همتك نعدل الكفة
904   مشاهدة  

الشوك ليس مؤلما .. القهر وقلة القيمة أكثر ألما

التين الشوكي
  • كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



بائع التين الشوكي عائدًا إلى منزله، مقدم رجل ومأخر الأخرى ، العرق تكثّف على جبهته، جفاف مزعج جعله يبتلع اللا شئ .. خوف كبير اعتراه من ساسه إلى راسه حتى استطاع أن يتذوق طعمه .. قبل أن يصل لباب شقته الرث بخطوتين .. لا يعرف ما الذي كلبش قدميه في الأرض ، وكأن شُلّ بدون شلل .. هناك كارثة تنتظره خلف الباب .. يخشى أن يفتحه فتخرج له ابنته متأهبة للطعام !  يتذكر ما حدث منذ ساعة أو أكثر ، ويسأل نفسه : سمعت كثيرًا عن القسوة ، شاهد الأفلام الذي يقترب فيها الرجل الغني ذو الكرش الكبير إلى أذن الشاب الفقير المجتهد ويقول : سأفعصك ..  لم يكن يعرف بشكل كبير كيف كان سيفعصه .. لم يكن يعرف ولم يكن يعرف ، لكن ما حدث أسقط جهله !

 

منذ ساعات كان واقفًا بعربة التين الشوكي إلى جوار أحد الأرصفة في التجمع الخامس ، فجاءت موظفة المرافق ومعها اثنين من مساعديها .. في كل مرة يأتي هؤلاء نعرف نحن كباعة جائلين أن الأمر لن يأخذ كثيرًا ، سيأخذون العربة وسأذهب لاستلامها بعد دفع غرامات الوقوف .. هي فرهدة لكن على كل حال الرزق لن ينقطع .. لكن هذه المرة كانت الموظفة محتدة إلى حد كبير ، لديها نهم زائد في إهانتي قبل أن تنفذ القانون .. أسمع صوتها إلى الآن ، ذلك الصوت الذي فتح الجراح الذي نبذل مجهودًا كبيرًا في محوها من الذاكرة .. الصوت الذي جعلت نفس الواحد تنقح عليه ، جعل منسوب الرضا يقل ، ومنسوب السخط يرتفع ، لماذا أنا فقيرًا ؟ .. لا أستغفر الله العظيم .. لماذا لا أمتلك سيارة لكي تتحدث مع تلك الموظفة باحترام .. لا استغفر الله الحمد لله على الصحة والستر ! .. يا الله .. دماغي تكاد تنفجر

YouTube player

كنت أتحمل يوميًا ذلك الشوك الذي يخرج من التين الشوكي إلى أصابعي مباشرةً ، كي تأكل ابنتي في آخر اليوم .. اتحمل ذلك الرجل الذي يود أن يمارس هوايته في الفصال عن نص جنية .. اتحمل تلك المرأة الخبيرة في التين الشوكي التي تعترض على كل حبة بيعت لها أو لم تباع .. لكن التين في النهاية كان ساترًا لحالي إلى حد كبير !

تطور الخلاف الذي صنعته الموظفة بنفسها ، صرخت وردت على نفسها فازدادت صراخًا ، كان لديها رغبة كبيرة في تدمير المُدمّر .. تلك الحالة النفسية التي تتملك صغار الموظفين كي تمارس تسلطها لا لتنفيذ القانون بل لفرض رغبتها الشخصية .. لأن القانون ببساطة يمكنها تنفيذه بلا صراخ وصوت عال .. مسكت الموظفة جاروفًا وبدأت بإزاحة حبّات التين وإسقاطها على الأرض !

توقف الزمن عندي في تلك اللحظة .. كم أنا ضعيفًا حتى يقتلني سقوط خمسة أو ستة من حبّات التين .. كم أن هذه الدنيا ضاقت عليّ حتى لم تعد تترك لي بعض لحظات الاطمئنان .. كم أن هذه الموظفة بحركة بسيطة جاءت لي بالحقيقة المرّة ، لن تعود اليوم بالعشاء إلى صغيرتك!

التين الشوكي
واقعة التين الشوكي

الآن لابد أن يفتح الباب ، يشعر وكأن جبلًا على رأسه .. تريلا شديدة الحمولة ركنت على صدره ، قدميه وكأنهما مربوطان في كيسين من الرمال .. عجز الرجال .. لم يعد هناك وقت .. الباب ينفتح، صغيرته تبتسم وتنظر إلى يده لم تجد ذلك الكيس المعهود : أين العشاء؟

الآن لم يعد الشوك بيدي .. الآن الشوك بقلبي !

إقرأ أيضا
إيران

 

الكاتب

  • التين الشوكي محمد فهمي سلامة

    كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
7
أحزنني
8
أعجبني
5
أغضبني
3
هاهاها
1
واااو
2


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان