المصريون والحسين.. قصة عشق الشهيد وتعظيمه
-
حسن خالد
كاتب نجم جديد
لم تكن مصر بمعزل أبدا عن العالم الإسلامي والعربي منذ الفتح الإسلامي، الأمر الذي جعلها تتأثر بأحداثه ورموزه منذ دخول عمرو ابن العاص إلى مصر قبل 14 قرنا.
ومع انتشار الفتن في الدولة الإسلامية الوليد، بدأت مصر تمارس دورها كبلد محوري له دور الملجأ والملاذ للفارين من الفتن، من علماء وصحابة وآل البيت، حتى زخرت شوارع المحروسة ببيوت يعيش فيها هؤلاء، ومساجد تحمل أسماء آخرين، وقبور تضم رفات البعض منهم، وفي مقدمتها رأس الإمام الحسين.
مع الزمن لم يحظ ضريح في مصر أو مسجد بشهرة الحسين، قبلة الجميع من الملوك للمجاذيب، وبعيدا عن جدل وجود الرأس الكريم، الذي قطع في كربلاء، في موضع المسجد، فإن وجود مبنى يحمل اسم سبط النبي محمد حاز جزءا كبيرا من قداسة الجد لدى اغلب الشعب المسلم.
لكن الأمر لا يبدو على أنه مجرد ارتباط عقائدي، بل لقصة الحسين صدى في أمة تقدس موروثها الشعبي، بدءا من إيزيس وحتى علي الزيبق، فكل مصري يرى نفسه في أي بطل ينصر الحق بحياته ويحيا مضطهدا ويموت فداء لكلمته، وقد زخر الأدب العربي والمصري بتوثيق هذه الرؤية، وكان أبرز هذه النصوص “الحسين شهيدا” لعبد الرحمن الشرقاوي، وهي المسرحية التي مثلها كبار مبدعي المسرح في مصر، واشتهر منها الحوار الخالد:
“أتدري ما معنى الكلمة
مفتاح الجنة في كلمة
ودخول النار على كلمة
وقضاء الله هو الكلمة
الكلمة نور
وبعض الكلمات قبور
الكلمة فرقان ما بين نبي وبغي
عيسى ما كان سوى كلمة
أضاء الدنيا بالكلمات وعلمها للصيادين
فساروا يهدون العالم
الكلمة زلزلت الظالم
الكلمة حصن الحرية
إن الكلمة مسؤولية
إن الرجل هو الكلمة
شرف الرجل هو الكلمة”.
وكان آخر هذه الإبداعات، جزء من قصيدة للشاعر الشاب مصطفى إبراهيم، معلقا على أحداث “مجلس الوزراء” في فترة حكم المجلس العسكري الانتقالية عقب ثورة 25 يناير 2011:
“إنى رأيت اليوم الصورة من برة
وقلت الحسين لسة حيموت كمان مرة
إنى رأيت اليوم فيما يرى الثائر
إن الحسين ملموم فوق جثته عساكر
بيدغدغوه بالشوم كل أما ييجى يقوم
وإن البشر واقفة تبكى بدال ما تحوش
وإن العلم مصفاة م السونكى والخرطوش
وإن الطريق مفروش بالدم للآخر
إني رأيت اليوم الدم ع الآيش
وإن الحسين إحنا..
مهما اتقتل عايش”
ولعل ختمة هذا الجزء قد لخصت رؤية المصريين للحسين، نحن هو هذا الشهيد الذي يموت كل يوم من أجل كلمة حق، كل مصري مهما اختلفت درجة وعيه وثقافته يرى في نفسه حسينا يحارب من أجل كلمة يؤمن بها.
مات الحسين مقتولًا على يد جند يزيد بن معاوية، وعاشت معه الأمة لحظات فتن عانى بسببها المسلمون سنين طويلة، حيث يعتبر الحسين هو المقتول المنتصر في تاريخ البشرية جمعاء وشهد له الجميع حتى من خالفوه في العقيدة والدين.
“حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينًا” كلمات تجدها منقوشة على باب المسجد الحسيني بوسط القاهرة القديمة حيث يتجمع ملايين المجاذيب والدراويش ومحبي الإمام الحسين من كافة أنحاء مصر والدول العربية.
ويظهر المقام الحسيني كعبة للقصاد من ذوي الحاجات الذين جاؤوا ليدعوا الله في هذا المكان المبارك، متوسلين بجد أهل البيت النبوي وحبيب المصطفى محمد وشهد العدل والحق والحرية الحسين بن علي.
ويرى المصريون في رأس الحسين الخلاص لهم من ظلم الدنيا وقسوتها عليهم، ويمثل مقام الحسين لديهم ديوان المظالم، حيث يعتقد بعض الدراويش أن لله دولة ورجالا لا يعرفهم أحد، يضعون على رأس هذه الدولة الإمام الحسين ويضعون تحته في سلم سلطة الحب الإلهي السيدة زينب شقيقته ثم الإمام علي زين العابدين نجله إلى أن يصلوا لنفيسة العلوم ومنها إلى الأقطاب من السادة الصوفية كالبدوي جياب الأثير والدسوقي والشاذلي وغيرهم.
الإمام الحسين والمسيحيين “حب مشترك صنعته الدماء وتقوى بالأزمات”
يرى البسطاء من الشعب المصري في الحسين الملاذ الآمن لهم من بطش الدنيا وغلاء أسعارها ونيران الجشع التي تصيب تجارها أحيانًا، بل يحرص الحكام كابرًا عن كابر على زيارة المقام الحسيني كمن يسترضي الحاكم الفعلى لهذه البلاد، ويقدم فروض الطاعة والولاء لرأس حفيد النبي صلى الله عليه وسلم.
تأسي المصريون بالحسين في مواقف عديدة ولعل ذهاب الجندي المصري لاحتضان الإرهابي الذي يحمل حزامًا ناسفًا في سيناء هو إقتداء بالإمام الحسين، الذي أشفق على فرسه ونزل من عليه حتى يقتله الخوارج ويرحموا حصانه الذي لا ميزة له إلا أنه يحمل جسد وارث النبي حالًا ولسانًا ومقالًا حفيده الحسين.
رأس الحسين من عسقلان لمصر
سببين جعلا من عسقلان مكانا مناسبا للرأس
السبب الاول : أنها بعيدة عن الكوفة مركز الشيعة
السبب الثاني : أنها مدينة قريبة من الساحل
حيث يمكن نقلها في يسر إلى شمال إفريقيا وبلاد المغرب ومنها لمصر
بالإضافة إلى أن الدولة العباسية ابتعدت عن البحر واتجهت نحو المشرق الذي هو سر نجاحها واتخذت بغداد عاصمة بدلاً من دمشق وعليه تم إخفاء الرأس في عسقلان وبعيدا عن عن مقر الخلافة ببغداد حتي إذا ما ظفر العلويون أو الشيعة بالرأس
وقاموا بثورات مضادة للعباسيين استطاع الخليفة العباسي القضاء عليها بسهولة وبعيدا جدا عن مقر الخلافة .
حكاية الرأس في مصر بدأت بمجيء الرأس جاءت لمصر عن طريق الفاطميين عقب اندلاع وتيرة أعمال الحروب الصليبية ، وحرصا عليها فقد افتداها الفاطميين بـ 30 ألف قطعة ذهبية
شكك الوهابيين في هذا لسبب واحد وهو أن الصليبيين كانوا ينبشون قبور المسلمين ويخربونها ، فكيف لهم لا يتركوا قبر الإمام الحسين ؟
أجاب مؤرخو الصوفية على ذلك ، أن الصليبيين يخربون المقابر الاسلامية كلها وينتهكون حرمة الأموات لكن الجيش الصليبي لما استولي علي عسقلان كان ذلك في عهد بلدوين الثالث
كان الجيش الصليبي يعاني من نقص في الامدادات لدرجة أن بلدوين الثالث لكي ينفق علي جيشه تعرض للاستدانة علي نطاق أدي إلي الحد من حريته في المناورة السياسية، خاصة حروبه مع نور الدين محمود حول دمشق وحلب واحتياجه الشديد للأموال
ولهذا السبب تمت المفاوضات مع سفراء طلائع بن زريك والصليبيين في ظل الرواج التجاري والقائم بين الصليبيين وبلاد الشرق
وفي تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار لمحمد ابن جبير الأندلسي ، قال ” ومن أغرب ما يحدث في الدنيا أن قوافل المسلمين تخرج إلي بلاد الفرنج وسبيهم يدخل إلي بلاد المسلمين ”
فاحتياج الصليبيين للمال هو الذي منعهم من هدم قبر الحسين
واستدلوا بقائمة من أدلة المؤرخين والوثائق حول وجود الرأس بالقاهرة
أولاً : ذكر المؤرخ تقي الدين المقريزي نصا
” نقلت رأس الحسين رضي الله عنه من عسقلان إلى القاهرة يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة كان الذي وصل بالرأس من عسقلان الأمير سيف المملكة تميم واليها، وأنزل به إلى الكافورى، ثم حمل فى السرداب إلى قصر الزمرد، ثم دفن في قبة الديلم بباب دهليز الخدمة وبنى مسجدًا للرأس خارج باب زويلة من جهة الدرب الأحمر، وهو المعروف بجامع الصالح طلائع، فغسلها في المسجد المذكور على ألواح من خشب، يقال إنها ما زالت موجودة بهذا المسجد ”
ثانياً : عند المتحف البريطاني توجد مخطوطة من كتاب تاريخ آمد لابن الأورق المتوفي جاء فيها أن رأس الامام الحسين قد نقل من عسقلان إلي مصر عام 548 هـ
وتلك المخطوطة هامة لأكثر من سبب ، فأول سبب : ابن الأورق ميت عام 572 هـ ؛ ثاني سبب : إن المخطوطة مكتوبة عام 560 هـ يعني قبل وفاته بـ 12 سنة
يستفاد من هذا ؟ ، أن الرأس نُقِلت في عهد المؤرخ وتحت سمعه وبصره وبوجوده ومشاركته ضمن جمهور المصريين
ثالثاً : أن صلاح الدين الأيوبي لم يكن يعرف الهوادة تجاه أي مظهر فاطمي فكما أغلق الأزهر كان من باب أولى أن يقوم بهدم مسجد الحسين نفسه
رابعاً : مراجع كتب التاريخ الكبيرة أكدوا أن الرأس في القاهرة وهم
” ابن بطوطة في الجزء الأول من رحلته ”
” ياقوت الحموي في الجزء الخامس من معجم البلدان ”
” بن تغري بردي في الجزء العاشر من النجوم الزاهرة ”
” عثمان ملوخ في كتاب العدل الشاهد وتحقيق المشاهد “
الكاتب
-
حسن خالد
كاتب نجم جديد