همتك نعدل الكفة
48   مشاهدة  

مشروع القرن .. الدلتا الجديدة بين الرؤية المؤجلة والتنفيذ الفعال

الدلتا الجديدة
  • مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه القطاع الزراعي عالميًا ومحليًا، برزت مصر كواحدة من الدول التي تسعى إلى تحقيق قفزات نوعية في التنمية الزراعية لتحقيق الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية المستدامة.

و بين مشروعي “الدلتا الجديدة” (الذي أُطلق لأول مرة في التسعينيات) و”مستقبل مصر” (2017)، يظهر تقارب واضح في الأهداف الاجتماعية والاقتصادية، حيث تسعى كلا المبادرتين إلى توسيع الرقعة الزراعية وزيادة الإنتاجية لتلبية احتياجات النمو السكاني وتحقيق الاكتفاء الذاتي، إلا أن الفرق الرئيسي بين المشروعين يكمن في نهج التخطيط والتنفيذ.

مشروع الدلتا الجديدة: رؤية ممتدة وتنفيذ متأخر

لم يكن مشروع الدلتا الجديدة فكرة وليدة اللحظة أو نتيجة تصريح عابر للرئيس عبد الفتاح السيسي، كما يُشاع أحيانًا، بل هو تسريع لوتيرة مشروع جرى الحديث عنه منذ منتصف الثمانينيات. المشروع تم تداوله في خطط وأحاديث حكومية دون اتخاذ خطوات حاسمة نحو التنفيذ.

في عدد صحيفة “مصر الفتاة” الصادر في 26 نوفمبر 1990، طُرحت فكرة الحاجة إلى “دلتا جديدة” لمصر بمساحة تقدر بـ 4 ملايين فدان كضرورة ملحة للتنمية الزراعية ومواجهة تحديات النمو السكاني. ومع ذلك، ظل المشروع مجرد فكرة، وتبناه كل حزب وحكومة دون قرار حاسم في التنفيذ.

 

الدلتا الجديدة
مشروع الدلتا في عدد مصر الفتاة عام 1990

 

في منتصف التسعينيات، أعلنت حكومة الدكتور كمال الجنزوري بدء مشروع الدلتا الجديدة، ووصفته صحيفة “لوفيجارو” الفرنسية آنذاك بأنه “مشروع القرن”، معتبرةً إياه خطوة قوية نحو التعمير القائم على أسس سليمة.

الدلتا الجديدة
مشروع القرن

في المقابل، كانت هناك أصوات معارضة، مثل حزب “الوفد”، التي وصفت المشروع بـ”بالونة هواء”، مشيرة إلى احتياجه لوقت طويل وكثير من الأموال لتنفيذه.

الدلتا الجديدة
تعليق صحيفة الوفد حول مشروع الدلتا الجديدة

وعلى الرغم من هذا الجدل، حظي المشروع بدعم واسع من أصوات عديدة اعتبرته مشروعًا قوميًا. وبعد أربع سنوات من بدء المشروع، والذي كان يستهدف استصلاح 2.2 مليون فدان، أعلنت صحيفة “الأهرام” في 24 ديسمبر 2000 عن افتتاح 200 ألف فدان على جانبي الطريق الصحراوي، وهي المساحة التي أصبحت النواة الفعلية للمشروع.

الدلتا الجديدة
حول تكلفة المشروع وعدد الأراضي التي تم استصلاحها

ظل الهدوء والصمت حول التنفيذ في المشروع الذي أخذ ضجة واسعة يسيطر على الساحة مدة أربع سنوات ففي عام 2004، أعلن وزير الموارد المائية والري آنذاك، محمد أبو زيد، عن استصلاح 150 ألف فدان جديدة. ومع ذلك، ظل التنفيذ بطيئًا، يعاني من مشاكل تخطيطية كبيرة وعدم وضوح في الرؤية الشاملة، ما جعل المشروع يتأخر عن تحقيق أهدافه.

الدلتا الجديدة
حول تكلفة المشروع وعدد الأراضي التي تم استصلاحها

هل اتبعت حكومة عبد الفتاح السيسي نفس النهج في الدلتا الجديدة؟

بدأ الحديث عن مشروع الدلتا الجديدة منذ منتصف الثمانينيات وحتى عام 2004، دون أن يحقق إنجازًا ملموسًا سوى استصلاح 200 ألف فدان فقط، رغم إعلان وزير الموارد المائية والري وقتها، محمد أبو زيد، عن خطة لاستصلاح 150 ألف فدان إضافية. وقد تكلفت المساحة المستصلحة حوالي 3 مليارات جنيه، وهو رقم ضخم بمقاييس أوائل التسعينيات. ورغم هذه التكاليف، لم يستطع المشروع أن يُحدث تحولًا حقيقيًا بسبب ضعف التخطيط والتحديات الاقتصادية التي واجهت الحكومات آنذاك.

أما حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي تبنت نهجًا مغايرًا منذ عام 2014، إذ وضعت التنمية الزراعية في مقدمة أولوياتها ضمن خطة شاملة لتحسين جودة الحياة للمواطنين. وقد شهد القطاع الزراعي تنفيذ العديد من المشروعات القومية التي تهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.

الدلتا الجديدة
مشروعالدلتا الجديدة واستصلاح أكثر من مليون فدان

من أبرز هذه المشروعات “مشروع مستقبل مصر للإنتاج الزراعي”، الذي بدأ التفكير فيه في يوليو 2017، حين وجّه الرئيس السيسي بإطلاق المشروع لتوفير منتجات زراعية عالية الجودة بأسعار مناسبة للسوق المحلي، مع تصدير الفائض لدعم الاقتصاد الوطني. ويأتي المشروع ضمن رؤية مصر 2030 لتعظيم الفرص الإنتاجية في استصلاح الأراضي الزراعية.

نهج جديد أم استمرارية؟

بطرح هذا التساؤل: هل استمرت حكومة السيسي على نفس وتيرة الحكومات السابقة، أم أنها قدّمت إضافة نوعية؟

في الواقع، ما يميز النهج الحالي هو وضوح الرؤية وسرعة التنفيذ مقارنة بالتباطؤ الذي شاب المشروع في العقود الماضية. فقد أظهرت القيادة السياسية التزامًا حقيقيًا بتسريع وتيرة التنمية الزراعية، مع توظيف استثمارات ضخمة وخطط استراتيجية مدروسة لتحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع.

بينما كانت الحكومات السابقة تسعى لتحقيق الأحلام الزراعية دون خطط تنفيذية محكمة كما ظهر على سبيل المثال في إنشاء محطات الرفع والطاقة في الدلتا الجديدة فلم تكن هناك إرقام وإحصائيات واضحة للحكم على المشروع.

في حين أظهرت حكومة السيسي قدرتها أثناء تنفيذ المشروع على وضوح الرؤية، من أبرز ملامح وضوح الرؤية في مشروع “مستقبل مصر” هو التخطيط الدقيق المبني على إحصائيات وخطط واضحة تدعم تنفيذه بكفاءة.

وسعت الحكومة من خلال هذا المشروع إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة وزيادة الإنتاج الزراعي بجودة عالية، مع التركيز على الاستفادة المثلى من الموارد الطبيعية والتكنولوجية، ومنها إدارة الموارد المائية التي قد لاقت تهميش وعدم وضوح رؤية في مشروع التسعينيات.

يتبنى مشروع مستقبل مصر أحدث نظم الري الحديث باستخدام تقنيات متقدمة تضمن الاستدامة والكفاءة. تعتمد الخطة على نقل مياه الصرف الزراعي المعالجة عبر ترعة بطول 170 كيلومترًا مدعومة بـ17 محطة رفع، حيث تصل إلى محطة معالجة عملاقة بطاقة 7.5 مليون متر مكعب يوميًا.

الدلتا الجديدة
مشروعات الري ي مشروع مستقبل مصر

كما يستفيد المشروع من الموارد الجوفية المتاحة من خلال ثلاثة خزانات رئيسية (الأيوسين، المايوسين، المغرة)، مع مراعاة عدم السحب الجائر لتلك الخزانات لضمان استدامتها. ويجري حاليًا العمل على إنشاء ترعة “مستقبل مصر” بطول 41 كيلومترًا لتوفير مياه سطحية إضافية بطاقة 10 ملايين متر مكعب يوميًا، مما سيتيح استصلاح 700 ألف فدان إضافية.

أما عن التقنيات الزراعية والمساحات المستصلحة، فقد تم استصلاح وزراعة 350 ألف فدان باستخدام تقنيات ري متطورة مثل 2600 جهاز ري محوري. وتُزرع هذه المساحات مرتين سنويًا، ما يساهم في تحقيق إنتاجية زراعية مرتفعة بمواصفات جودة عالمية.

الدلتا الجديدة
خريطة توضح كيفية استصلاح المرحلة الأولى من مشروع مستقبل مصر

ولم تغفل الخطة والرؤية عن المشروعات الصناعية المكملة التي تخدم القطاع الزراعي، حيث تم التخطيط لإنشاء منطقة صناعية متكاملة على ثلاث مراحل:

إقرأ أيضا
الأفراح الريفية

 1ـ المرحلة الأولى: تضم ثلاجات لتخزين البطاطس بسعة 80 ألف طن، محطات فرز وتعبئة، صوامع تخزين الغلال بسعة 20 ألف طن، محطات غربلة التقاوي، ومعامل تحليل التربة.

 2ـ المرحلة الثانية: تشمل مصانع تجميد الخضروات والفاكهة، تصنيع السناكس، معالجة البصل والثوم، تعبئة البقوليات، تكرير الزيوت، إنتاج أعلاف الماشية، ومزارع الأغنام.

3ـ المرحلة الثالثة: تركز على التصنيع الثقيل مثل مصانع إنتاج السكر والزيوت، إضافة إلى محطات فرز البرتقال.

تقارب أهداف

تقارب الأهداف الاجتماعية والاقتصادية لمشروعي “الدلتا الجديدة” (1996) و”مستقبل مصر” (2017) بشكل كبير، إذ يسعى كلا المشروعين إلى تحقيق توسع في الرقعة الزراعية في مصر كخطوة استراتيجية لدعم الأمن الغذائي وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

مشروع “مستقبل مصر” يأتي ضمن رؤية شاملة تهدف إلى تقليل الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك الزراعي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من المحاصيل الأساسية، كما يسهم المشروع بشكل كبير في دعم الاقتصاد الوطني، حيث يمثل القطاع الزراعي حوالي 15% من الناتج المحلي الإجمالي. بالإضافة إلى ذلك، يدعم المشروع التوسع الصناعي المرتبط بالزراعة، مما يعزز فرص التصدير وتقليل الاعتماد على الواردات.

على الصعيد الاجتماعي، يوفّر المشروع حوالي 10 آلاف فرصة عمل مباشرة، وأكثر من 360 ألف فرصة عمل غير مباشرة، مع توقعات بزيادة هذه الأرقام في المواسم المقبلة. كما تُطبق أعلى معايير السلامة والصحة المهنية لضمان بيئة عمل آمنة للعاملين.

هذا المشروع هو انعكاس لرؤية متكاملة لتحقيق تنمية مستدامة من خلال التكامل بين الزراعة والصناعة، ودعم الصادرات الزراعية، مما يجعله نموذجًا يُبرز مدى نجاح التخطيط والتنفيذ بالمقارنة مع المشاريع السابقة.

ختامًا، يتضح أن مشروعي “الدلتا الجديدة” و”مستقبل مصر” يمثلان رؤيتين تهدفان إلى تعزيز الأمن الغذائي والتنمية المستدامة في مصر، مع تقارب واضح في الأهداف الاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، فإن الفارق الجوهري يكمن في التخطيط والتنفيذ؛ حيث عكست التجربة السابقة تحديات التباطؤ وضعف الرؤية، في حين أظهر النهج الحديث قدرة على تحويل الأفكار إلى واقع ملموس باستخدام استراتيجيات متطورة.

اقرأ أيضًا : الاكتفاء الذاتي .. مشروع مستقبل مصر يغير خريطة الإنتاج الزراعي في البلاد

الكاتب

  • الدلتا الجديدة مي محمد المرسي

    مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان