مفهوم الحلف السياسي عند العرب في المجتمع الجاهلي “لماذا أحب النبي الفضول ؟”
-
منتهى أحمد الشريف
منتهى أحمد الشريف، باحثة شابة في العلوم الإسلامية، تخرجت من كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
لم يكن المجتمع الجاهلي متخلفًا بالكُليِّة، فرغم أن هناك عادات وأعراف غيرها الإسلام لكن كان المجتمع وقتها له قيم وأيدولوجية سياسية لم يتخذ الإسلام منها موقفًا سلبيًا على طول الخط.
مفهوم الحلف في المجتمع الجاهلي
الحلف في عمومه زمن الجاهلية هو وضع إطار من العلاقة بين القبائل العربية، وهو في الأصل المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والنُصْرَة، وكانت تنعقد بين فرد وقبيلة، أو بين فرد وفرد، أو بين قبيلة وقبيلة، أحلاف القبائل في آلياتها وكيفية انعقادها حكاها بن إسحاق مثل الحلف الذي انعقد بين عبد مناف وأسد وزهرة وتيم رهط أبي بكر رضي الله عنه وهو حلف المطيبين من قريش وقال بن إسحاق “لمّا أرادت بنو عبد مناف أخذ ما في يدي عبد الدّار من الحجابة والرّفادة واللّواء والسّقاية، وأبت بنو عبد الدّار، فأخرجت بنو عبد مناف جفنةً مملوءةً طيبًا فوضعوها لأحلافهم المذكورين في المسجد الحرام عند الكعبة، ثمّ غمسوا أيديهم فيها وتعاقدوا ثمّ مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدًا لليمين فسمّوا المطيّبين.
اقرأ أيضًا
لغات تحدث بها العرب قبل الإسلام .. بعضها ما زال حيا
وأمّا الحلف الذي كان ينعقد بين الأفراد فشكله أن يعاقد الرّجل منهم الآخر فيقول: دمي دمك، وهدمي هدمك، وثأري ثأرك، وحربي حربك، وسلمي سلمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك، وتعقل عنّي وأعقل عنك ” فإذا قبل الآخر نفذ بينهما هذا التّحالف؛ وكان المتحالفان يتناصران في كلّ شيء، فيمنع الرّجل حليفه وإن كان ظالماً، ويقوم دونه، ويدفع عنه بكلّ ممكن، حتّى يمنع الحقوق وينتصر به الظّالم في الظّلم والفساد والعناد.
اقرأ أيضًا
هؤلاء كان اسمهم “محمد” قبل بعثة رسول الله
وحددت الكتب التي تناولت الأحلاف في المجتمع الجاهلي بين الأفراد على نوعين: فقد يكون الالتزام من طرف واحد، بأن يلتجئ رجل قد ترك عشيرته، أو لا عشيرة له، إلى رجل ذي منعة فيحالفه ليحميه ويتحمّل عنه جرائره، دون التزام من قبل الضّعيف بالنّصرة أو العقل (الدّية)، وقد كان هذا في الجاهليّة واستمرّ في الإسلام، فكان الأعجميّ يوالي في العرب، وقد يكون الالتزام من الطّرفين بأن ينصر كلّ منهما الآخر ويرثه ويعقل عنه.
موقف الإسلام من أحلاف المجتمع الجاهلي
لم يكن الحلف السياسي في المجتمع الجاهلي سيئًا على وجه العموم، فمنها ما هو على الخير ومنها ما هو على الشر، فما كان منها على الخير زاده الإسلام توثيقًا، وما كان منها على الشر فقد أبطله الإسلام ونقضه.
هناك حديثان للنبي صلى الله عليه وسلم بشأن الحلف السياسي يبدو معناهما متضادين، أولهما حديث جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لاحلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة” وتفسير معنى الحديث أن الحلف المرفوض هو حلف التوارث، والحلف على ما منع الشرع منه.
أما الحديث الثاني الذي اتخذ النبي فيه موقفًا شديد الإعجاب به كان حلف الفضول الذي تجلت فيه أمارات التعاون على البر والتقوى وإقامة الحق، إذ شهده رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بنفسه قبل البعثة، وكان سنّه وقتها من عشرين عاماً، وقد قال فيه بعد ذلك: “لقد شهدت في دار عبد اللّه بن جدعان حلفاً ما أحبّ أنّ لي به حمر النّعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت” وزاد في بعض الرّوايات: “تحالفوا أن تردّ الفضول على أهلها، وألاّ يعزّ ظالم مظلوماً” ومعنى لأجبت أي لنصرت المظلوم إذا دعا به، والبطون الّتي تحالفت هذا الحلف من قريش هم بنو هاشم، وبنو المطّلب، وبنو أسد بن عبد العزّى، وبنو زهرة، وبنو تيم بن مرّة، ومن بني تيم عبد اللّه بن جدعان الّذي عقد الحلف في داره، تعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكّة مظلوماً من أهلها وغيرهم ممّن دخلها من سائر النّاس إلاّ قاموا معه على من ظلمه حتّى تردّ عليه مظلمته.
الكاتب
-
منتهى أحمد الشريف
منتهى أحمد الشريف، باحثة شابة في العلوم الإسلامية، تخرجت من كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال