السيرة الكلثومية.. قصة درة القرن العشرين وكوكب الشرق الآنسة أم كلثوم إبراهيم.. الحلقة السابعة
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة السابعة من قصة كوكب الشرق الآنسة أم كلثوم ابراهيم، ولا زلنا نتحدث عن المرحلة الريفية من حياة أم كلثوم، وقد انتهينا في اللقاء السابق حيث زيارتها الأولى للقاهرة برفقة ناظر العزبة، ويمكن القول إن تلك الزيارة كانت مجرد تعارف من تلك الفتاة الصغيرة على دنيا غريبة تماما عن الحياة التي عاشتها من قبل، دنيا أكثر اتساعا من مجرد تلك القرية التي حصرت حياة أم كلثوم في الليالي والحفلات الضيقة والموالد التي تتنقل فيها بصحبة والدها وأخيها، واليوم نبدأ مع أولى تجارب أم كلثوم في التأليف.
أم كلثوم وتأليف القصائد الدينية:
بدأت مشوارها الغنائي بغناء القصائد والمدائح النبوية والموشحات القديمة، ولفتت الأنظار بنباهتها وبلاغتها وفصاحتها رغم صغر سنها، وانطبع ذلك على اختياراتها لما تنشده وتغنيه من قصائد دينية وتواشيح، فكانت تختار القصائد والموشحات الدينية من مؤلفي السنبلاوين والدقهلية بشكل عام، وأحيانا كانت تغني من تأليف والدها الشيخ إبراهيم البلتاجي، إلا أن فصاحتها وبلاغتها التي اكتسبتها من تعلم اللغة العربية والقرآن الكريم في الكتاب كانت تدفعها لإضافة بعض الكلمات أو حذف بعضها من تلك القصائد، وحين أتمت أم كلثوم عامها الخامس عشر آنست في نفسها القدرة على التأليف فألفت أول قصيدة لها وغنتها، وكانت هذه القصيدة بعنوان تبارك من تعالى في علاه وفيها:
تبارك من تعالى في علاه، يقول للعبد اطلبني تجدني.
أنا المطلوب فاطلبني تجدني، وإن تطلب سواي لم تجدني.
أنا المقصود لا تقصد سواي، كثير الخير فاطلبني تجدني.
أنا الملك المهيمن جل قدري، عظيم الخير فاطلبني تجدني.
تجدني في سجودك حين تدعو، وحين تقوم فاطلبني.
تجدني راحما بارا رؤوفا، بكل الخلق فاطلبني تجدني.
وإذا اللهفان ناداني حزينا، أقول لبيك فاطلبني تجدني.
كذلك كانت أم كلثوم تؤلف التواشيح الدينية كتوشيح يا حبيبي يا محمد، وتقول كلماته:
صل يا رب وسلم، ع النبي بدر التمام، يا حبيبي يا محمد، أنت مصباح الظلام، أنت سر الله حقا، والمظلل بالغمام، أنت نور أنت بدر، أنت كهف للأنام، أنت أصل للبرايا، أنت مولانا الإمام، يا رسول الله إني، أبتغي نيل المرام، كن مغيثي كن مجيري، في الورى يوم الزحام، أنت مطلوبي فهب لي، نظرة لو في المنام.
والواقع أن أم كلثوم حينما كانت تغني من كلمات والدها الشيخ إبراهيم البلتاجي لم تكن تعدل أو تغير فيها وقد جاء في مذكراتها أنها قالت: إنه والدي ومعلمي وأستاذي، فكيف للتلميذة أن تعدل أو تحذف لأستاذها؟ ومن القصائد التي كتبها والدها والتي كانت أم كلثوم تعتز بها وتغنيها دوما في أغلب الليالي والحفلات، موشح ديني بعنوان من الله نرجو الغفران وفيه:
لا إله إلا الله، محمد رسول الله، من الله نرجو الغفران، إن كنت يا ولهان، خائفا من الديان، قم في الدجى سهران، بالذكر والقرآن، واترك جميع دنياك، واقصد حمى مولاك، فهو الذي أنشاك، بالفضل والإحسان، تب توبة الأبرار، وابك على الأوزار، يرضيك بالغفران.
كذلك هناك قصيدة اعتادت أم كلثوم الصبية على غنائها وهي من تأليف الشيخ إبراهيم جمعة شيخ كتابها الجديد بالسنبلاوين بعد أن توفى شيخها الأول، والقصيدة بعنوان الدهر لوعني في الحب من صغري وفيها:
الدهر لوعني في الحب من صغري، فلا مفر من المحتوم في القدر.
إلى متى اللوم يا خالي من الفكر، ألا ترى دمع من عيني كالمطر.
والجسم ذاب من التبريح والغير، عدتك حالي لأسري بمستتر.
أم كلثوم تلتقي بالشيخ أبو العلا محمد لأول مرة:
يأتي الشيخ أبو العلا محمد على رأس الملحنين الكبار الذين لحنوا لأم كلثوم في بدايات مشوارها الفني، صحيح التسلسل الزمني للأحداث فيه اختلاف حول لقائها الأول بالشيخ زكريا أحمد في طماي الزهايرة، إلا أن المؤرخين يرجحون لقائها بالشيخ أبو العلا محمد أولا على محطة السنبلاوين، قبل أن تدعوه لزيارتها في المنزل وعلى أية حال سنتحدث بالتفصيل عن لقاء أم كلثوم بالشيخ أبو العلا محمد ثم نتحدث فيما بعد عن لقائها الأول بالشيخ زكريا أحمد.
وعن لقائها الأول بالشيخ أبو العلا محمد تقول أم كلثوم: كنت أغني بلا إحساس ولا شعور، لقد كنت أردد الأغاني التي أسمعها من أبي بنفس الطريقة التي يردد بها التلميذ الصغير جدول الضرب وقواعد النحو والصرف، ثم غيرني فونوغراف العمدة، لقد سمعت من هذا الفونوغراف صوت الشيخ أبو العلا محمد، وهزني صوته، كنت أشعر أنه يغني لي وحدي، وسمعت صوته مئات المرات وهو يغني أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعه وغيري على السلون قادر وقصيدة وحقك أنت المنى والطلب، وكان الفونوغراف يسكت ولكن صوت الشيخ أبو العلا كان يستمر في أذني وكنت أتصور أنه قد مات، إلى أن جاء اليوم الذي التقيته صدفه في محطة السنبلاوين وبالطبع لم أتعرف عليه إلا بعد أن سمعت والدي يقول الشيخ أبو العلا هنا.
تقول أم كلثوم عن هذ اللقاء:
لم أكد أصدق ما أسمعه وما أراه، رأيت والدي يسرع نحو الرجل الكبير(تقصد الشيخ أبو العلا محمد)، ويصافحه في احترام، وأسرعت وراءه وأمسكت بيده، وروحت على الفور أحدثه عن إعجابي الشديد به، وقد جاء في رواية أم كلثوم عن هذا اللقاء، أن الشيخ أبو العلا محمد لم يهتم بحديثها واستمر في حديثه مع الآخرين، فحاولت منعه عن الحديث مع غيرها وأمسكت بيده وألحت عليه أن يأتي معهم لزيارة في قريتهم، وأمام إلحاح تلك الفتاة الصغيرة استجاب الشيخ أبو العلا محمد لها وذهب معهم إلى طماي الزهايرة.
جاء في مذكرات أم كلثوم التي نقلتها عنها الدكتورة رتيبة الحفني في كتابها عن أم كلثوم:
دخلت إلى أمي وأنا أكاد أطير من شدة الفرح، وقلت لها إن أهم إنسان في هذه الدنيا سيتناول معنا طعام الغداء، كل حاجة عندك قدميها له، ادبحي الفراخ اللي عندك واللي عند الجيران.
جلست أمام الشيخ أبو العلا محمد وطلبت منه أن يغني، فطلب منها أن تغني هي أولا، فرفضت أم كلثوم في خجل، فغنى هو لها أولا ثم غنت بعده اعجابا بفنه، فأعجب الشيخ أبو العلا بصوتها إعجابا شديدا واقترح على والدها أن يترك القرية وينتقل للقاهرة، قائلا له: إن مستقبل ابنتك هذه أكبر من طماي الزهايرة، وحرام عليك أن تحبس هذه الموهبة في قرية صغيرة، فأجاب الوالد في هدوء،ربنا يعمل اللي فيه الخير.
وكعادة أم كلثوم في إلحاحها على والدها ظلت تلح عليه وتناقشه في أمر السفر إلى القاهرة إلى أن اتفق أحد أهالي القاهرة مع والدها على أن تحيي أم كلثوم حفل ابنته في كوم الشيخ سلامة المجاور لحي العتبة الخضراء، فسافرت إلى القاهرة وأخذت معها تحويشة العمر على حد تعبيرها.
وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية الحلقة السابعة على أن نكمل الحديث في حلقات قادمة إن شاء الله.. دمتم في سعادة وسرور.
السيرة الكلثومية.. قصة درة القرن العشرين وكوكب الشرق الآنسة أم كلثوم إبراهيم.. الحلقة الثانية
الكاتب
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال