همتك نعدل الكفة
718   مشاهدة  

الشيخ سلامة حجازي زعيم المسرح العربي ورائده (1) | كفاح طفل مغدور به

الشيخ سلامة حجازي


« اسطوانات أوديون.. الشيخ سلامة حجازي »
بمجرد سماع تقديم اسطوانة للشيخ سلامة حجازي عليك أن تتأهب لتتلقى جرعة مكثفة من الطرب الأصيل، صوت محكم معدني يعفق بقوة وكأنه يمسك الكلمات بيديه، صوت مشيخي من الطراز الأول، بارع في إيصال المشاعر ونقل العواطف.

YouTube player

يبكيك سلامة حجازي حين ينوح في رثائية أحمد شوقي بك لمصطفى كامل باشا «المشرقان عليك ينتحبان» ويشعرك بجرح قلبه حين يتغنى بألمه في «مجروح يا قلبي»، بينما يبهج قلبك ويشعرك بالسعادة حين يشدو بـ «ظريف الأنس والطلعة البهية».

اقرأ أيضًا 
قصة الموسيقى في مصر 1

مشاعر كثيرة مختلطة استطاع الشيخ سلامة حجازي أن يثري قلبي بها منذ أن تعرفت عليه في صدر عهدي بالسماع، عشقته كما عشقت المنيلاوي وحلمي، إلا أن ما آساه الشيخ سلامة في حياته جعل له مكانة خاصة عندي، فمن هو الشيخ سلامة حجازي وكيف كانت حياته ؟.

سلامة حجازي .. بين أزمتي اليُتْم وزوج الأم

الشيخ سلامة حجازي
الشيخ سلامة حجازي

ولد الشيخ سلامة حجازي عام 1852م، بحي رأس التين بمدينة الإسكندرية، حيث تزوج والده إبراهيم حجازي من سلومة إبنة شيخ العرب في مدينة السلوم «سيف النصر الجرداتي»، فولدت له سلامة الذي سمي بهذا الاسم تيمنا بإسم سلامة الرأس شيخ الطريقة الرأسية والذي كانت الأسرة تستظل بروحانياته.

لم يشأ القدر أن يمهل إبراهيم حجازي الوقت الكافي لتربية سلامة في أحضانه، فأصيب بالتهاب رئوي عام 1855م ولقي وجه ربه وكان سلامة حينها ابن ثلاث سنوات فقط، لتتداعى على حياة سلامة الأحداث المأساوية حادثة تلو الأخرى.

تزوجت سلومة بعد وفاة إبراهيم حجازي من محمود الكحلة وكان صديقا مقربا من زوجها الراحل، ولكنه كان سكيرا ومستهترا فأذاق سلامة الويلات كرها فيه لما تمنحه أمه له من حنان ولأنه الوارث الوحيد لثروة أبيه، لم يكتف الكحلة بمشاعر الكراهية تلك بل تعدى بظلمه فاستولى على ثروة هذا الطفل المسكين وبددها فباع المنزل الذي تركه له إبراهيم حجازي وكذلك السفن التي كان يملكها، مما حدا بالشيخ سلامة الرأس لأن ينتزع سلامة من هذا البيت الخرب فاحتضنه وتعهد بتربيته ومباشرة احتياجاته وألحقه بمحل المعلم أحمد فراج الحلاق فكانت المهنة الأولى في حياة سلامة حجازي.

بين صالون الحلاقة وسرادق الإبداع

سلامة حجازي
سلامة حجازي

بدأ سلامة الطفل حياة الكفاح باكرا، فكان يقضي نصف يومه الأول في كُتَّاب سيدي عبد الرحمن بن هرمز ليتعلم الكتابة والقراءة وحفظ القرآن وقد ألحقه به الشيخ سلامة الرأس حرصًا منه على مصلحته في التعلم، أما نصف يومه الثاني فكان يقضيه في محل الحلاقة.

اقرأ أيضًا 
قصة الموسيقى في مصر 2

كان الطفل سلامة حجازي قد اعتاد على حضور حفلات الذكر بزاوية الشيخ سلامة الرأس، فمالت نفسه بفطرتها إلى ما كان يسمع، فولدت بداخله النبتة الأولى من حب الموسيقى والغناء، كذلك أشجاه صوت الناي وراح يقلد صوته بصوته ثم اشترى واحدا وصار يتعلم عليه في أوقات فراغه.

يقول المرحوم الشيخ محمد السيسي في مذكراته وهو رفيقه في الصبا وزوج أخته شفيقة «أن سلامة أتاه دامع العين ذات ليلة وطلب منه أن يشتري له سلامة كسلامة العناني ليوقع عليها فاشترى له واحدة بقرش صاغ وصار يوقع عليها في أوقات فراغه».

سلامة حجازي - رسمة
سلامة حجازي – رسمة

زاد اهتمام الطفل سلامة بتلك السهرات والجلسات فواظب على حضورها، وكان يحب الجلوس إلى جوار «العناني» عازف الناي، إلا أن ما لفت أنظار القوم تجاهه هو هدوءه ورزانته فلم يكن سلامة طائشًا حتى في الطفولة كغيرة من الصبيان مما دفعهم إلى تقريبه منهم وضمه إلى فرقة المنشدين ليكون بجانب العناني بالناي الذي اشتراه له السيسي، ولكنه أخفق في تجربة الناي فلم يكمل العزف عليه، حتى أنه أصيب في صدره في الأسبوع الأول من كثرة النفخ.

YouTube player

لم يكن سلامة ضعيف الهمة بل كان مصرا على إثبات نفسه وتقرير حضوره فبدأ يظهر نفسه في منطقة أخرى أكثر سهولة ومتعة وهي «القوالة»، فكان يسند المنشد في الآهات الطويلة وكان المنشد حينئذ الشيخ كامل الحريري الذي آنس في صوته رقة وغنة حلوة تؤهله ليكون ضمن بطانته، وبالفعل ألحقه ببطانته.

سلامة حجازي
سلامة حجازي

لم يكن سلامة حجازي يعلم أنه قد وضع بالفعل قدمه على أولى درجات المجد، صحيح لم يكن حينئذ سوى مرددا في بطانة كامل الحريري إلا أن ما خبأه القدر له كان أمرا عظيما، فقد عكف سلامة على عمله الجديد واجتهد في سبيله وكافح فتجلت للناس موهبته شيئا فشيئا، فأخذ في الترقي ليصبح بعد فترة وجيزة منشدا ابتدائيا، فكان يفتتح الحفلات بتلاوة ما تيسر من آي الذكر الحكيم، فسلامة كان قد أتم حفظ القرآن الكريم قبل بلوغه الحادية عشرة.

إقرأ أيضا
عبدالباسط عبدالصمد في المسجد الأقصى

ذاع صيت سلامة واشتهر بحسن صوته في ترتيل القرآن الكريم فصار مطلوبا لدى كبار الأسر في حيه لإحياء الليالي والحفلات وخصصوا له راتبا عن كل سهرة وكان أجرا مرتفعا عن باقي المقرئين حينها مما كفاه الذهاب لمحل الحلاقة فاضطر آسفا لترك المعلم أحمد فراج ليتفرغ لمسيرته الجديدة كمقريء للقرآن الكريم، ولعل ذلك كان رزق تلك الأسرة الفقيرة التي أضنتها الحاجة خاصة بعد وفاة زوج الأم «محمود الكحلة»، فتولى سلامة الإنفاق على أسرته مما كان يحصل عليه نظير قرائته.

مرحلة سلامة الرأس مع سلامة الطامح والطريق من تحت الصفر

الشيخ سلامة حجازي في الخمسين من عمره
الشيخ سلامة حجازي في الخمسين من عمره

في هذه الأثناء أصيب المرحوم الشيخ سلامة الرأس في عينيه وكف بصره فاحتاج لمن يرافقه في الذهاب والإياب ولم يكن ليقوم بتلك المهمة سوى سلامة، ذلك الصبي الوديع الذي تقدم لخدمته عرفانًا بالجميل الذي أسداه إليه الشيخ سلامة الرأس والذي لولاه ما كنا لنتعرف على الشيخ سلامة حجازي، وعلى الرغم من صعوبة تلك المهمة إلا أن سلامة حجازي قد قام بها على أحسن وجه مثبتًا حسن معدنه وأصله.

جامع الأباصيري
جامع الأباصيري

توثقت الصلة بين الشيخ سلامة حجازي وبين العاملين في الطريقة الرأسية التي كان يقودها الشيخ سلامة الرأس، فلما توفي الأخير خلفه الشيخ سلامة حجازي وهو في الخامسة عشرة من عمره، فأدار حلقات الطريقة بنشاط وعبقرية وأبدع في مجال الإنشاد فتهافت الناس على زاوية الرأس وزاد الحضور أكثر وأكثر فعكف سلامة على تطوير تلك السهرات وقسم ليالي الذكر على عدة مساجد وتطوع ليؤذن الفجر في أكثر من مسجد وكان من ضمن تلك المساجد جامع الأباصيري «وما أدراك ما جامع الأباصيري»، فذاع صيته أكثر وأكثر ليثبت الشيخ سلامة حجازي قدميه في طريقه الذي سلكه حبا وشغفا بالفن والموسيقى.

وإلى اللقاء في الفصل القادم.
دمتم في سعادة وسرور.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان