاقي أن آبي أحمد وإدارته محتاجين معركة.. لأن زي ما كلنا عارفين لا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
المركزية هي المعركة؟
المعركة معركة السياسة الداخلية، زي ما سبق وشرحنا النظام في أثيوبيا فيدرالي، بس أخونا آبي أحمد جاي بطموحات ضخمة أنه يجعل من أثيوبيا دولة مركزية كبرى في المنطقة، حلمه الزعامي ده طبعًا خبط في حواجز داخلية كتيرة.. وخطيرة، أنا عن نفسي مندهش إنه فكر يتعافى عليها.
لعبة الأقدار
في النص التاني من 2012 مات ميلس زيناوي، ابن التجراي ورجل أثيوبيا القوي اللي أعاد تأسيسها بشكلها الحالي، فتم تصعيد نائبه هايلي مريام ديسالين بشكل إجرائي تلقائي ليشغل منصبه بالإنابة، ديسليان عرقيا ينتمي لشعوب الجنوب ودينيا بروتستانت.. يعني مالهوش أي أكثرية تسنده، كمان الفرق بينه وبين المرحوم كان كبير أوي كسياسي وكقائد.
بسرعة فلت الزمام من أيد ديسالين خاصة مع قرار ضم أراضي تابعة للأورومو بغرض توسيع أديس أبابا في مقابل تعويضات وصفها أصحاب الأرض بالبخسة، قرار ماكنش له أي قبول وانفجر الأورومو في مظاهرات ضخمة.
كل محاولات تهدئة الأورومو أو احتواء غضبهم فشلت، كمان الحلول الأمنية الكلاسيكية ماجبتش نتيجة، زي القبض على بيكيلي جيربا – أمين عام حزب مؤتمر أورومو الاتحادي، أو حتى قمع المتظاهرين بعنف مفرط وقتل المئات منهم.
بالعكس دي وسعت أكتر ودخل الأمهرة ع الخط وانضمامهم للاحتجاجات بمطالب تانية تخصهم، ولما خدت الحكومة خطوة التراجع عن مشروع التوسع وسحب الأراضي.. كان فات الوقت، استمرت الاحتجاجات رغم سقوط الضحايا اللي ماكنش بيسكت المحتجين بل بيزود النار.
حوالي 3 سنين من الاحتجاجات.. رغم مئات القتلى وسجن عشرات القيادات السياسية وشهور من حالة الطوارئ، كلها كانت كفيل بإقناع حزب الجبهة الثورية الشعبية الديمقراطي “الحاكم” أن استمرار الطناش بيحط كيان الدولة نفسه ع المحك.
وأخيرًا في 15 فبراير 2018 نطقها هايلي مريام ديسالين: أرى أن استقالتي حيوية لتنفيذ إصلاحات من شأنها أن تؤدي إلى سلام وديمقراطية دائمين.
بعد أسبوع واحد من فراغ أهم منصبين في البلد، رئيس الوزراء ورئيس الائتلاف الحاكم، اجتمعت اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لشعب أورومو، واختارت آبي أحمد لرئاستها، نفس الشخص اللي في إبريل 2018 كان بيتم تنصيبه رئيس لوزراء أثيوبيا، كأول أورومي يشغل المنصب في تاريخ البلاد.. في مناورة من الحزب الائتلافي الحاكم لتهدئة الأورومو.
صحيح هو أورومي.. بروتستانتي.. لكنه في النهاية ابن دولة ميليس زيناوي الحاكمة من 1991.
السياسة توقيت
زي ما تأخر ديسالين في التراجع عن قرارات نزع الملكية كان نتيجته إجباره ع الاستقالة، كمان تسرع آبي أحمد في خطواته تسبب في الأزمة السياسية المشتعلة دلوقتي في الداخل الأثيوبي.
الشاب أول ما استلم خد كام خطوة كلهم أخطر من بعض:
تغيير كبار قادة الجيش، مؤسسي التركيبة اللي أطاحت بمانجستو وأغلبهم من التجراي.
تغيير كبار قادة المخابرات، ينطبق عليهم نفس وضع قادة الجيش.
توجه للسلام مع أرتيريا.. وأتمه عن طريق تسليم منطقة بادمي وغيرها من الراضي المحكم بيها دوليا لصالح أرتيريا وكانت الإدارة الأثيوبية ترفض تسليمها. (المناطق دي حدودية بين أرتيريا وأقليم تجراي الأثيوبي).
حملة محاكمات لقيادات عسكرية وسياسية سابقة أغلبهم منتمين عرقيا للتجراي.
إطلاق حزب سياسي جديد بديلًا للائتلاف الحاكم منذ الأطاحة بمانجستو.
خطوات هوجاء رعناء جوه حقل ألغام كفيلة تدمر آبي أحمد وعلى النظام الفيدرالي العرقي القائم.
كما هو متوقع الخيوط فلتت من أيده وبعضها فرقع في وشه والحياة ولعت، بعد أقل من شهرين محاولة أنقلاب أمهرية، رفض التيجراي الانضمام لمشروعه حزب الرخاء، وليلة كبيرة حضرتك.
الكورونا التي قسمت ضهر البعير
أغسطس 2020 كان موعد الانتخابات الوطنية، الانتخابات التشريعية، وبما أننا في دولة فيدرالية برلمانية فإحنا بنتكلم عن انتخابات قادرة على تغيير شكل السلطة تماما بما فيها رئيس الوزراء.
لكن مع انتشار وباء كورونا تم تأجيل الانتخابات بحجة عدم القدرة على تنظيمها وإجراءها، القرار قوبل بالرفض من المعارضة بمختلف انتماءتها العرقية، رغم كده تم التأجيل كمان مرة.. ووصل الوضع لاستقالة رئيسة البرلمان، خيرية إبراهيم، احتجاجًا على أستمرار تأجيل الانتخابات.
كمل البرلمان من غير رئيسته وأقر تمديد ولاية آبي أحمد لحين التمكن من إقامة الانتخابات، بالتالي تم تمديد ولاية كافة المجالس والهيئات المنتخبة. وهنا قرر حزب جبهة تحرير شعب التيجراي إقامة الانتخابات الخاصة بالأقليم.
انفجار الوضع
نظم الحزب المعارض “والحاكم داخل الأقليم” الانتخابات وفاز بيها وأعلنوا عن الحكومة الفيدرالية الجديدة، أديس أبابا ماعترفتش بالكلام ده وقطعت عنهم المصروف (المخصصات الفيدرالية).. فأعلنوا همه كمان أن الكلام ده مش دستوري لآن أبي أحمد وإدارته ولايتهم انتهت رسميا.
هنا قامت الحرب فاستعان آبي أحمد بحليفه الجديد أسياس أفورقي، رئيس أريتريا اللي جيشها انضم للحرب، فبقت الحكومة المركزية هي اللي بتستقوى بالخارج. خارج له عداء تاريخي مع التيجراي.. خارج سجلت منظمات مستقلة أرتكب جنوده لوقائع تصنف كجرائم حرب.. وحاجة أخر فرفطة للشرعية، خصوصًا بعد الانتصار الملحوظ للمعارضة وإعلان أديس أبابا انسحابها.
بناء على كل ما سبق من أنهيار سحب البلد لحالة من الاقتتال الداخلي، أصبح السيد آبي أحمد وإدارته في أمس الحاجة لمشروع قومي.. أو قضية قومية.. أو حتى حرب.. المهم تكون قومية، حدث يقدر الإعلام الداخلي الموالي له وعلى أساسه يجييش المجتمع ورا إدارته المتزعزعة ولايتها، خصوصًا بعد ما فشلت الانتخابات الوطنية اللي تم تنظيمها أخيرا في شهر يوليو (2021).
انتخابات انتهت بفوز حزبه الجديد وأحقية آبي أحمد في فترة حكم جديدة، لكن من غير استقرار حقيقي فالمعارضة مش معترفة بالنتيجة والتشكيك في نزاهة العملية الانتخابية بيتم بصوت عالي، وبكلام لا يخلو من المنطقية.. خصوصا مع عدم قدرة الحكومة على تنظيم الاقتراع في أكتر من منطقة بسبب الحرب، ومع بداهة أن نفس الحكومة اللي اجلت الانتخابات مرتين بسبب الوباء قدرت تنظمها لما أنضاف للوباء حالة حرب داخلية.
هل ينجح الكارت المحروق
داخليًا مافيش عند آبي أحمد غير تكرار لعبة ديسالين، وهي محاولة تجييش الرأي العام المحلي تحت شعار سد النهضة، فهل هينجح؟ ولا هيحصل معاه زي سلفه.. بآثار جانبية داخلية أسوء؟ أثار ممكن توصل لتفكك الفيدرالية الأثيوبية؟
ولو ده حصل.. هل إدارتنا مستعدة للتعامل مع سيناريوهات بالشكل ده؟
أسئلة كتيرة يصعب على أمثالي الإجابة عليها، فهركز أني أحاول أرد على سؤال تاني خالص: ياترى إيه ولا مين اللي مقوي قلب آبي أحمد على دخلة أنني لميت وأنكم لميتون دي؟
بس الحلقة الجاية بقى وعليكم خير.
إقرأ أيضاً
الحكاية مش حكاية السد (٥) .. الجريمة الكاملة
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال