الدمية “يوسف” .. مسرح العرائس في غزة ومحاكاة المأساة
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يجلس يوسف الهندي خارج كوخ من الصفيح، وتحيط به بطانيات ملفوفة بحبل من أجل الخصوصية، وهو يقطع بعناية قطعة من الستايروفوم على شكل ذراع. تصدر المادة صريرًا يضيع صوته بين أصوات جماهير الأطفال المنتظرة للعرض المسرحي.. وقبل الحرب في غزة، كان الهندي محرك دمى ناجحًا وأخصائيًا اجتماعيًا من مخيم الشاطئ للاجئين في غزة. هكذا وصفت إحدى الوكالات الأجنبية هذا الفنان، وسردت قصة معاناته وقالت أنه استخدم الدمى لعلاج قلق الأطفال وغضبهم وصدماتهم، وشارك في تأسيس مسرح كامب، وهو مسرح عرائس متنقل للأطفال. لقد نشر ذلك بفخر على حسابه على الفيسبوك قبل يوم واحد من حرب 7 أكتوبر. ومارس الهندي حرفة الدمى المتحركة والعرائس النادرة والمتنوعة باستخدام مجموعته الخاصة من الأدوات الاحترافية والدهانات الملونة.
الهندي الآن بلا مأوى، ويعيش في الأرض القاحلة التي هي غزة اليوم. ترك صندوق الأدوات الخاص به، ويستخدم الآن الأدوات التي صنعها من القصدير والخشب. يقوم ببناء دمية عن طريق تفكيك ثلاجة مكسورة فارغة حيث لا توجد كهرباء مستقرة لتشغيلها، ناهيك عن ما يكفي من الطعام لتخزينه في واحدة. وهو يستخدم الإمدادات الطبية مثل الجبس والقطن الذي انقذه من الجبيرة التي كان يرتديها على قدمه بعد تعرضه لإصابة قبل بضعة أشهر.
وقال فنان العرائس : “لقد صنعت العديد من الدمى، لكن الشهيد يوسف يحمل قصة أثرت فيّ قبل أن تؤثر على الآخرين”. “وقد صنعت له دمية خاصة، في كل مرة أحمل فيها الدمية أو أعمل عليها، أشعر بمدى الصعوبة التي نعيشها، وأفرغ طاقتي العاطفية فيها”.. وأضاف: “أتحدث مع نفسي… أحاول أن أعبر عن الوضع الذي نعيشه من خلال الدمية”. “وأحاول أن أروي القصة التي تدور في ذهني وفي ذهن كل نازح”.
وتستند الدمية أيضًا إلى طفل حقيقي يُدعى يوسف قُتل أثناء الحرب وأصبح يرمز إلى جميع الأطفال الفلسطينيين الذين قُتلوا. في مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع، يبحث والدا يوسف البالغ من العمر 7 سنوات بشكل يائس عن ابنهما في المستشفى حيث يعمل الأب طبيبًا. تنادي والدته: “إنه فتى لطيف ذو شعر مجعد”. وأخيراً تعرف الأب على ابنه في المشرحة.
مصدر للأمل
قد يكون محيط الهندي قاتماً، لكنه لا يزال مدفوعاً برفاهية الشباب.. وقال “هدفي هو صرف انتباه الأطفال عن الأزمة التي نعيشها ورسم البسمة على وجوههم”. “لإرسال رسالة مفادها أن الأطفال هم مصدر الأمل”.. وقد قلبت الحرب روتين حياته رأساً على عقب – طوابير الخبز، وانتظار الكهرباء والماء، وأصوات الانفجارات – والوقت الوحيد الذي يستطيع أن يبدع فيه الآن هو في المساء عندما تكون الأمور هادئة نسبياً.. وأضاف: “أعني هدوء المكان الذي نحن فيه، وليس هدوءًا في السماء”، في إشارة إلى أزيز الطائرات بدون طيار المستمر وانفجارات الضربات الجوية من قِبَل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
لم يتمكن الهندي من الأداء إلا مرة واحدة مع المسرح المتنقل الذي ساعد في تأسيسه. اندلعت الحرب في غزة وسرعان ما تحطم هذا الحلم.. لكنه مصمم. ويعتزم الهندي أن يسافر يوسف، الدمية، في نهاية المطاف عبر الفيديو، ويتحدث لغات مختلفة، ليصل ليس إلى أطفال غزة فحسب، بل إلى العالم أجمع.. وأضاف “سينشر رسالة مفادها أن الأطفال الفلسطينيين ما زالوا يُقتلون وأن الحرب في غزة يجب أن تتوقف”.
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال