رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
1٬423   مشاهدة  

السبانخ التي جعلتني أصدق أن جدتي رحلت

السبانخ التي جعلتني أصدق أن جدتي رحلت


غريب الوقت وقدراته الهائلة على تغيير كل الثوابت، أقف أمامه عاجزة عن فهم السر الذي يجعلني اليوم أكتب هذه الأحرف وأنا مبتسمة، رغم أنني أتحدث عن جدتي التي عندما فقدتها كنت أشعر أنه من المستحيل أن أتخطى خذلان الحياة لي، وكيف كانت قاسية في اختيارها اختبار قوة احتمالي بفقدان جدتي وتصبح الابتسامة فقط هي التي تسكن وجهي عندما اتحدث عنها وعن كيف افتقد تفاصيل لم يفهمها سوانا أنا وهي فقط.

اتذكر عندما كنا ننزل سويًا لشراء أغراض المنزل، كنت أركض حولها ولا أكف عن رفض تحذيراتها من مخاطر الطرق، وكيف علي كفتاة (مؤدبة) أن أمشي ببطء بجانب الرصيف، في ذلك الوقت كان طولي لا يسعني لتقبيلها على كتفها حتى، اشير لها بكفي الصغيرتين وأنا أضم أصابعي وأشير لها أن تقرب رأسها إلى الأسفل حتى استطيع الأمساك بأذنها لأقول لها الأسرار، حياة مليئة بالسعادة عشتها في بيت جدتي كنت اتمنى أن تدوم إلى الأبد.

صورة العسل وتشوه التخيلات الجنسية عند بعض الرجال!

قبل وفاة جدتي لم أكن أصدق من يتحدثون عن ارتباط أكلات بعينها برؤية شخص ما أو مكان ما، وأنه بعد رحيل أحبائهم تكون روائح تلك الأطعمة كافية لاستدعاء مشاعر الحزن لقلوبهم، واستمريت في عدم التصديق حتى بعد وفاة جدتي إلى أن دعيت على الغداء في بيت أحد أصدقائي وقامت والدته بوضع طبق من السبانخ على المنضدة… لم يكن يخطر ببالي يوم أن أبكي أمام اصدقائي مثل الأطفال، ولكن في لحظة استدعى عقلي ذكريات مراحل إقناع جدتي لي أن السبانخ وجبة متكاملة ستجعلني امرأة قوية وجميلة عندما كان عمري لا يتعدى الخمس سنوات وصولاً إلى طلبي وإلحاحي عليها لتقوم بطهيها لي وأنا طالبة جامعية.

وظلت رحلة هروبي من رائحة السبانخ مستمرة لما يقرب من عام بعد وفاة جدتي، لا أكلها ولا أسمح بطهيها في المنزل، وكذلك أطلب بشكل واضح عدم وجودها على مائدة الطعام إذا دعيت على الغداء عند أحد، إذا بدا لك الأمر مضحك وأنت تتخيل فتاة تخطى عمرها في ذلك الوقت الواحد والعشرون عام وهي تهرب من طبق سبانخ، ولكن يشهد الله كيف كان هذا الطبق بمثابة زر تشغيل قناة أعيني الدمعية فلا استطع حبس دموعي.

إذا كنتم تتخيلون أن 2020 هي سنة الكوارث.. فعليكم معرفة ما حدث للبشرية

وكوني أكره الضعف كان علي أن أتعامل مع كل شيء اتجنبه لانه يذكرني بجدتي، وكانت البداية عندما ذهبت إلى العقار التي كانت تسكن به مواجهة ضعفي في تصديق رحيلها، وكانت الخطوة الثانية عندما قررت أن أصنع أنا طبق السبانخ، وذلك بعد أن تكرر الطلب من أمي أن أصنع لها السبانخ بطريقة جدتي نظرًا لأنني كنت أقيم معها وأعرف أسرار وصفتها، ورغم محاولتي في ضبط المقادير إلا أن الأمر لم يفلح في البداية، ولكن بعد عدد من المرات تذكرت جيدًا طريقة صنع جدتي لـ (طشة) السبانخ وصنعتها بنفس المقادير وبالفعل كانت تشبه ما تصنعه جدتي جدًا وكانت سعادتي لا توصف، واصبحت السبانخ هي وجبتي المفضلة ولا أصنعها بالحمص مثل الغالبية، ولكني أصنعها بـ (لسان العصفور) على طريقة جدتي الخاصة.

 

إقرأ أيضا
أم كلثوم

 

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
1
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان