الدورة الشهرية .. هل تستحق المرأة أجازة مدفوعة الأجر عنها؟
“آلام حادة، تكسيير في العظام، حزن شديد، بكاء دون مبرر، استدعاء لمواقف سيئة، مطرقة تعصف بكل أجزاء الجسد، قرارات غير مدركة”، تلك أعراض تدركها وتشعر بها فقط النساء، يعلمها بعض الرجال ويجهلها البعض الآخر.
“آلام الحيض تساوي آلام النوبة القلبية”، وفقا لوحدة الصحة الإنجابية بكلية لندن، فآلا تستحق المرأة أجازة شهرية مدفوعة الأجر لتلك الأيام العصيبة التي تمر بها؟.
“أجازة الحيض”، تلك مجرد أطروحة، لكن حاجة المرأة إليها من عدمه ترويها النساء بألستهن، لنرصد معاناتهم حول تلك الفطرة المحتومة، ليدعم أهل الطب ذلك الحق أو يسحقه، في محاولة الوقوف على الرأي القانوي في مدى إمكانية تنفيذ ذلك من عدمه.
في بداية عملى ومع سنى الصغير لم أكن استطيع أن اترك الفراش، فالألم كان شديد ولا يحتمل، حتى ولم أكن أملك رصيد أجازات سنوية، فكنت أضطر للغياب على أن يخصم من مراتبي، فكيف لي أن أقف أمام التلاميذ وأن أشعر بغزارة الدم وتدفقه، فذلك أمر موتر، لايمكنني خلاله أن استجيب لحوارات التلاميذ وأسئلتهم، فكان الأسهل هو الغياب أو الأجازة.
الموقف شديد الصعوبة، خاصة مع الدورة غير المنتظمة، فلا ميعاد محدد لأخذ الإحتياطات اللازمة، مما جعل “الفوط الصحية” مكون أساسي من مكونات حقيبة يدي، فإن لم أكن في حاجة إليها فربما إحدى المدرسات في حاجة إليها أو حتى إحدى الطالبات فمن يدري.
جنا عثمان، وهي مدرسة لغة إنجليزية، لديها طفلتان ثلاث سنوات وخمس سنوات، تقول “لا أكون بكامل قدرتي وقوتي العقلية، فقلق يسطر على تفكيري وصعوبة شديدة على إدراك ما يدور حولي، وكأنني فقدت ما لايقل عن 50%من طاقتي، أريد أن أنهي الدرس والحصة بأسرع وقت، أريد أن أعود لمنزلي وإلى غرفة نومي.
أحيانا تمنيت أن يكون المسئول مديرة وليس رجلا لأخبرها بدورتي الشهرية، فتتفهم أمري، وتتركني أرحل دون أسباب، فالمرأة وحدها ما يمكنها إدراك ما يحدث لنفس جنسها.
تصف “جنا” حالتها، “أصاب بانخفاض ضغط الدم وإنعدام التوازن، وعدم القدرة على التعامل مع زملاء العمل، تقول “جائتني فكرة أجازة الدورة الشهرية وعن إمكانية تنفيذها من قبل المسئولين في الدولة أو المهتمين بشئون المرأة، لكننى وجدت الأمر محرجا، فهل أذهب لمديري لأطالبه بالإمضاء على أجازة الدورة الشهرية!، صعب جدا.
قد يكون الأفضل هو زيادة الأجازة الإعتيادية الشهرية يومين للمرأة عن الرجل، وبالتالى فإن كانت الأجازات الشهرية 4 أيام فقط للرجل، فالمرأة ستة أيام، على أن تقوم هي بأخذ اليومين وقت قدوم دورتها.
لننتقل من مشاعر “جنا” المؤلمة، إلى تلك المرأة العفوية التي أجابت دون أن تفكر دقيقة واحدة، لتشعرك وكأن توا جائتها دورتها الشهرية، أو كما لو كانت في انتظار أحد أن يسئلها عن مشاعرها، وما يدور بداخلها عن تلك المعاناة والألآم.
لا أريد أن يحدثني أحد، وأكرهه سماع الأصوات وكثرة الطلبات، كما أبغض أن أنهض بين اللحظة والثانية لتلبية رغبة مشتري لا يريد سوى ب جنيها واحدا، فأنا أحمد الله على قدرتي على استئجار مثل “محل بقالة “، وتوفير بضاعتي لكنى في تلك الأيام لا أريد سوى الراحة التامة والنوم الكثير.
بسواد يحيط عينيها وملابس فضفاضة ويد مثقلة بالأعباء وجسد اشتد عليه الألم، تقول “وفاء حسن” وهي صاحبه “كشك بقاله”، “كل حلمي إني أنام وقت الدورة الشهرية وما اسمعش صوت حد لكن ما باليد حيلة”.
فلم أكن أتمنى يوما أن يخدمنى أحد، لكن في تلك الأيام تحديدا احلم ولو ليومين فقط أن يتولى أحد غيري مسئولية أبنائي وطلبات المنزل والوقوف بديلا لي في “محل البقالة”
فأعلم أن دورتي الشهرية نعمه وإنقطاعها عبء أشد وتبعات أكثر، ولكنها مؤلمه جدا وتحتاج الى راحة لا أقدر على الحصول عليها.
ذلك كان توصيف لما قالته تلك المرأة شديدة اليقين بنعمة الإبتلاء كنعمة العطاء، لتقول “نفسي اصرخ وأقول أنا تعبانه ارحموني اليومين دول”، لكنها تعود لتؤكد “الحمدلله أولا وأخيرا على معرفة السبب وراء ذلك الألم وتلك العصبية المفرطة، بدلا من التشتت في معرفة السبب وراء هذا المزاج السىء وذلك الحزن الشديد وتلك العصبية التي قد تكون غير مفهومة.
أما دعاء درويش وهي طباخة تعمل من المنزل، إمرأة شديدة الجمال والجاذبية، لا تمر عليها مرور الكرام، فوجهها المبتسم طوال الوقت وكلامها العذب وصوتها المؤثر، يجعلك توقفها لتتأكد هل يبقى الوضع على حالة عند قدوم دورتها الشهرية؟، لتجيب بتلقائية شديدة وضحكات مرتفعة، “عندما تأتيني الدورة الشهرية، فكل أفراد الأسرة تأتيهم معي، حتى زوجي، فالأبناء لا يذهبون للمدرسة، فأنا من أقوم بإصطحابهم، ولا استطيع أن أقوم بذلك في أول يومين، وبالتالي فغيابهم هو الحل، أما زوجى فيتجنبني بقدر المستطاع، يحاول تقليل الطلبات التي يحتاجها، وتقديم المساعدة بعمل كوب من المشروبات الدافئة”.
أشعر بإغماء طوال الوقت، وإعياء شديد قد يضطرني لأخذ بعض المحاليل والعلاجات، فلا استطيع عمل شىء سوى نظافتي الشخصيتى وتغيير “الفوط الصحية” والنوم وتناول المزيد من الحلوى.
تقول دعاء “أكثر ما يزعجنى هو صوت رنين الهاتف المحمول، لذلك أضعه على وضع الصامت، حتى لا أصاب بإنهيار عصبي، أما بناتي فكنت اضطر لإعطائهم “دواء الكحة”، عندما كانوا صغارا، فقط حتى يمكنني النوم والراحة، كما أن ذلك الدواء أيضا يساعد على تهدئة صدورهم”.
وعندما أقع تحت ضغط شديد، وفي حاجة للمال ولا مفر من تجهيز “أوردرات” الطعام، وتوصيلها للمنازل، لا أجد حلا سوى تناول “حبوب تأخير نزول الدورة الشهرية”.
أطباء : المراة تستحق أجازة حيض
وكان للمختصون وأهل الطب وقفة مع ذلك المقترح ومدى أهمية تطبيقه على أرض الواقع، فيعرب دكتور هاني سيد أحمد أخصائي نفسي إكلينيكي، عن سعادته لطرح مثل هذه الفكره، مؤكدا أن فترة الدورة الشهرية يجب أن تخرج من إطار الأجازة المرضي، فهى اجازة تستحقها المرأة شهريا مدفوعة الأجر دون أن تكون من رصيد أجازتها أو دخولها في سقف المرضي، قائلا “ما تمر به المرأة يستدعي الحصول على أجازة الحيض”.
وإعتبر الأخصائي أن ثلاثة أيام هى مدة مرضية وكافية للوضع النفسي والصحي الذي تمر به المرأة فى فترة الحيض، مؤكدا أهمية النظر في تلك القضية من الناحية الفسيولوجبة والنفسية والاجتماعية والمهنية والقانونية وكذلك الشرعية.
وأضاف أن المرأة في فترة الحيض لا تستحق فقط أجازة من العمل، بل من الأعمال المنزلية أيضا لمزاجها السىء وانخفاض همتها بالإضافة إلى التوتر والإحباط وضعف قدرتها على التركيز.
وإعتبر أن الآلام الجسدية المصاحبة للدورة الشهرية مثل انتفاخ الثدي وآلام الظهر والمفاصل وأسفل البطن والرغبة الشديدة في النوم والشعور بعدم الراحة ووقوع مشكلات مع المحيطين بها، بالإضافة إلى الدخول المتكرر للمرحاض بهدف الإجراءات الصحية أسباب كافية تدعو للتفكير بجدية في قضية “أجازة الحيض”.
القضية مهمة وخطيرة
الحقيقة البيولوجية تؤكد صعوبة مباشرة المرأة للأعمال المسندة إليها، مما يحتم نظرة تشريعية جديدة، لكن سن مثل هذا قانون يحتاج الي ضوابط بما لا يخل بمبدا المساواه المقرر دستوريا”، تلك كان رأي المختصين بشئون القانون.
فيقول احمد شوقي الخطيب، المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدوله، لا يوجد معالجه تشريعيه، أو حكم قضائي، أو رأي فقهي عالج تلك المحنه البيولوجيه للمرأه علي ضوء الواقع، رغم ثمه سيدات يعملن بالحقل الفقهي، لكن لم يتعرضن للمشكله.
ويضيف أن ذلك المقترح يستوجب تدخل تشريعي حاسم، فيمكن طرح الموضوع من خلال المجلس القومي للمرأة، بإعتباره اهم مؤسسه تختص بشئون المرأة، ليقوم بدوره بعرضه على البرلمان، قائلا “اظن ذلك من مقتضيات العداله الطبيعيه”.
لكن في المقابل يشير شوقي إلى بعض المعوقات والتي تتمثل في طرح هذا الامر في دوائر العمل، خاصة مع احتمال تحايل البعض بكل ما يثيره من خجل، وكذلك الشكوك الاداريه الموروثه، لكن يمكن التغلب على ذلك بوجود طبيبه متخصصه لحسم اية اعتراض، وخلفيه ثقافيه جديده.