190   مشاهدة  

المتخلفون .. والحاج عبد الغفور البرعي

عبد الغفور البرعي


بينما كنت أقضي وقتاً في اللاشيء .. أمرر مقاطع الإنستغرام “ريلز” إذ بي أشاهد مقطعًا لفتاةٍ تجري حوارًا مع مراهقين من “جيلz ” وهو جيل ما بعد ال 2000 كما فهمت، تعرض عليهم صورة الشخصية الخالدة “المعلم عبد الغفور البرعي” والتي جسدها العملاق نور الشريف في رائعته لن أعيش في جلباب أبي !!

فيعجز الشباب عن إجابة السؤال : هل تعرف من هـذا ؟
فالبعض يقول : دا الكبير أوي والآخر يقول : دا بكار !!!

وهو ما أصابني بالصدمة وجعلني أتحسس مقدمة رأسي فوجدت بقية من شَعر أصابني عددها بالهلع بقدر ما طمأنتني فهرولت للمرآة لكي أتأكد من شكوكي، فوجدت شعرة أو اثنتين تمردتا على سِنّي الشباب وقررت أن تخرج من عتمته وقتامة لونه إلى فضاء البياض الفسيح ، فاعتدلت في مشيتي واستدعيت الكائن الأزهريّ في داخلي وقِست على الأغلب وحكمت على نفسي حكم المعتزلة في الفساق فأنا بمنزلة بين المنزلتين، لا إلي الشباب والصغار أُعد وأُحْسب ولا إلى الكهول والشُيّاب لي نسب، فلست أنا ممن غنى لهم حمزة نمرة في ألبومه مولود سنة ٨٠ و لا أنا ممن يشعرني نجوم “جيل z ” بالطرب والسعادة غالبًا!.

ولم يستطع عقلي تقبل فكرة اختلاف الأجيال وتطور الأذواق وما إلى ذلك من مبررات أعدها سخيفة ، فنحن أبناء التسعينات لا زالت مسرحية مدرسة المشاغبين والتي أذيعت قبل عقدين من وجودنا على هذا الكوكب الحزين لا زالت تضحكنا ولا زالت تعد طقسًا من طقوس أعيادنا فلا يكون العيد عيداً إلا بمشاهدة ساعتها الأربع هي وقرينتها العيال كبرت ، توارثنا “إيفيهاتها” وضحكاتها كما نتوارث قطعة الأرض والعقار… فكبرنا نحن وظلت هي وأخواتها في تجدد وتألق مستمر، معين لا ينضب من اللطف وخفة الظل والجمال نعرفه ونُعْرف به ! ولا يفوتني ذكر صديقي الذي تزوج من أجنبية لا تحسن لغة العرب ولا المصريين قال لي في ساعة صفا : هي جنة الله لي غير أن آهل تلك الجنة لا يتحدثون العربية كما وُعدنا في المأثور.

فأقسى ما ألاقيه أنني أقضي ليالي العيد (الوقفة) أشاهد مسرحياتنا أضحك منفرداً كالأبله على قفشات وإفيهات عادل إمام وسمير غانم ويونس شلبي وسعيد صالح ويكمل متنهداً بحسرة : هي أحياناً تشاطرني الضحك إشفاقاً فأشعر بسخافة الموقف أكثر وأكتم في نفسي كثيراً من الألش والنكات المصرية بنت مواقفها وساعتها ! حتى نضبت قريحتي أو اوشكت وصرت ثقيل الدم – وهو صادق في تلك صراحة.

فسلام الله عليك يا صديقي ورحم الله ضحكاتك وألشاتك ونعود لما بدأناه ..

الفن ذاكرة الشعوب !

قالها غير واحدٍ .. أن الفنون هي ذاكرة الشعوب والمرآة التي ينعكس فيها تحضرهم ورقيهم ومداركهم
وأن الفنون بأنواعها هي النافذة التي نطل منها للعوالم الأخرى وتطل هي علينا من خلالها، فكيف بربكم أقنع هؤلاء أن سكندريتي التي أحب وأعرف هي ضمير أبلة حكمت والراية البيضا وزيزينا، لا علاقة لها باسكندرية “العتاولة” بجزئيه الـذين يتنافسان في ترسيخ القبح وتقديمه كأنه واقع كما القبح الـذي طال مدينتي في العمران ومن قبله في الإنسان .

مثقف الواع التاجر الحـذق والوطني المجاهد الذي تصدى لاعيب الإقطاعيين وأرتال الغزاة والمحتلين وعبر من خطوب الأزمان مرفوع الرأس منتصراً محافظاً على قيمه وأرضه كما صور ذلك الجميل صلاح السعدني في الناس في كفر عسكر ومن قبله السيدة هدى سلطان ويوسف شعبان في رائعة “الوتد ” وغير عمل لا يسع المكان لذكرهم ، أم كيف أقنعهم أن ابن الصعيد ذاك الممتلئ بالشموخ والهيبة ، الواقف كالجبل الصلب الذي على قمته تكسرت أنوفاً كثيرة هو هو صاخب القلب المغمور حنانا وطيبة وأخلاقاً قل وجودها في غيره كما قدم لنا ممدوح عبد العليم في “الضوء الشارد” وعبد الله غيث في ذئاب الجبل وأعمالاً كثيرة جميلة بصدق رغم أنها لم تف الصعيدي حقه ولم تقدم بعد شخصيته بشكل متكامل .

لا ذنب لهم على الحقيقة ولكنها مشكلة!

هـذا الجيل الذي عجز عن معرفة نور الشريف في الغد قد يعجز عن معرفة أم كلثوم – إن لم يكن قد فعلها بعد- وربما سيرى أن الأهرامات تلك الأبنية مثلثة الشكل تشغل حيزاً كبيرا قد ننتفع به في بناء أوتيل أو مول أو ربما أوتوستراد – كبير قوي –
ذاك الجيل لاذنب له صراحة فهو نتاج ما قُدم له على مدار سنوات متعاقبة من الانتكاسات الأخلاقية والتراجع في الأذواق والتغريب عن الشخصية والهوية المصرية الحقيقة لصالح أفهام مستوردة من الشرق والغرب، فغياب قيمة التاريخ وأهمية التراث لا يحمل أوزاره هؤلاء الصغار أبناء “الكيبوتس” الحديث أو الكمبوندات والتشيكن تشيز فرايز والسوشي أو ربما أسماء أخرى لا طاقة لي على حفظها فأنا ابن عربية الفول وخروجة الكشري والجرين برجر في أحسن الأحوال والفطاطري لما تزهزه الدنيا .
فهؤلاء ضحايا .. بقدر حزننا منهم وغضبنا من لامبالاتهم نحزن عليهم ونغضب مما حل بهم بغير جريرة اقترفتها أياديهم الصغيرة .. فالأمر قد جاوزهم فهم نتاج زواج لم يقبلوا شروطه ولم يختاروه أو يشهدوا أركانه

إقرأ أيضا
نور الشريف

المجرم الحقيقي وطريق عقابه !

يري الفقير لعفو ربه أن السكندري مازال معتداً بنفسه محتفظاً بأنفته وأن ابن الدلتا فلاحًا يعارك الشمس بجبينه ويروي أرضه بعرقه قبل ماء نيله وأن ابن الصعيد ملكاً متوجاً على عرش الأخلاق والفتوة والرجولة و ابن النوبة محتفظاً بنقاء قلبه ومصريته المغروسة كمسلة “لاتيران” المسروقة وأن ابن سيناء ومطروح بمجروداتهم المصرية البدوية منبعاً للعطاء وحراساً لأبواب كميت المقدسة .. فمصر بأقاليمها السبعة وأمتارها التي جاوزت التريليون لاتزال مشعلاً للنور والثقافة.

تنتظر عين الرضا والإنصاف لتصور جمالاتها المتجددة وعين الحق والوطنية لتوقف العبث والقبح وتضع حداً له بغير رجعة .. فكتاب الوطن مكتوب فيه ، من مدحه ومن أساء لأرض الأجداد، وحاول جهده أن يشوه إرث الآباء عن جهالة أو تعمد، ويا لهوي ! وخرابي لو كانت ثالثة الأثافي : ما يطلبه المستمعون أو المشي مع “الرائجة” !
ففي الأولى وجب تعليمه
والثانية فزجره وتقويمه
والثالثة ملعون من اقترفها من جريمة : يأكل على ظهر الوطن ويَثْرى على تاريخيه وسمعته فوجب “تجريسه” على حمار بالمقلوب مطرطر رأسه مكتوب على قفاه ومطاف به في طرقات المحروسة وشوارع الثغر يزفه صبيان الوطن
“عواد باع أرضه يا ولاد ” .. فابن من باع الأرض بالأمس هو من يحاول تشويه الماضي والحاضر اليوم. متناسيًا أن القاهرة غلبت عتاة غزاة عتاولة مصّرتُهم وأخضعتهم لثقافتها وحملتهم في أحشائها من جديد لتخرجهم مصريين أكثر من المصريين فلن يعجزها لقيط “مطرطر” “مطرطش” باع وطنه من أجل زكيبة دولارات فالجمال المصري باق ومنتشر سيفوح عبيره قريباً وينطلق قطاره بلا توقف
فهلا ركبتم الآن !.. ولا تكونوا من المتخلفين .

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان