رئيسة التحرير
رشا الشامي
همتك نعدل الكفة
72   مشاهدة  

الشكلانية الدينية إفساد للدين وتخريب للمجتمع

الشكلانية الدينية
  • شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



يظن نسبة من المسلمين أن الالتزام بتأدية العبادات والمظاهر الشكلية للدين أمرٌ كافٍ لضمان حسن العلاقة مع الله، دون الحاجة إلى التركيز على المعاملة الحسنة مع الآخرين.. فهل فعلًا العبادات وحدها تؤمّن لصاحبها الطريق إلى النعيم الأخروي؟ وما تأثير انتشار نمط “الشكلانية الدينية” على تفكير عموم المسلمين، سواء في المجتمع أو في الدين نفسه؟

بُنيت الشكلانية على ثلاث

عند تأمل “الشكلانية الدينية” يظهر مفهوم بسيط لكنه شديد الخطورة؛ وهو رؤية المؤمن لدينه بوصفه القانون “المُجبر” على الحياة على أساسه ليؤمن طريقه للعالم الأخر.. ويهمه أن يجمع -طبقا قواعد هذا القانون- أكبر قدر من الحسنات لضمان النعيم وتفادي العذاب، دون إدراك للغاية الكامنة وراء الدين كفكرة، بالتالي يكتفي بأداء الطقوس دون أي تأثر روحي ووجداني.

لكن حين يحاول الباحث تحديد منابع هذا التصور الشكلاني يجد أنه أمام قاعدة مُركَّبة، يحتاج الناقد للشكلانية إلى تفكيكها أولًا، ثم نقد كل مكون منها على حدة.

أولًا: تحقير الحياة

بطبيعة الحال، كل مسلم يؤمن تمامًا بأفضلية الحياة الآخرة على الحياة الدنيا، بناء عن الآية 36 من سورة الشورى: ﴿فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾، لكن هذا القول هو “تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة” كما يقول السعدي (1889- 1957) في تأويله للآية، أو كما فصل القرطبي (1214 – 1273م): “فما أوتيتم من شيء يريد من الغنى والسعة في الدنيا، فمتاع الحياة الدنيا إنما هو متاع في أيام قليلة تنقضي وتذهب، فلا ينبغي أن يتفاخر به. والخطاب هنا للمشركين، وما عند الله خير وأبقى، يريد من الثواب على الطاعة للذين آمنوا صدقوا ووحدوا وعلى ربهم يتوكلون“.

ويوضح سبب نزول الآية بقوله: “نزلت في أبي بكر الصديق حين أنفق جميع ماله في طاعة الله فلامه الناس“.

أي إن الغرض هو حث المؤمنين على عدم الاهتمام بكنز الأموال والتفاخر بها ليس إلا.

لكن عدم التدبر في الآيات، بالإضافة إلى بعض الأحاديث المنسوبة للنبي، كالحديث الوارد في صحيح الترمذي، برواية سهل بن سعد الساعدي: “لو كانتِ الدُّنيا تعدلُ عندَ اللهِ جناحَ بعوضةٍ ما سقى كافرًا منها شربةَ ماءٍ” (حكم المحدث: صحيح).. يمكن أن يذهبا بالإنسان إلى تحقير الحياة، لا الزهد فيها.

والإفراط في تحقير الحياة هو الخطوة الأولى على طرق الشكلانية الدينية، فإذا كانت هذه الحياة لا قيمة لها، إذًا لا معنى للاهتمام بها وبتحسين شروطها؛ ما يظهر جليًّا في حرص الناس على بناء دور العبادة طمعًا في الأجر الأخروي دون الاهتمام ببناء المدارس أو المراكز الصحية أو أي من المقار الهامة لتحسين شروط الحياة.

الشكلانية الدينية
ميم من فيلم “عسل إسود”

ومثل هذا الحديث لا يقف عند تثبيط هِمم الناس، إنما يتجاوزها إلى نفي صفة الكرم عن “الكريم”، فتعريف الكرم هو العطاء مما له قيمة وليس من مُستحقَر الأشياء وأوضعها، لكن هذا سياق آخر.

ثانيًا: ضمان الجنة

أما العامود الثاني أو المركب الثاني في منابع “الشكلانية الدينية” فهو ضمان الجنة لمجرد أعتناق الإسلام ومشفوعًا بضمان تكفير الذنوب بأداء طقوس وعبادات معينة في توقيتات محددة، وأيضًا تجميع حسنات عن طريق ترديد بعض الكلمات أو الجُمل.

ضمان الجنة لمجرد الإسلام يتجلّى في حديث منسوب للنبي في صحيح البخاري يقول: “أَتَيْتُ النبيَّ وعليه ثَوْبٌ أبْيَضُ، وهو نَائِمٌ، ثُمَّ أتَيْتُهُ وقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقالَ: ما مِن عَبْدٍ قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ مَاتَ علَى ذلكَ إلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ قُلتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ قُلتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ قُلتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ علَى رَغْمِ أنْفِ أبِي ذَرٍّ وكانَ أبو ذَرٍّ إذَا حَدَّثَ بهذا قالَ: وإنْ رَغِمَ أنْفُ أبِي ذَرٍّ” (رواه أبو ذر الغفاري).

والإيمان السطحي بمضمون هذا الحديث يسهل أن يجعل المسلم لا يهتم بأفعاله في الحياة “المستحقَرة بالأساس”، فالجنة مضمونة للإنسان بمجرد مصادفة أن وُلِد مسلمًا.. ولو استحل حق الغير أو ارتكب الكبائر.

ثالثًا: تكفير الذنوب بالقول

إذا أضفنا إلى ما سبق إمكانية التكفير عن الذنوب بأداء الطقوس، تزيد الأزمة عمقًا.

فحسب ما جاء في صحيح مسلم برواية أبو هريرة فالنبي قد قال: “الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إلى الجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إلى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ لما بيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَت الكَبَائِرَ“.

ثم يكتمل المُركب الثاني بالإيمان بأن مجرد ترديد لكلمات استغفار أو ذكر لله، يضمن للفاعل حصد عدد كبير من الحسنات التي يُذهبن السيئات كما في الحديث التالي: “بأيِّ شيءٍ تحرِّكُ شفَتَيكَ يا أبا أمامةَ؟ فقلتُ: أذكرُ اللهَ يا رسولَ اللهِ! فقال: ألا أُخبرُكَ بأكثرَ وأفضلَ من ذِكرِك باللَّيلِ والنَّهارِ؟ قلتُ: بلى يا رسولَ اللهِ! قال: تقولُ: (سبحان اللهِ عدَدَ ما خلق/ سبحان اللهِ مِلْءَ ما خلَق/ سبحان اللهِ عدَدَ ما في الأرضِ [والسماءِ] سبحان اللهِ مِلْءَ ما في الأرضِ والسماءِ/ سبحان اللهِ عدَدَ ما أحصى كتابُه/ سبحان اللهِ مِلْءَ ما أحصى كتابُه/ سبحان اللهِ عددَ كلِّ شيءٍ/ سبحانَ اللهِ مِلْءَ كلِّ شيءٍ/ الحمدُ للهِ عددَ ما خلق/ والحمدُ لله مِلْءَ ما خلَق/ والحمدُ لله عدَدَ ما في الأرضِ والسماءِ/ والحمدُ لله مِلْءَ ما في الأرضِ والسماءِ/ والحمدُ للهِ عدَدَ ما أحصى كتابُه/ والحمدُ لله مِلْءَ ما أحصى كتابُه/ والحمدُ للهِ عدَدَ كلِّ شيءٍ/ والحمدُ للهِ مِلْءَ كلِّ شيءٍ” (الراوي: أبو أمامة الباهلي – المصدر: صحيح الترغيب حكم المحدث: صحيح – أخرجه: أحمد والنسائي).

ليصبح المسلم هكذا يعيش حياة “مُحتقَرة” لا نفع منها، وضامنًا الفوز بالحياة الأخرى، ويمكنه أن يمحو خطاياه بالمواظبة على الصلوات أو الصيام، كما يمكنه جمع عدد كبير من الحسنات (التي يُذهبن السيئات) عن طريق الذِّكر والتسابيح.

هل الإسلام دين شكلاني؟

يُلزِم الإسلام، مثل كل الأديان الموجودة في العالم، أتباعه (المسلمين) عددًا من العبادات/الطقوس، الهدف منها هو التقرب إلى الله واتباع أوامره في ذلك، فهل الإسلام بطبيعته دين شكلاني؟ أي يرتكز فقط على العبادات دون المعاملات؟ أم إن هذه الفكرة خاطئة؟ وفي كلتا الحالتين.. ما الدليل على ذلك؟

إقرأ أيضا
تناول النساء للمشيمة

الشكلانية هي الدرس الأول:

من أول الدروس الدينية التي يتعلمها المسلم في صغره هو تعرُّف القواعد المؤسِّسة التي يقوم عليها الدين، أو ما يُعرف بـ”أركان الإسلام”، ويكون ذلك عن طريق “تحفيظه” الحديث المنسوب للنبي، الذي يقول: “بُنِيَ الإسْلَامُ علَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وإقَامِ الصَّلَاةِ، وإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وصَوْمِ رَمَضَانَ” (الراوي: عبد الله بن عمر – صحيح البخاري).

هكذا تكون أولى خطوات أطفال المسلمين مع الدين، تحفيظهم أن الإسلام كيان قائم على خمس أُسُس تكاد تكون جميعها طَقْسية، ليس بها أي تفاعل إيجابي مع المجتمع، باستثناء ركن “إيتاء الزكاة”.

YouTube player

القرآن هو الحل:

يكمُن حل أزمة الشكلانية، التي تُفرغ الدين من فحواه وتُصدِر صورة خاطئة عن الإسلام، في القرآن الذي قال إن الحياة الآخرة “خير وأبقى”، وأمر المسلمين بالصلاة والزكاة، لأنه حث المؤمنين على “العمل الصالح” وقرن دخول الجنة بهذا العمل الصالح بجانب الإيمان: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا﴾ (107 – الكهف)، وأكد ذلك في الآية 75 من سورة طه ﴿وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَىٰ﴾.

وجرى تفصيل الأمر في بداية سورة المؤمنون:

﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (من 1 إلى 11).

مجموعة من الآيات بمثابة دستور يوضح بالقول والصياغة أهمية تضافر العمل والعبادة معًا.

ختامًا

كما هو واضح من الآيات فالعبادات الظاهرية لا تُغني عن المعاملة الحسنة مع المحيط المجتمعي، بل إن الفَلَاح والفوز بالفردوس الأخروي يرتبط بصورة وثيقة بالموازنة بين العبادة، بوصفها دليلًا على الإيمان، والعمل باعتباره تنفيذًا لمشيئة الخالق في الناس، وهي إعمار الأرض، وعليه فالشكلانية الدينية وهم؛ إذ لا يمكن للفرد أن يكتفي بأداء العبادات وترك حسن المعاملة مع الناس/المجتمع.. فالدين في جوهره هو معاملة، وأداء العبادات هو وسيلة لتهذيب النفس، بما يسهم في بناء مجتمع مُترابط يسوده الاحترام والتعاون والتسامح.

الكاتب

  • الشكلانية الدينية رامي يحيى

    شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان