الشيخ والدرويش والدجال في السينما.. شيوخ وشهوات
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
متخفيًا في عباءة الدين، ومسلحًا بترسانة لا تنضب من الغيبيات، ومحصن بمريديه والمؤمنين بقدراته الفذة، يشق الدجال أو الدرويش طريقه في المجتمع، من قبل ظهور السينما بقرون طويلة، لذلك حينما ظهرت السينما لم تأخذ وقت طويل حتى عالجت وأظهرت شخصية الدجال، ولكن العجيب أنه في كثير من المرات التي عالجت السينما شخصية الشيخ الدرويش أو الدجال اقترنت بالنصب على النساء أو إغوائهن.
التفرقة بين الشيخ ورجل الدين
تشغل الخرافات حيزا لا بأس به في الوعي الجمعي للمجتمعات الشرقية، ولا سيما تلك الخرافات المتعلقة بالجانب الإيماني أو الروحاني، تلك التي كل من يتحدث فيها أو يدعي قدرته عليها، يتحول بالتبعية “لحضرة” الشيخ بطريقة ما، في السينما كان هناك تفرقة واضحة بين هذا الشيخ ورجل الدين.
في فيلم أم رتيبة يظهر ضيفي شرف وهما حسين رياض وفريد شوقي في دور اثنان من الدجالين، لديهما القدرة – كما يدعيا- على توفيق القلوب وتقريب البعيد وتذليل الصعاب، بينما ستجد شخصية رجل الدين في تلك الفترة تظهر جلية في دورين ليحيى شاهين الأول في فيلم ابن النيل والثاني في فيلم جعلوني مجرمًا، لتضع السينما -دونما اتفاق- حدًا بين شخصية رجل الدين، وبين الشيخ الشعبي في الوعي المصري.
شيوخ وشهوات
عام 1958 قدم فطين عبدالوهاب ومن بطولة فريد شوقي فيلم ساحر النساء، القصة ببساطة حمزة البهلوان نصاب محترف يخرج من السجن لينتحل شخصية درويش ليبدأ في النصب على أهل الحارة قبل أن يهجرهم بتحول لصياد نساء مستخدمًا الدجل والنصب لاصطيادهن، من خلف ستارة العلم بالغيبيات.
وكأنما يحاكي فطين عبدالوهاب واقعًا عاشه المجتمع المصري منذ القدم، حيث شخصية الشيخ المتخفي في ستائر الغيبيات والدين ليصل لشهوته أيًا كانت مال أو شهرة أو نساء، لأن تقديم نفسك كشخص ذو صبغة دينية حتى إن كنت درويشًا متصوفًا هائمًا في الملكوت الإلهي يضفي عليك هالة من التقديس تبعدك كثيرًا عن الشبهات وهذا ما جعل حمزة البهلوان يتبع هذا الطريق في فيلم ساحر النساء.
أيضًا لم يفت يوسف شاهين أن يفرد مسافة في سياقها داخل فيلم الأرض المعروض عام 1970، لشخصية الشيخ الدرويش الدجال، عبر شخصية الشيخ شعبان التي قدمها توفيق الدقن في الفيلم، ولعل مشهده تحرشه بخضره ربما مازال في الذاكرة، رغم حجم الدور الصغير داخل أحداث الفيلم، ولكن يسلط يوسف شاهين الضوء على كافة الموبقات التي يرتكبها الشيخ شعبان.
في فيلم فيه ثلاثة شيوخ انتقد شاهين فكرة “المشيخة” بشكل عام، فلدينا الشيخ شعبان الذي تجده عند كل ذي سلطة ومتواطئ مع الباشا في السراي، والعمدة في المضيفة، بل ويجلس هو ليحرس حديد “السكة الجديدة”، بينما كان الشيخ يوسف يجتر القرش من جيوب المعدمين، في حين تخلى الشيخ حسونة عن كافة مبادئه حينما تعارضت مع مصالحه، وترك جميع الشيوخ محمد أبو سويلم يواجه مصيره بمفرده.
الإيحاء هو السر
وإن كان ساحر النساء لم يلق حظه من الشهرة بين الجمهور، فبالتأكيد كان نصيب البيضة والحجر مختلفًا كل الاختلاف، أحد أشهر أفلام أحمد زكي والذي أخرجه على عبدالخالق وكتبه محمود أبو زيد، مازال المثال الأبرز لشخصية الدجال، ولكن في البيضة والحجر يرصد هو الأخر كيف وجد مستطاع طريقه إلى عالم الدجل وتحول لصائد للثروة والنساء عبر ستارة الغيبيات.
وربما في هذا الفيلم حاول صناعه وتحديدًا محمود أبو زيد وعلى عبد الخالق تفسير لماذا يتبع الناس شيوخ الغيبيات، في مشهد هام وهو مشهد مستطاع وتوالي على سلالم وفي قطار مترو القاهرة، والحديث عن فكرة الإيحاء وتأثيرها على العقل والنفس البشرية، مهما كانت مثقفة أو متعلمة أو جاهله، طالما الشخص مهيئ للوقوع تحت تأثير الإيحاء فأنه أصبح تابع ويسهل التأثير عليه، وربما هذا يفسر مريدين عدد من مشايخ الغيبيات والطرق في المجتمع، مهما اختلف مستواه الاجتماعي والثقافي والمادي.
التدرج التاريخي للفكرة ولشخصية الشيخ الدرويش أو الدجال في السينما المصرية، لا يمكن إلا أن يترك تفسيرًا واحدًا، أنه منذ القدم وتلك الشخصية موجودة في نسيج المجتمع، فقط تتلون ويتغير شكل العباءة أو بمعنى أدق التركيز على أي لون من العباءة، الدروشة أم الغيبيات أو حتى ادعاء التدين، ولعل الفترة التي قضتها مصر في ظلمة الجماعات التكفيرية، ومصاطب الفتاوى والتوك شو الديني كانت أبرز مثال لانتشار تلك الفئة في المجتمع، والتي مازال الكثير من كوارثها مختبئ تحت ستارة الشيخ الورع التقي صاحب الكرامات والمطلع على الغيبيات.
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال