المملكة الزرقاء .. الفونج حضارة سودانية صنعت تاريخا لا ينسى
-
خالد سعد
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
ملك يقف عن المسجد النبوي في المدينة يدعى بادي الأحمر صاحب المملكة الزرقاء ، ينشأ وقفاً في مدينة رسول الله وينشأ عشرات الكتاتيب أو الخلاوي كما أطلق عليها أبناء المملكة لأهل مدينة سينار أبناء مملكة الفونج، المملكة الزرقاء ، ويقيم الرواق السيناري في الأزهر ليتعلم عشرات المعلمين دينهم ولغتهم الصحيحة في القاهرة ليعودوا لتعليم الشعب العظيم.
تأسست مملكة سنار في عام 1504 وكانت تعرف ايضا بمملكة الفونج و السلطنة الزرقاء وكان لقب السنانير يطلق علي رعاياها، وتعتبر مملكة سنار اول دولة عربية اسلامية قامت بالسودان بعد انتشار الاسلام و اللغة العربية نتيجة لتزايد الوجود العربي و التصاهر بين العرب و النوبة.
ويمكن القول أن سلطنة الفونج كانت سلطنة إسلامية وتشكل أول تجربة رائدة في خلق دولة موحدة في بلاد السودان. ومن أبرز ملوكها السلطان عمارة دنقس مؤسس السلطنة في سنة 1504 م، وكان يدين بالإسلام في وقت كان الكثير من اتباعه ورعاياه على الوثنية، وخلفه في الحكم نايل، تلاه السلطان عدلان في سنة 1611 ، ثم بادي سيد القوم فالسلطان بادي أبو دقن 1645م، وبادي الأحمر في سنة 1692م و ابنه الثالث 1716م، بادي أبو شلوخ الذي حكم من سنة 1724 م.
الحضارة السودانية كانت دائما سباقة وكانت الحضارة المصرية رافدا لها لشعبي وادي النيل، تعلم علماء الفونج في المملكة الزرقاء لغتهم ودينهم في الأزهر على يد العلماء المصريين ونشروا التنوير والتعليم في تلك المملك العظيمة التي استمرت لأكثر من ٢٠٠ سنة.
ومن الإسهامات التي تؤرخ لهذه المملكة التي تسمى أيضا ” المملكة الزرقاء “، صدر حديثا كتاب “الكوشي التائه، أغلوطة تأويلية في أصول الفونج”.
وتزامن الكتاب مع بدء احتفالات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسسكو) بمدينة سنار معقل “الفونج” الواقعة جنوب شرقي السودان، عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2017، بجانب عمان الأردنية ومشهد الإيرانية.
والكتاب الذي ألفه ميرغني أبشر ونشرته دار المصورات السودانية موزع على ثلاثة فصول، و112 صحيفة من القطع المتوسط، يبحث في أصول إثنية الفونج، وإن كانت جذورهم تعود إلى الممالك النوبية الوثنية التي اعتنقت لاحقا المسيحية.
وتأسست هذه المملكة في 1504، كتحالف بين الفونج، الإثنية غير العربية، وقبائل “العبدلاب” العربية، لتبسط سلطتها على أغلب الحدود السودانية الحالية، قبل أن تنتهي على يد الدولة العثمانية في 1821.
ويستعرض مؤلف الكتاب الذي يغطي الفترة ما بين 1504 – 1762، “منشأ مسمى الفونج، وجذور التكريس، وطقوس التنصيب لملوكهم، وعوائد قصورهم ورعاياهم”.
ويعتقد أن هذا المنشأ يقود إلى “تأسيسات موغلة في القدم، نرحل من خلالها إلى المدنيات السابقة لظهور الدولة السنارية بقرون سحيقة (ص 17)”.
وفيما تعتبر “الفونج” أول دولة عربية إسلامية قامت على التراب السوداني، بعد وصول العرب والتصاهر مع السكان الأصليين، يربط مؤرخون بين نشأتها وانهيار الأندلس في 1492.
ويرتكز المؤلف في كتابه على القراءة التفسيرية والتأويلية للتاريخ، حيث يطرح على القارئ تساؤله “هل كان (التأسيس) وليد مكون محلي محض؟ أم جاء نتيجة لتلاحمات ثقافية مهاجرة أم منوعة ومتعددة مع المكون الثقافي المحلي؟”.
ويستدرك أبشر بعلامة استفهام أخرى، “أم نتج عن إرادة واعية لمنتصر “غريب”، أنشأ نسقه الفكري وعمائره الحضرية على أنقاض مغلوبيه؟”.
والتساؤلات المطروحة في الكتاب، تهدف لمعرفة العوامل الرئيسة التي أدت إلى هذا التصاهر الإثني، واستمراره بذات القوة لأكثر من ثلاثة قرون، هي عمر المملكة.
ويستدل أبشر بحقب وحضارات مختلفة، منها مملكة سوبا المسيحية النوبية التي تأسست في القرن السادس الميلادي، قبل انهيارها على يد الفونج.
ويشير الكاتب إلى حالة من “عدم اليقين” في الدراسات التي تناولت أصل الفونج وأرض نشأتهم، بل ويمضي إلى أبعد من ذلك، بتعميمه لهذه الحالة على تاريخ السودان الحديث.
ويرى المؤرخ السوداني أن ثمة “أغلوطة” في الأثر، إذ أن “صعود الفونج في المشهد التاريخي، في العصر الوسيط، لم يكن نتاج أيدولجية الإسلام أبدا، كما دلَّلت محاضر التَتْريخ والوثائقيات المتروكة من تلك الفترة (ص 31 – 32)”.
ويستشهد بأن “أول مسجد جامع اختطّ للناس في سنار كان عام 1645م، وهو المسجد الذي اختطه السلطان الثاني عشر في ترتيب ملوك السلطنة الزرقاء، أي بعد مائة وإحدى وأربعين سنة من تاريخ قيام دولة الفونج”.
ورأى أن ذلك “يعني أن الوعي به (المسجد) كمؤسسة تشكّل مظهرا ثقافيا من مظاهر مدنية السلطنة، وإسلاميتها عند شاغلي البلاط السناري، جاء متأخرا جدا (ص 31- 32)”.
ويخلص أبشر إلى أن “المجتمع المسلم آنئذ لم يكن في غالبيته عربا مهاجرة، بل الغالبية العظمى هم عرب مستعربة من قبائل الكوشيين (النوبيين) غير العربية من نبت السودان، لم تتعرف على الإسلام في بيئته الأصلية قط”.
ومن شواهد ما ذهب إليه الكتاب “إننا نقف على ضرب من السحر والوثنية الكوشية ( في إشارة إلى الممالك الكوشية التي نشأت ما بين 2400 ق م- 300م) العميقة الجذور، يخالطها إسلام صوري لا يتعدى المفاهيم العريضة”.
فالمراكز القديمة للديانة الوثنية السحرية يقول الكاتب، “حافظت على ميزاتها الاجتماعية والاقتصادية بدخولها إسلاما صوريا، وذلك للزحف المتواصل للإسلام المصحوب بقوة عسكرية مؤخرا قادمة من مصر (ص 37)”.
ويتطرق الكتاب في فصله الثاني إلى ظهور “العنج”، حيث تشير إليهم مصادر، كمجموعة بشرية استوطنت السودان الوسيط، في النصف الأول من القرن الرابع عشر الميلادي، قبل ظهور دولة الفونج.
وبالمقابل، يرى أن الوثائقيات التي ورد فيها مسمى “عنج” أقدم من ذلك بكثير، مستخدما مقاربات لغوية ودينية وإثنوجرافية، يخلص منها إلى نسبة العنج للأسرة الخامسة والعشرين، وجهيرها الملك النوبي، بعانخي، الذي حكم مصر من السودان.
وفي الفصل الثالث، يناقش الكتاب مجمل الأطروحات التي افترضها المؤرخون لأصول الفونج، إذ يستبعدها كلها، ليرد هذه الإثنية إلى أصول قبائل سودانية مختلفة من شمال البلاد وغربها، بجانب قبائل من وسط إفريقيا، وجنوب السودان حاليا.
وحول هذا الشأن، أفاد أبشر بأن “التمييز بين مسمى فونج وعنج ظهر في فترة متأخرة، لعب فيه انتساب الفونج المتأخر للإسلام، وإلى البيت الأموي على وجه الخصوص، القدح المعلى”.
وبسبب هذه النزعة الإسلامية، “صمتت المصادر عن الأصل الوثني الكوشي للفونج، وتغيّب أي انتماء مسبق للفونج إلى دولة علوة المسيحية (النوبية)، حتى يتعزز الانتماء الأصيل الأوّلي إلى الإسلام والعروبة (ص 79)”.
ويرى المؤرخ السوداني أن “الفونج هم أحد البيوت الحاكمة الوثنية، من قسم الكوشيين العنج، الذين خرجوا من سوبا (عاصمة علوة) إثر انشقاقات وانقسامات، لعب فيها ظهور الدين المسيحي، وسيطرة النوبة المهاجرة، المدعومة من بلاد الأحباش، على وجه التحديد، دورا مميزا”.
ورجح أن “الوثنية هزمت على أيدي المسيحية المهاجرة، المدعومة من بلاد الأحباش، وخرجت من سوبا للتوطن في إقليم فازغلي (صار لاحقا من معاقل الفونج، في الجنوب الشرقي)”.
ويشكك المؤلف في “الادعاء بإسلامية السلطنة الزرقاء، قبيل سيادة الهمج (أحد أفرعها) على مقاليد الأمر في سنار، على الأقل، وعن مسميات فونج ونوبة وعنج، ما يضعنا إزاء تعريفات جديدة لهذه المسميات”.
الكاتب
-
خالد سعد
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال