الشيخ حافظ سلامة في ميزان التاريخ “باعث الروح لا قائد مقاومة ولاهث وراء الشعبوية الدينية”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
رحل الشيخ حافظ سلامة عن عالمنا تاركًا وراءه ثراءًا تاريخيًا في سنوات الصراع العربي الإسرائيلي، قبيل نكبة 1948 وحتى انتصار السادس من أكتوبر 1973 م.
بنفس مقدار الثراء التاريخي الذي تركه الشيخ حافظ سلامة في الجهاد ضد الصهاينة، ترك جدلاً واسعًا حول مواقفه السياسية في الفترة بين 2011 و 2020 م، لصلاته المتشعبة مع التكفييرين، الأمر الذي جعل كثيرون يفتشوا حول حقيقة جهاده.
حافظ سلامة والإسلام السياسي في بدايات شبابه
لم ينضم حافظ سلامة إلى جماعة الإخوان المسلمين، فانتماءه كان لجماعة دينية أخرى اسمها شباب سيدنا محمد أسسها حسين محمد يوسف والتحق بها حافظ سلامة سنة 1947 م وأنشأ أحد ألويتها بالسويس وكان عمره 22 سنة.
منذ بدايته في العمل الجهادي تشعبت علاقات حافظ سلامة، فنشأت صلة صداقة جمعت بينه وبين حسن البنا مرشد الإخوان، في نفس ذات الوقت الذي توطدت صلته بـ أحمد حسين زعيم مصر الفتاة، وعلى نفس ذات السياق كانت له صلات متعددة برموز حزب الوفد، وهذا الخليط لم يكن لأحد أن يجمع بين عناصره سوى حافظ سلامة كون أن تحرير فلسطين هو غاية الجميع رغم تنوع المصالح.
حافظ سلامة ونظام جمال عبدالناصر .. الشيخ يناقض نفسه
لم يكن حافظ سلامة من المحبين للرئيس جمال عبدالناصر ولا من كارهيه أيضًا، لكنه أراد في سياق توثيقه لحياته خلال عهد ناصر أن لا يُغْضِب أحدًا ووقع في تناقضات متعددة، ويتضح ذلك في مذكرات ملحمة العاشر من رمضان.
لم يُعْتَقَل حافظ سلامة في عصر جمال عبدالناصر خلال صدامه مع الإخوان رغم صلات الصداقة التي نشأت بين سلامة ورموز الجماعة في أزمة 54 و 65، ورغم تأثره بحسن البنا شكلاً من حيث الطربوش واللحية، لكن تم اعتقاله في 28 إبريل 1966 بتهمة تحفيظ القرآن ـ حسب كلام حافظ سلامة ـ، وأودع سجن القلعة ثم نُقِل إلى سجن أبي زعبل في العنبر رقم 12 وبداخل هذا العنبر نشأت صلة صداقة قوية بكافة رموز جماعة الإخوان وذكر أسماءهم فكانوا «منير الدلة، مأمون الهضيبي، محمد قطب، أحمد رائف، شكري مصطفى، عبدالحميد كشك»، وخرج من المعتقل بعد وقوع نكسة يونيو.
زعم الشيخ حافظ سلامة أن الكرملين الشيوعي انزعج من نشاط من نشاط مسجد جمعية شباب سيدنا محمد وكانت السلطات المصرية رافضة لحرية الرأي الإسلامي في إعلان كلمة الحق وتبصرة المسلمين بحقيقة النظام الماركسي، فأصدر ناصر قرارًا بحل الجمعة ووضعها تحت الحراسة سنة 1962 ومصادرة جريدة صوت الإسلام والنذير وبيع المطبعة الكبيرة في المزاد العلني.
هذا الزعم أوقع سلامة في تناقض وذلك أنه بعد خروجه من المعتقل سنة 1967 م طلبته السلطات المصرية الناصرية بالإسم ليكون أحد رعاة التربية الروحية لأفراد القوات المسلحة وهمزة الوصل بين الجيش المصري والأزهر، فكان من المستقبلين لشيخ الأزهر حسن مأمون في 22 نوفمبر 1968 الموافق 2 رمضان سنة 1388 هجري بمسجد الشهداء في السويس، وكلفه أيضًا طه علي حسن فؤاد قائد الوحدة رقم 9968 ح39 بأن يكون داعمًا لعلماء الأزهر والوقاف والوعظ والإرشاد الذين يزورون الجبهة، وهو نفس الشيء الذي طلبه العقيد رضا محمد صالح النواوي قائد الوحدة 9968 من محافظ السويس بأن يكون مسجد الشهداء الذي يتولاه حافظ سلامة، عنصرًا فاعلاً للتعبئة الروحية.
خلال عصر جمال عبدالناصر حربيًا (العدوان الثلاثي ونكسة يونيو وحرب الاستنزاف) كان دور الشيخ حافظ سلامة معنويًا دون حمل سلاح وهو ينص على ذلك في بدايات مذكراته.
حافظ سلامة ونصر أكتوبر .. باعث الروح
بعكس ما يتصوره البعض فإن الشيخ حافظ محمد سلامة لم يكن قائد المقاومة الشعبية في السويس، كون أن هذا المنصب لم يقم الشيخ حافظ بمعناه، فهو لم يحمل سلاحًا للقتال بنفسه، كما لم يشارك في وضع أي خطط أو رسومات للمقاومة، فضلاً عن أنه لم يحدث بينه وبين المخابرات المصرية أي تنسيق عسكري كذلك التنسيق الذي حدث مع منظمة سيناء العربية.
كان الشيخ حافظ محمد سلامة باعثًا للروح المعنوية، والمتأمل لمذكراته يكتشف هكذا فقد ذكر في مذكراته شهادة محمد سمير محمد عرفات وكيل وزارة الشئون الاجتماعية في السويس دور حافظ سلامة وأفاد بأنه كان رئيسًا لجمعية الهداية الإسلامية وهي الجمعية الوحيدة التي تؤدي دورها ورسالتها بعد التهجير، وكان يقوم بدور بارز في التوعية الدينية بين المواطنين المقيمين في المدينة وكان مسجد الشهداء مقر جمعية الهداية مركزًا للتجمع.
ساهم في تقديم المعونات الغذائية للمدنيين وأفراد القوات المسلحة، وقدم وجبات ساهنة يوميًا على المترددين على الجمعية ومسجد الشهداء، وأقام الشعائر الدينية والندوات، وعد لقاءات لرفع روح المحاربين، ونظم مجموعات من أعضاء جمعية الهداية للإشراف على استقبال الجرحى وتوزيع علب الحلوى على الجميع المصابين، وكذلك استقبال الشهداء وتجهيز جثامينهم، ورافق الشيخ حافظ قوات البوليس الدولي للفصل بين القوات المصرية والإسرائيلية، وكان يوزع الأسلحة على الفدائيين.
حافظ سلامة وسنوات الربيع العربي
كمية من التناقضات حملها الشيخ حافظ محمد سلامة في الفترة من 2011 وحتى 2020 م، فالرجل الذي صب غضبه على الأمريكان بسبب دعمهم لإسرائيل في 1973 م، انضم إلى قافلة الجهاد الإسلاموأمريكي ودعا إلى التوجه لأفغانستان أيام الجهاد ضد السوفييت، وهنا نشأت صلاته بتنظيم القاعدة.
كان حافظ سلامة أبرز دعاة حشد الشباب لما أسماه الجهاد في سوريا ففي 2 فبراير 2012 دعا شباب مصر والعرب إلى التطوع للجهاد فى سوريا لمساندة السوريين مشيدًا بالدور الذي يبذله المجاهدين هناك وقال «إن حروب المدن ضد الطواغيت المستبدين في الدول العربية تختص بها الشعوب بمساعدة ودعم المتطوعين ، ولاتختص بها الجيوش النظامية لعدم استنزافها والإخلال بموازين القوى في المنطقة لصالح العدو الإسرائيلي».
بعد دعوته تلك بـ 8 أشهر ذهب بنفسه إلى سوريا في 14 أكتوبر 2012 م وطالب أن يلتحق المسلمون بصفوف المجاهدين هناك.
أما بخصوص الشأن الليبي ففي 20 مارس 2011 دعا إلى الجهاد هناك وذهب إلى بنغازي ومعه 50 طن من المواد الغذائية وخطب في الحضور بضرورة إعلان الجهاد ضد القذافي.
بشأن مصر فإن حافظ سلامة كان متناقضًا لأقصى درجة، فهو وقف مع ثوار ثورة 25 يناير، ثم ترك صفوف القوى الثورة لينضم إلى صفوف الإسلام السياسي، فكان حاضرًا مع حماس في غزة والإخوان في مصر خلال مؤتمراتهم، وكان داعمًا لـ حازم صلاح أبو إسماعيل وحضر بنفسه جنازة رفاعي سرور، ثم طالب تنظيم القاعدة وزعيمه أيمن الظواهري بأن يجاهد في سوريا.
دعم حافظ سلامة حكم مرسي ثم انتقد مرسي في منتصف حكمه لأسباب عامة متعلقة بالشريعة وأرباح قناة السويس، وبعد بيان 3 يوليو 2013 صدح بصوته في مسجد الفتح ليقول للسيسي «اتقي الله» ومصر إسلامية، ولم يبدو من خطابه معارضة أو تأييد، وفي فض رابعة انتقد الإخوان وقال ذهبتهم وتركتم النساء، وبعد سنوات أعلن أنه من حق وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي أن يترشح للرئاسة.
التفسير المنطقي لـ مواقف حافظ محمد سلامة أن الرجل ليس محسوبًا على تيار بعينه ولا قياديًا لأي شيء، هو فقط بلا مبدأ أيدولوجي، كلامه حمال أوجه وعام، لم يريد أن يغضب الجيش المصري للماضي الذي بينهما فلم يقع في تحريض على العنف داخل مصري، ولم يبتغي إغضاب الإسلاميين لأنه بالنسبة لهم رجل دين ومقاومة، الجماهيرية والحفاظ عليها كانت غاية حافظ سلامة.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال