همتك نعدل الكفة
84   مشاهدة  

الطائر الأزرق

الطائر الأزرق


الطائر الأزرق عرض مسرحي جدير بالمشاهدة هذا هو أقل ما يجب قوله، ربما قليل ما أشاهد المسرح الغنائي أو الشعري، فلا يمكن أن تصنف المسرحية بسهولة بين الاثنين، وبين كونها مسرحية كلاسكية، لكني كنت مأخوذة تلك المرة حقاً بجمال هذه المسرحية البديعة، دون البحث عن المسمى عنها، لأني لست خبيرة في المسرح، لكني خبيرة في الجمال بالتأكيد، فكانت المسرحية عبارة عن جرعة فنية من السلسلة والجمال والنظام والرقص الحركي مع الإيقاع الغنائي المميز والشعر الجميل تجعلك تتمتع بكل حواسك، فلا تعرف أي حاسة بك تستمع أكتر، عينيك أما اذنيك، أما قلبك الذي يخفق بشدة مع كل دقة موسيقى.

اقرأ أيضًا
عن عرض الجمال النائم

تجد نفسك تشاهد لوحات فنية بديعة بإيقاع شاعري موسيقي عن نص أصلي جميل، فتجد ثلاثة من أجساد الممثلين ينطلقوا نحو الشعر والموسيقي، تتحرك أجسادهم في تناغم رهيب  دون إخلال بالنص الأصلي يجعلك تخاف عليهم من النوتة الموسيقية أن تبتلعهم من كثرة امتزاجهم معها، فتتمزج حواسك بهذا البديع من الفن  مع حالة خاصة من الشعور بالحب، والتفكير في الطائر الأزرق في قلبك أنت كيف حاله؟

أستطيع القول بكل ثقة أن الطائر الأزرق هو عرض مسرحي مزيج بين تمثيل، حركة، رقص، موسيقى، غناء، ايقاع، شعر ، عن نص الأميرة تنتظر لصلاح عبدالصبور الأصلي الذي قمت المخرجة نادين خالد بتأويله لتلك المسرحية البديعة مع مزيج أغنية الطائر الأزرق لتصبح المسرحية مختلفة جدًا عن أي مسرحية يمكن أن تشاهدها، في البداية تجدها قصة عادية جدًا عن  أميرة اضطرت تعيش في كوخ و تسيب قصرها ومنتظرة حبيبها من ١٥ سنة، تتخل عن كل وصيفاتها ماعدا واحدة وتتحول من كونها أميرة إلى بائسة في انتظار أميرها المجهول الذي تكتشف فيما بعد أنه هو قاتل أبيها الذي لطالما نشدته من قلبها

– لو كان أبيك علي قيد الحياة لافترس أي ألم يخترق قلبك.
– أبي! لا أتذكر كم سنحت لي الفرصة بلقائه.
– ولكنه كان يحبك كثيرًا كثيرًا

الطائر الأزرق
من عرض الطائر الأزرق

فتجد أن الوصيفة كانت تمارس معها كل ما تحتاج من حب، وتحاول أن تحميها من حب أمير زائف، أمير كنت تنتظره انتظار عبثي، انتظار لرجل منحها أمل في قرارة نفسها ولكنها أعطها حباة بائسة وأبعدها عن قصر أبيها بعد قتله واعداً إياها بالعودة، أمير عندما ظاهر  على خشبة المسرح كان جلي أنه صار شيء خلف الكواليس في القصر، وصار بلا جاه أو سلطة، فعاد لم يعرف أنها تنتظره، لكن الوصيفة قد كشفت لها خدعته وانقذتها من براثن أمل كذاب ، وهذا هو النص الأصلي البديع، فترفض الأمير وتختار أن تقتله انتقاماً لأبيها لكنك تقف في المنتصف لماذا الطائر الأزرق هو العنوان إذا كان النص هو الأميرة تنتظر لصلاح عبدالصبور، لتجد الإجابة في السؤال.

وجدت المخرجة نادين خالد الحائزة على جائزة أفضل مخرجة عن المسرحية ذاتها، أن العنوان  كون الأميرة تنتظر حبيبها ١٥ عام، كان بسبب أن هنالك طائر أزرق يهم في قلبي يهم بالخروج ولكني أقسو عليه، أقول له أبقى في الداخل، لن أسمح لأحد أن يراك”

وهو بيت من أبيات الشاعر الأمريكي تشارلز بوكوفسكي، هكذا بدأت المخرجة العرض، لتعرفنا إجابة لغز من ألغاز صلاح عبدالصبور، أن الحب هو الطائر الأزرق في قلوبنا الذي لا يخرج إذا ما كان حقيقي، فتجد هذا التفسير البديع للنص الأصلي عن طريق الشعر الحديث قد أضاف للمسرحية جمال خاص، ما بين الحداثة والأصالة.

أما عن الموسيقى واختيارها فحدث ولا حرج من كثرة تناسبها وجمالها، مع إضاءة ممتازة قد فاز عنها بأفضل إضاءة في عدة مهرجانات لاستحقاق شديدة، فهو يعرف كيف يبرز الحدث ويغطي على آخر ، فتجد كأن المشاعر تنير أو تعتم مع ضوءه الكاشف؛ في توليفة ما كان لها أن تنجح لولا ممثلي العرض.

الطائر الأزرق
من عرض الطائر الأزرق

ليديا فاروق وباخوم عماد وسهيلة الأنوار، ممثلي الأدوار الذين يشي إتقانهم بمدى وعيهم بفكرة المسرح وجمال معادنهم في التمثيل، مع كثافة العمل والجهد في التدريبات التي بذلوها فيما بينهم  ليخرجوا بكل هذا الجمال،  كنت ليديا بطلة النص حقاً منكسرة طول الوقت لدرجة البؤس، جلعتنا نتعاطف معها، حتى كادت أعطيها شربة ماء من كثرة هزلها الواضح عليها، وأما سهيلة الجميلة التي لعبت دور الوصيفة فكنت فاكهة العرض بخفة روح وجمال حركة وأداء صوتي متمكن وجمال في مخارج الحروف يجعلك تنتظر كلامها في كل فقرة من المسرحية مع بطلنا القاتل باخوم عماد الذي لعب دور القاتل باحتراف لدرجة جعلتني أكرهه حقاً وأتمنى أن أنقذ الأميرة منه بوجه الملئ بالشر مع الخبث وهو ينفق في كل كلمة يقولها، ممثل بارع حقاً من يجعلك تكره من مجرد حركة واحدة لدور يلعبه.

إقرأ أيضا
مجدي نجيب رحمه الله

ولا أنسى أيضاً مدى ذكاء المخرجة من أنها ستفرغ نادين خشبتها تمامًا من الكتل والإكسسوارات لتمنح ممثليها حرية الحركة أولا، وثانياً لتظهر مدى بؤس تحول كوخ الأميرة من أي شيء ولو حصير، بعدما كنت تعيش في قصر تتدل منه المجوهرات في الأرجاء.

مسرحية جديدة ذات فكر جديد نحتاجه في مسرحنا الحديث، مع المخاطرة الذكية والثقافة الفنية لنمزج بين الفنون ونصعد بها ، ليعود المسرح لمجده.






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان