الكلمات المتقاطعة.. حكاية لعبة أدمنها موظفو مصر (صور)
-
محمد الموجي
محمد الموجي ممثل وكاتب مصري، تخرج من كلية الإعلام جامعة القاهرة، وعمل بعدد من المؤسسات الإعلامية بينهم قناة أون تي في ووكالة أونا للأنباء وموقع إكسترا نيوز وموقع كسرة والمولد، والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج.
كاتب نجم جديد
يركب الصحفي محمد عطية، قطار الإسكندرية، يجلس مصادفة بجوار رجل يتأفف وبين يديه جريدة الأخبار، ينظر عطية للجريدة فيجده يحاول حل لُعبة الكلمات المتقاطعة، لكن محاولاته باءت بالفشل.
يُشير الرجل للمسابقة، حزينًا كمن خسر أمواله في البورصة: يا أخي الراجل اللي عمل المسابقة ديه إيه! «كُلكِعة».
لم يكن راكب القطار يعلم أن هذه الكلمة ستصاحب عطية كلما صعب عليه أمر خلال صناعة لُعبته، يبتسم عطية ويخرج جريدة الأخبار من حقيبته، ويقوم بحلها خلال بضعة دقائق، فيستعجب الرجل: حلتها إزاي؟! ده أنت لو مؤلفها مش هتخلصها بسرعة كدا!
الصمت يغلب على الموقف، عطية في حيرة بين تقديم نفسه للرجل والاعتراف بأنه صانع تلك «الكُلكِعة» أم يكتفي بأخذ الجريدة من بين يديه ليكشف له عن الخطأ الذي عطله.
لم يكن غريبًا على الصحفي محمد عطية – أشهر مؤلف للكلمات المتقاطعة في مصر- والذي بدأ رحلته مع هذه المسابقة منذ عام 1970، أن يختار الأمر الثاني، فهو رجل بسيط لا تبهره أضواء الشهرة ولا يحب أن يفصح عن شخصيته كثيرًا.
بداية اللعبة
يحكي عطية، عن بداية دخول المسابقة لمصر: ظهرت على استحياء، وأنا طفل صغير عشقت هذه اللعبة حيث كانت موجود بشكل مبسط في مجلات الأطفال (البلبل والكتكوت السندباد)، وكانت (4*4).
-أخي الأكبر إبراهيم عطية تعلمها من زوجته الفنانة اللُبنانية نجاح سلام، حيث كانت تعشق حل الكلمات المتقاطعة في مجلة الشبكة اللبنانية.
قرر إبراهيم أن يصنع هذه المسابقة بنفسه، ومثله الأخ الأصغر محمد عطية، أصبح الأمر تحديًا لطيفًا بينهما، وفي أحد أيام عام 1966 عرضها إبراهيم على الصحفي الكبير رجاء النقاش، وتم نشرها بمجلة الكواكب -أيضًا على استحياء- لكنها حققت إقبالًا مذهلًا بين القراء.
تعاقدت الكواكب مع إبراهيم، ثم طلبت منه جريدة الأخبار أن يؤلف لها مسابقة خاصة لنشرها وكانت حجمها حينها ( 10*10 )، وتُنشر يومًا بعد يومٍ.
– سافر أخي سنة 1969 إنجلترا وتوليت المهمة، حيث طلب مني رئيس تحرير جريدة الأخبار تكبير مربعات المسابقة، كي تبقى الجريدة أكبر قدر ممكن من الوقت في يد القراء، في البداية شعرت أن الأمر تعجيزي لكنني نجحت في جعل المسابقة (15*15).
يحقق نجاحًا كبيرًا، لدرجة أن عددًا من كتاب الأعمدة هاجموه، وكان أيضًا هناك من الكبار من يدعمه مثل مصطفى أمين ورجاء النقاش وموسى صبري.
– جرائد مصرية كثيرة غير الأخبار والكواكب طلبت مني العمل لديها مثل: (الجمهورية،المصور، المصري اليوم، الوطن، الشروق)، وتعاملت مع جريدة القبس الكويتية، وليالينا اللبنانية.
طقوس التأليف
رحلة تأليف مربع واحد من مسابقة الكلمات المتقاطعة تستغرق من60 لــ 75 دقيقة، وتبدأ بورقة بيضاء وقلم أسود وصوت أم كلثوم الخارج من مذياع على أقصى يمين عطية، الذي يجلس واضعًا سيجارته في فمه حتى وإن لم يشعلها، ممارسًا طقوس العمل التي صاحبته منذ 36 عامًا.
ويحدثنا عطية عن طقوس رحلته: عقب وصولي لسن المعاش أصبحت أفضل العمل بعد الساعة الـ 11 ليلًا حتى الفجر، والأمر هنا غير مرتبط بالهدوء، فأنا أعمل في ظل وجود أحفادي بالمنزل، ولا أستطيع العمل في صمت، وعندما أشعر بالملل، أقوم بتشغيل الراديو أو التلفاز.
– لا خطط مسبقة لتأليف الكلمات المتقاطعة وصعوبتها لا تتمثل في المعلومات أو الحصول عليها، لكنها تكمن في التنظيم والتركيبة، وكيفية اختيار معلومات تفيد القارئ وتجذبه لاستكمال المسابقة، الأمر الذي يحتم علي المؤلف أن يختار معلومة صعبة في (واحد أفقي) كي تثير ذهن القارئ ويُصر على حلها وتغمره السعادة بالحصول على تلك المعلومة.
كشكول عمره أكثر من 30 عامًا، يدون عطية بين سطوره معلومات كثيرة يستخدمها في تأليف الكلمات المتقاطعة، يرتبها أبجديًا كي يسهل الوصول إليها.
مواقف لا تُنسى
يقول عطية: حتى يومنا هذا لم أعتمد على الإنترنت مطلقًا في جمع المعلومات الخاصة بالمسابقة، وأعتمد بشكل كبير على الموسوعات والكتب التي أقرأها ومعلوماتي العامة، وأسجل المعلومات الجديدة بكشكول وأرتبها ترتيبًا أبجديًا.
من الصعوبات التي تواجهه أن يخطئ في كتابة حرف واحد، فالحرف قد يهد مسابقة كاملة، خاصة إذا ماكانت الكلمة وسط مربع المسابقة لا الأطراف، يزداد الأمر صعوبة إذا اكتشف الخطأ خلال تبيض المسابقة، قبل إرسالها للجريدة، ويفضل أن يؤلف مسابقة جديدة بدلًا من القديمة.
قابل عطية خلال رحلة العمل مواقف عديدة، منها الصعب ومنها الطريف الذي يضحك كلما تذكره:
لم ينس عندما أخطأ وكتب خلال المسابقة مخرج إذاعي راحل، وكان يقصد حينها المخرج يوسف الحطاب، وهو مازال على قيد الحياة، فثارت ابنة الحطاب وأقامت دعوى قضائية ضد جريدة الأخبار، لكن الصحفي موسى صبري -رئيس التحرير حينها- استطاع أن يحتوي الأمر، وأوضح للمخرج أنه خطأ غير مقصود من عطية، وتم الصُلح بينهما.
يحكي عطية أنه بعد حرب أكتوبر اتصل به صديق معلقًا على أحد أسئلة مربعات اللعبة (شخصية عربية على اتصال بإسرائيل): يا عطية هتودي نفسك في داهية! ايه اللي أنت كتبته ده! ده السادات في إسرائيل يا راجل!
تزامن طرح المسابقة زيارة السادات لإسرائيل، الأمر الذي ترتب عليه مشكلة كبيرة، حتى تأكدوا أن عطية لم يكن يقصد الرئيس السادات، وطلب منه موسى صبري حينها ألا يكتب في السياسة مرة أخرى.
صديق الموظف
اُتهمت اللعبة بتعطيل الموظفين عن عملهم، ورد المؤلف: الموظف الفاضي المهمل هذه طبيعته، والأمين الذي يحترم عمله لا ينتظر شيئًا ليعطله، وإذا ذهبنا لمكان عمل ما سنجد موظفًا يلعب، وثانيًا يتحدث لزميله، ثالثة تعد الطعام لمنزلها، الكلمات المتقاطعة بريئة.
دراسات عديدة أكدت أن الكلمات المتقاطعة والسودكو وكل الألعاب الخاصة بالألغاز تنشط ذهن الموظفين، وكانت وكالة الأنباء الألمانية نشرت تقرير لطبيبة ألمانية”نيتا فال فاخندورف”، ذكرت خلال نصه أن ممارسة هذه الألعاب مفيد جدًا للموظفين وتجعلهم يكسرون عاداتهم الروتينية اليومية، وبالتالي يكونوا أكثر نشاطًا وتركيزًا.
شركات وجهات عديدة استخدمت انتشار ونجاح الكلمات المتقاطعة للترويج لها، فعلى سبيل المثال أطلقت “مارلبورو” مسابقة تحمل شعارها واسمها على صفحات جرنال الجمهورية في أواخر السبعينيات وكانت الجائزة عربية نصر 27.
واُستخدمت اللعبة لترويج الأفلام السينمائية كمسابقة فيلم “المرايا”، لنجلاء فتحي ونور الشريف وإخراج أحمد ضياء الدين، وكانت الجائزة تذكرتين للسينما.
يشدد عطية، أن احترام عقل القارئ هو العامل الأول للنجاح في العمل الصحفي، وقد طبقت هذا المبدأ خلال رحلة عملي، فدائمًا ما أبحث عن تقديم معلومة مفيدة على الأقل بكل مسابقة، وأحيانًا أمزق مسابقة كاملة لأني أشعر أنني لم أقدم بها معلومة تفيد القارئ
وبشأن تاريخ المسابقة عالميًا يوضح عطية:
– خلال عام 1914 تم نشر هذه المسابقة في أحد الجرائد الأمريكية، حيث طلبت الجريدة من الصحفي البريطاني الأصل “آرثر وين” أن يخترع مسابقة مسلية للجمهور فوصل لمسابقة الكلمات المتقاطعة.
– الرأي الآخر وهو الأقوى: في انجلترا عام 1890 وعلى يد القارئ الإنجليزي “ستافورد كالتي” خرجت المسابقة للنور، حيث ألفها وأرسلها لجريدة في لندن، وترددت الجريدة في نشرها، وحين نشرتها كان الأمر على استحياء، إلا أن اللُعبة حققت إقبالًا واسعًا، وأصبحت في الأقسام الرئيسة بالصحف.
الكاتب
-
محمد الموجي
محمد الموجي ممثل وكاتب مصري، تخرج من كلية الإعلام جامعة القاهرة، وعمل بعدد من المؤسسات الإعلامية بينهم قناة أون تي في ووكالة أونا للأنباء وموقع إكسترا نيوز وموقع كسرة والمولد، والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج.
كاتب نجم جديد