الحلقة الرابعة من مسلسل “رشيد”.. وما زلنا نتسائل أين الإثارة!
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
صُنِّف مسلسل الإثارة والمغامرات “رشيد” في قائمة أفضل 10 عروض على موقع شاهد، الأمر الذي يصعب تفسيره مع المنحنى التنازلي لجاذبية الأحداث. صناع العمل أتقنوا الملابس والديكورات والتفاصيل كافة، لكن يبدو أنهم أسقطوا الحبكة من حساباتهم.
النجاح الوحيد للمسلسل حتى الآن- بخلاف الفنيات المادية- هو اقتباس سمات شخصية البطل من الرواية الأصلية المأخوذ عنها (كونت دي مونت كريستو)، إنسان مثالي قبل وبعد وقوع الظلم عليه لا تشوبه شائبة، الصفات المنقولة بالمللي عن أبطال روايات تيار الأدب الرومانسي.
سبق وذكرنا أن العمل مريح للعين ومناسب لأحداثه من حيث الديكور والملابس، إلا أن ملابس رشيد في شخصيته بعد الهروب من السجن وتقمصه دور رجل أعمال عائد من السنغال فاشلة، الطبخة فسدت على بربع جنيه تنسيق ملابس. إذا تقبلنا أن الشعر الطويل المجعد وسيلة تخفي، فكيف نتقبل الجاكيت الغريب غير المتناسب مع الشخصية ولا ملامحها الذي ظهر به في معظم مشاهد الزمن الحالي؟
فشل ذريع في السرد المتداخل زمنيًا
كنت أتوقع أن تتصاعد الأحداث بشكل أكثر سلاسة ووضوح، الإثارة لا تعني بالضرورة أن نترك المشاهد يعاني ليفهم أبسط المعلومات حول الشخصية، خاصةً في خط الزمن الحالي الذي يعرضه المسلسل؛ بخلاف خط الماضي الذي يعكس أحداثًا مفهومة ظهر خلالها الممثلون مرات معدودة. من الطبيعي أن يراعي صناع العمل السلاسة وقدر من الوضوح لا يفسد الغموض؛ لأن صعوبة متابعة السرد المتداخل تكفي.
يمكننا القول أن الحلقة الثالثة حاولت إنقاذ سقوط جاذبية أحداث الحلقة الثانية وإعادة التوازن للقصة، لكنها سرعان ما عادت للسقوط مرة أخرى فيما بعد. مسلسل إثارة خالي من الإثارة، اللهم إلا في قصة صلاح مع صاحب البار، والمشهد الأخير من الحلقة الرابعة الذي انتهى بالقبض على رشيد يوم زفافه، بعد الإشارة بكل سهولة إلى تآمر أمير ليلة الزفاف. الغموض يكتنف الأمور المفترض توضيحها، في حين تُعرَض المفاجآت بشكل متوقع.
صدرت الحلقة الرابعة من مسلسل رشيد ولم نرى مشهد واحد لقدرات الممثلين الفنية، أو حبكة ترغم المشاهد على الاندماج مع الشخصيات، لا توجد شخصية محورية سوى رشيد الذي لم يستطع محمد ممدوح من خلاله لفت الانتباه، الطبية الصافية والشهامة هما السمات الوحيدة التي تظهر على بطل خرج من السجن بعد سنوات لينتقم.
دخول العقيد فؤاد (محسن منصور) على الخط في الحلقة الثالثة، لم يكن له أي تأثير على الأحداث حتى الآن، ظهوره لمرتين كان يرسم شخصية الضابط الذي يسعى خلف مجرم أذكى من الطبيعي، وهو ما أوضحه الحوار بشكل مباشر حين اختارت الإدارة العقيد فؤاد بالذات للقبض عليه، الأمر الذي يتنافى مع طريقة تعامل رشيد الطبيعية البعيدة تمامًا عن سلوك هارب خطير.
صلاح عبد الله القادر على امتاعنا دائمًا
قصة الحاج فهيم (صلاح عبد الله) والست فراولة (نهلة سلامة) الجانبية كونت أفضل المشاهد حتى الآن، كنت مستعدة لمتابعة مسلسل كامل مبني على قصة رجل الأعمال الطيب المزواج وخيانة زوجته الثانية أو قل الرابعة. مشاهد اكتشاف وتأكد رشيد من خيانتها كانت ضعيفة للغاية، كان من الممكن أن تصبح أكثر واقعية وتأثيرًا لو لم تصنع بتلك العشوائية.
صلاح عبد الله كان حبة الظهور الذي هون من سقوط المسلسل، أتقن الدور ونقل المتابع لحالة التعاطف مع موقفه أمام خيانة فراولة، ربما يبدو واضحًا أن العمر تقدم به لكنه لا يزال قادرًا على العطاء وإمتاع المشاهد. بملامح حزينة صادقة ممزوجة بنظرات شاردة وصوت متهدج وكأن الخيانة حدثت حقيقةً، لم يصعب على الجمهور أن يفهم حزن الحاج فهمي على نفسه قبل حزنه على خيانة فراولة، والتي سرعان ما تخطاها بغيرها من زوجاته اللاتي لا يتذكر حتى عناوينهن.
في الحلقة الرابعة يستمر بحث رشيد عن ابنه سيف، ليصل إلى شيرين التي كانت على علاقة به من وسط مكون من الشباب مدمني وتجار المخدرات. تجسد أمينة خليل دور (شيرين) مدمنة مريضة نفسيًا، بأداء لم يخرج عن كتالوج مسلسلات وأفلام الأبيض والأسود؛ نوبات غضب يتخللها هدوء مضطرب سرعان ما ينتهي بانفعال غير مبرر. لم نفهم من تصرفاتها تلك إن كانت مدمنة أم مضطربة نفسيًا، وأي الأعراض كانت تحاول تقمصها البارانويا أم الانفصام! وهل هذه شخصية المدمن من الأساس!
وصلنا إلى ثلث المسلسل ولم يتعرف المشاهد على أساسياته حتى الآن، تفاصيل من خلالها يشتبك معه ويشعر بالفضول ليتابع تطوره؛ لم نعرف كيف سُجِن رشيد أو كيف هرب، ولماذا يتآمر أمير بلا أي مبرر ، أو ما هو السر الذي يجعل علاقة أسماء وصلاح تتسم بريبة يتعمد الإخراج إبرازها، وكيف تحولت شخصية أسماء من الأساس ولماذا؟ إن كانت الحلقات اكتفت بعرض إجابات تلك الأسئلة من خلال القصص القصيرة على ألسنة الشخصيات، فستصبح مشكلة مسلسل رشيد أكبر من مجموعة تساؤلات لم يجب عنها بعد.
الكاتب
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال