الكمايتة في مواجهة شعبولية اليسار
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
الكمايتة؛ اسم أطلقته على نفسها مجموعة صغيرة “غير منظمة” شايفين إننا “كمصريين” مش عرب، واشتقوا اسمهم ده نسبة لـ”كيمت” اسم بلدنا الحقيقي، اللي اختاروه أجدادنا، مش Egypt بتاع المحتل الروماني أو مصر بتاع المحتل العربي.
أول ظهور للمجموعة دي كان موجه ضد البرشطة الصهيونية على أكلاتنا الشعبية، تحديدًا كانت البداية الأوضح مع تريند الصراع على الطعمية، بعد كده بدأت الحركة تزيد وتتبلور بشكل تدريجي.
ضربة البداية
“الكمايتة” مش نبت شيطاني ولا ظهروا من العدم؛ إنما نتيجة طبيعية لتراكم مبادرات فردية وجماعية مش منفدة على بعضها؛ إنما تحركات غير مترابطة لإن مافيش مؤسسات أو جهات بتدعم التوجه ده أو بتتبناه.
أول ظهور ملحوظ، جماعي أو منظم، لاسم “كيميت” كان من خلال مشروع راديو كيميت – Kemet Radio، وده مشروع تطوعي بالكامل انطلق بمبادرة من الحزب العلماني المصري – تحت التأسيس، وده حزب كان فيه محاولة لإنشاءه في 2015، وشارك فيها أسماء كتيرة وكان الراحل هشام عوف هو وكيل المؤسسين.
المهم إن الراديو كان مستهدف العمل على إحياء القومية المصرية ومواجهة حالة التعريب بالإكراه، وده كان واضح وبلا مواربة؛ بداية من السلوجن بتاعه “صوتنا بالمصري” مرورًا بعناوين بعض البرامج الكاشفة عن محتواها زي:
بنت كيميت (إعداد وتقديم مايكل نزيه)، ازدراء الفراعنة (إعداد وتقديم محمد الصاوي)، وشرفني إني وقتها شاركت مع الكوكبة الجميلة دي بإعداد برنامج كيميت تحت الاحتلال العربي، وشاركت في تقديمه مع الصديقة ياسمين الخطيب، ده غير برامج تاني اسماءها ماكنتش بنفس الوضوح ده.. لكن جمعها كلها نفس الرؤية الوطنية والاعتماد على اللغة العامية.
اتهامات مُعلَّبة
الملفت إن مجموعة “الكمايتة” بيواجهوا هجوم عنيف من “نشطاء سياسيين” و”مثقفيين” و”أصحاب رأي”؛ مافيش حد انتقدهم مثلا ووجهلهم نُصح أو حاول يوجههم أو يتحاور معاهم، لأ.. فورًا اتفتحلهم دُرج التُهم المُعلبة: خونة، عُملا، مُتصَهينين، إلخ.. إلخ.
ولإن الشتيمة سهلة والاتهامات بالعمالة أكتر من الهم ع القلب، فالكمايتة بقوا يوصموا اي حد يعارضهم إنه من أحفاد الهكسوس.
في الواقع دي طريقة سهلة ورخيصة في محاولة تصفية الخصوم السياسيين، وخطرة جدًا في نفس الوقت؛ لإن سهل جدا اتهام أي حد بأي حاجة بدون دليل؛ ضد الإسلامجية.. تبقى كافر، تقول إننا مش عرب.. بقيت صهيوني، تدعم حزب الله.. يعني عميل لإيران، شايف محمد صلاح أجمد لعيب في تاريخنا.. تبقى من عبدة المينتالتي، وسيب القوس مفتوح بقى لأي هبد.
أتفاق مبدأي
أتفق مبدأيًا مع السادة “الكمايتة” في كوننا نحتاج أن ندشن عملية التغيير.. بتغيير على المستوى الثقافي والفكري؛ على الأقل حتى لا نرى مرة أخرى صور سفاحين وقتلة مرفوعة في ميادين ثورة شعبية، كما رأيت بعيني سنة 2011م صور صدام والأسد والقذافي وعمر عبد الرحمن مرفوعة في ميدان التحرير.
ولا أن تخرج، كما حدث في 2012، مسيرة لناصريين يحملون صور ربهم الأصغر بالبدلة الميري وهم يهتفون: “يسقط حكم العسكر”، في مشهد جمع عبثية بيكيت وسوداوية كافكا في عبوة محلية صَدِأَة.. قادرة أن تُخصي أي حِرَاك شَعبي مهمَا بلغ مِن الضخامة والزَخَم.
خلاف أيديولچي
بس من ناحية تانية أختلف مع السادة الكمايتة في بعض توجهاتهم؛ وسبق أبديت تخوفاتي المشروعة -بوصفي مواطن مصري إسود- من توجهاتهم الفاشية الواضحة، بس في نفس الوقت قادر أفهمها في مواجهة فاشية عروبية مستقرة ومهيمنة من ناحية.. وتيار أفروسنترك صاعد من ناحية تانية، بيمارس انتحال وسطو ثقافي وتراثي على حضارتنا.
فاشيتي أجدع من فاشيتك
أصوات كتير محسوبة ع اليسار هاجمت الكمايتة مش بس لأن عندهم توجهات فاشية مقلقة، إنما لسبب مدهش جدًا؛ تخيلوا كده إن رد “مثقفين وطنيين” على نزعة قومية محلية ماكنش نقد توجهاتها الفاشية بغرض تصحيحها والاستفادة منها في صحصحة الهوية الوطنية؛ إنما يبقى دفاعًا عن قومية تانية مستوردة وفاشية أكتر بمراحل، هنجيلها بالتفصيل في موضوع مستقل.
التاريخ مابيتجزأش
وصل العمى السياسي عند البعض إنهم يهاجموا الروح الوطنية نفسها في سبيل الدفاع عن القومية العروبية، فقال أحد “الأصدقاء”: (إن نشأة مصطلح “الأمة المصرية” كانت على أيد نابليون ثم بعده محمد علي استغله؛ لأهدافه السياسية الخاصة).
وهو كلام سليم أتفق معاه؛ وأظنها حاجة يشكر عليها الفرنسييس والباشا، فرغم أضرارهم كانوا سبب في حاجة كويسة.. وهي عودة الانتباه لكونا شعب مستقل مش مجرد تابع، وإن أخيرًا رجعنا تاني يتبني عندنا مؤسسات بوصفنا دولة مش ولاية تابعة لسادة قريش.. يتخانقوا على مين يمسك قرونها ومين يحلبها، ومصر اليوم في عيد.
كمان بلاش ننسى إن مصطلح “القومية العروبية” ظهر بعد مصطلح “الأمة المصرية” بعشرات السنين ولنفس السبب؛ وهو التمرد على القومية التركية العثمانية وتسلطها، كل الفرق إن القومية المصرية بتاعتنا والقومية العروبية مش بتاعتنا.
وبلاش ننسى كمان أن دولة يوليو لما أتبنت الأيديولچية دي لَغِت اسم البلد من ع الخريطة، وبقت الإقليم الجنوبي من الجمهورية العربية المتحدة.
تصحيح علمي
تاريخ صك المصطلح مش هو نفسه تاريخ بداية الظاهرة، فالمصطلح مابيخلقش حالة من العدم إنما بيوصف حالة موجودة بالفعل، بالتالي الشعور الوطني المصري مش ابن مصطلح “الأمة المصرية”.
فمثلا البشموريين في ثورتهم ضد المحتل العباسي العربي كانوا واعيين إنهم واقفين ضد غريب محتل، ولما الكنيسة حاولت تتدخل وتسيطر على المسيحيين منهم.. ماحصلش نصيب وأجدادنا بمختلف دياناتهم كملوا، لغاية الخليفة المأمون ما وصل بجيش جرار وقتل وسحل وعمل تهجير قسري لآلاف منهم، فلو ده كله مش شعور وطني يبقى اسمه إيه؟
كراهية إسرائيل
يتفق الإسلامجية واليسار القومي على حتمية أن تكون القضية الفلسطينية هي محور الحياة والسياسة، وعشان نكون صادقين مع نفسنا، فالمسألة عندهم مش مبنية على أي توجه أو مشاعر إيجابية إنما على كراهية إسرائيل.
وتعالوا نحسبها سوا:
- لو السبب انحياز قومي من باب إن الفلسطينية عرب.. كانوا يهتموا بنفس الشكل بأوضاع الليبيين.
- لو كان انحياز مذهبي بوصفهم سُنة.. كان زمانهم محروقين ع السودانيين بنفس القدر.
- أما لو انحياز عقدي بوصفهم مسلمين.. كانوا اتشنجوا بنفس الطريقة ع اليمنيين.
- طبعًا ماهواش إنحياز بدافع إنساني صافي.. وإلا لخدوا نفس الموقف من كل ما سبق.
- أكيد ماهواش دافع أيديولچي ودعم لحركات التحرر.. وإلا ماكنوش هيدعموا حزب الله التابع لإيران.
- يستحيل يكون دافع وطني وخوف ع الأمن القومي.. وإلا كنا هنشوف أضعاف الاهتمام ده لما يحصل أي حادثة اعتداء طائفي على المصريين المسيحيين.
خلينا نتفق إنها تتكره؛ دولة استعمار استيطاني وبتضطهد شعب كامل ونازلة فيه قتل وتشريد وسرقة بيوت وتاريخ وحاجة مافيش أوسخ من كده، وجواها بتمارس سياسات عنصرية ناحية بعض الطوايف في مواطنيها، وعندها سياسات توسعية واضحة، وقايمة على أساس ديني، كوكتيل مافهوش تفصيلة ماتتكرهش.
بس لما يكون ده هو الدافع والمحرك لمواقف اليسار القومي يبقى لازم نعترف إنهم منطلقين من سياسة شعبولية النزعة، بالتالي مايصحش يفرهدونا بمقالات وفيديوهات ينظروا فيها عن الوطنية والأمن القومي وكمان يخونوا غيرهم.. إنما تمامهم يتفرجوا ساعة العصاري على “خلف الدهشوري” وهو بيحرق العلم إياه في الجامعة الأمريكية ويشعروا بالقشعريرة.. أو بالكتير يشغلوا شعبولا بصوت عالي.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال