المخللات المصرية في رمضان

المخللات بكافة أنواعها، هي الشيء الذي لا تخلو منه مائدة رمضانية في مصر، تشتهر بلدنا بالمخللات أساسا، ويسميه المصريون الطرشي أيضا، والاسمان صحيحان بالفصحى والعامية (الفوارق في النطق وحسب)، للصنعة أساطينها التاريخيون في البلاد، وامتداداتهم أبناء بالوراثة وتلاميذ بالتعليم، ولهم مصانعهم ومحلاتهم في متون الشوارع وفي هوامشها، تكون متخصصة في أصناف معينة ولا تكون كذلك (أي تنتج وتبيع كل الأصناف بشكل عام)، ووراء براميلها الخشبية وصفحائحها المعدنية وبرطماناتها الزجاجية وعلبها البلاستيكية عمال كثيرون أو عمالة فردية أو محدودة.

لا يزال الطرشي مقبول السعر، ليس كما فات من الزمن طبعا، لكنه لا يرتفع بدرجة تصرف الناس عن شرائه كغيره من السلع، يمكن للواحد أن يشتري بخمسة جنيهات حتى الآن، لن تكون الكمية كبيرة ولا منوعة بشكل ملحوظ، لكنها ستكفي لفتح الشهية وجعل اللقمة سائغة مستطابة، وعلى كل حال لو ارتفع سعره بصورة مبالغ فيها فلن يزهده الناس، خصوصا في الشهر الكريم، ولذلك أسباب وأسرار يعرفها من يعرفها ويجهلها من يجهلها..

تطول ساعات الصيام كل يوم، ومع مرور الأيام يفقد الإنسان الرغبة في الأكل أحيانا مقدار جوعه، كمن تعود بطنه على الوضع الاستثنائي الجديد، والحاجة إلى الماء والمشاريب تكون أشد؛ لأن العطش أبلغ ألما من الجوع، ولكن لأنه لا بد أن يأكل في النهاية مخافة أن يهبط ويسقط يصبح المخلل هو المفتاح، ليس ذلك وحسب، ولكن تكثر الحلويات في رمضان، وهي نقائض المخللات، فاجتماعهما يصير ضروريا لأن التذوق السليم يتم به.. “والضد يظهر حسنه الضد”!

يستعد باعة المخللات لرمضان استعدادا هائلا ملحوظا، لا يقل عن استعداد بائعي زينة الشهر وفوانيسه وخشافه ولوازمه جميعا، يتفننون في أشكاله وألوانه فوق ما يتفننون عادة، ويضبطون ملحه أكثر من المواسم الأخرى، أو يدرجون الملح في المخللات، ويخبرون الزبائن بمراتبها، هذا بالغ الملوحة وهذا متوسط وهذا ضئيل، والمعنى أنهم يراعون كل الأمزجة، ويحرصون على إرضاء الناس كلهم؛ ليخرجوا من الشهر وقد حسنت سمعتهم وعمرت أكياسهم بالأرباح.

للطرشي فوائده الصحية الجمة وأضراره طبعا، وقد كثرت البرامج الطبية التي تتحدث عن أهميته وعن كيفية تجنب أضراره، وكثر المتابعون بالمثل؛ مما عزز

قاعدته العريضة في المجتمع، وجعله سيد الموائد عموما، وفي رمضان على وجه الخصوص كما سبقت الإشارة.

لا يفضل المصريون مخللا بعينه، ويتركون باقي المخللات، يأكلونها جميعا مهما أكثروا من نوع وقللوا من آخر (الأشهر: البصل والزيتون والليمون والجزر والخيار والباذنجان واللفت)، ويستطعمون حرافتها بخبرة، تجعلهم قادرين على تمييز الجيد من الردئ بسهولة، والذين يمرون بالوطن من الغرباء، يعرفون ذيوعه في هذه الصناعة البسيطة العبقرية؛ فيصرون على تناولها ضمن ما يتناولونه مما تشتهر به مصرنا المحروسة، وقد يوصون به أحبابهم وأصدقاءهم..

إقرأ أيضا

هل سيقتلك أسترازينيكا؟

“رمضان كريم”، ويتأكد كرمه ويتضاعف بطبق مشكل من المخللات، يحتل قلوب سفر الصائمين العامرة!