همتك نعدل الكفة
510   مشاهدة  

الهجوم على نجيب ساويرس يفضح ثقافة القطيع

نجيب ساويرس
  • إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة



الإحساس بالفردية يجعلنا أحرارًا متسامحين، ومن الهجوم على ساويرس يبدو أننا ندرة

صحيح أن الله خلق كل منا نفس بمعنى إن كل شخص متفرد بذاته مستقل وصحيح أيضًا أننا نسعى في داخلنا لتميزنا الفردي بشكل يحقق سعادتنا واكتفائنا وهذا الأمر لا يتعارض مع عمل الفريق وثقافة الجماعة لكن تبقى الجماعة مؤلفة من أفراد كل شخص له أداءه وبصمته وكلما زاد تميز الفرد زادت ثقته بنفسه وسواءه، لذلك ترى أن حياة المبدعين تتمحور فقط حول فرديتهم وذاتيتهم وتجدها كافية وتجدهم مكتفون مثل المؤلف والمفكر والكاتب والرسام والمطرب وغيرهم وأقصد منهم المبدعين حقًا لا بدفع وزور.

عمرك شفت فريق عمل خَلد ذكره؟ الأفراد فقط هم من يتذكرهم التاريخ ويخلد أسماءهم إن نبغوا وأثروا في حياة البشرية لأن الإنسان أو النفس ذاتية وفردية بالأساس كما خلقها الله.

 

المقدمة السابقة لابد منها للتمهيد للتالي

استوقفتني تدوينة لرجل الأعمال نجيب ساويرس على موقع التواصل الاجتماعي تويتر يعايد من خلالها متابعيه بمناسبة السنة الهجرية الجديدة ويتمنى أن تقلل الدولة الإجازات الرسمية التي تتعطل بموجبها جميع المصالح الحكومية وأن تُختصر أعياد الثورة إلى يوم عطلة واحد في العام، صدقًا كنت قد قرأت المعنى نفسه لدى بعض من الأصدقاء الذين تساءلوا لماذا تعطل الحياة في مصر بمناسبة السنة الهجرية ونحن حتى لا نستخدم التوقيت الهجري والعطلة الكاملة ليست ضمانة للاحتفال أو تذكر الرسول عليه الصلاة والسلام ولا حتى أخذ العبرة من هجرته وتركه من عارضوه ومنعوه من إشهار دعوته وإن كانوا أهله.

رغم ذلك صوب المئات حروف الكيبورد صوب نجيب ساويرس وهاجموه من منطلق أنهم عمال وموظفون وهو الشرير صاحب العمل الذي يريد استعبادهم أو يستعبد بالفعل العاملين لديه وأنه متخلف ورجعي فقد بات العالم أجمع يتجه صوب تقليل ساعات العمل لصالح الجودة وهو في زمان السخرة حبيس!

 

قمت بالرد على شخص واحد فقط ممن هاجموه دفاعًا عن وجوب التفكير قبل شن الهجوم على أي رأي بدوافع خفية قد لا يدركها حتى أصحابها ممن يحركهم غضبهم المطلق، وأوضحت له أن ما يطلبه نجيب ليس معاكسًا لتقليل ساعات عمل الأفراد التي أطبقها وأدافع عنها قبل أن يلتفت لها العالم المتقدم، لكن الرجل  لم يتطرق لذلك من قريب أو بعيد وكل ما تمناه أن تقلل الدولة التعطيل الرسمي لجميع المصالح والذي يجعل الدولة مشلولة تمامًا لعدد غير قليل من الأيام طيلة العام ناهيك عن الجسور التي تمد بين أيام العطل المتقاربة والتي تتعطل فيها المصالح العامة أيضًا، ومن حسن حظي أنه كان شخصًا منفتحًا استطاع التقاط الفرق بين الطرحين ولم يكن دافعه للمعارضة غير سوء الفهم.

 

لكنني وجدت الهجوم في ازدياد وبنغمة عنيفة تستهجن فعل الرجل وتصفه بالجنون وكيف يتجرأ ويدفع لاستعبادنا ليزيد من ثروته وهو أيضًا متخلف عن العالم الذي أصبح يفكر في الإبداع وراحة العاملين قبل الإنتاجية، استفزني ذلك لكتابة هذا المقال الذي فوجئت أثناء العمل عليه بتراجع نجيب ومسحه التدوينة سبب الهجوم اتقاء لشر الغالبية وفتكهم

لن أعيد تفسيري وقناعتي بعدم تعارض ما تمناه نجيب ساويرس وغيره من أصحاب الأعمال المغمورين المحميين من الهجوم لصغر حجم أعمالهم وعدم شهرتهم التي تعارض أيضًا وجهة نظر المهاجمين، لكنني أتمنى أن يفكر كل إنسان يعتقد أن يعمل لصالح مؤسسة أو صاحب عمل يستعبده بل أرجوه أن يفكر في نفسه ويجيب عليها كيف يقبل ذلك وهل هو مستعبد فعلًا.

طالما يمكنك ترك عملك فأنت غير مستعبد قولًا واحدًا وكل ما قد يساق تحت مسميات الظروف الدقيقة والضغط وصعوبة العيش هي حجة من يركن للمظلومية لعلها تنجيه ولن تفعل.

 

عزيزي لست مستعبدًا لأنه ببساطة يمكنك أن تستقيل وتترك ذلك الشرير وتحرمه خبرتك وكفاءتك.

عزيزي يمكنك تحسين وضعك وتغيير عملك كليًا.

عزيزي يمكنك تطوير مهاراتك لتصبح أكثر قدرة على فرض نظامك الخاص على المستفيدين من تميزك ومهاراتك

يمكنك أن تستغنى عمن يحدوا من موهبتك أو حجمك أو تعتقد أنك لا تحظى بالتقدير المناسب تجاه ما تقدمه لصالحهم

وطالما تدرك عظيم الأثر الذي يتركه عملك على الجهة التي تعمل لصالحها يمكنك أن تفارقها وتحرمهم أثرك ويمكنك أن تجعل كل صاحب عمل لعين نادمًا على استخفافه بحقوقك وحقوق زملاءك من الكادحين.

لكن الواقع دائما ما يفاجئنا بأن أكثر الناس تبجحًا في مساحات الأمان على أصحاب الأعمال المشاهير وذوي السلطة الواسعة التي لا تشملهم هم أكثر الناس انسحاقًا لصاحب الدكانة البسيطة التي يعملون بها وأن انسحاقهم هذا هو سبب رئيسي لأي ظلم يقع

 

نعود للمقدمة

الإحساس بالفردية مهم لكل إنسان خلقه الله لذلك إن فشل في تحقيق تميزه الفردي عن أقرانه يبدأ في التحقير منهم، وقد نجده يهاجم من هو أنجح منه وأشهر منه ليستشعر وجوده وقيمته، لكن ذلك الإحساس المزيف يشبه الإعجابات التي تصلنا على صورة أجرينا عليها مئات التعديلات بالفوتوشوب أو على منشور قمنا بسرقته، لا تشبع ولا تريح لأننا نعرف في داخلنا أنها غير مستحقة، فتأكيد الفردية يجب أن يحدث داخلنا ولداخلنا وليس أمام الآخرين.

لا أعرف نجيب ساويرس بشكل شخصي ولم أراه يومًا لكن الطرق بالحديد على المفاهيم البالية علها تلين أو تكسر هو همي كما أن التأمل والتفكير هو جزء من فرديتي التي تمتعني وإن لم يقرأ أحد!

إقرأ أيضا
رأس الحسين في القاهرة

لقد تركت عملي مرات عدة كلها كانت بمحض إرادتي ورآني الناس مجنونة تترك مناصب يحلم بها الغالبية وتضحي براتب لو عرفه الكثير من الزملاء لأوصوا بإرسالي فورًا إلى العباسية، لكنني رأيت الموضوع على بساطته الحقيقية إن تضايقت من عمل ووجدت من القائمين عليه ما لا تحب فاتركه.

بالسهولة واليسر الذي أكتب فيه مقالي هذا من على أريكة بيتي وأنا أبدأ من جديد عملًا جديدًا غير عابئة إلا بحريتي وفرديتي الحقيقية لذلك لم أضمر حقدًا على من استسلم وظل حبيس الكراسي بل أشفق دائمًا عليه، ولم ولن أضمر شرًا أو أظن بالناس السوء لأنهم أغنى أو أشهر.

 

أتذكر حديثًا خاصًا مع صديقة لي عندما قالت لقد تركتي عملك كرئيس مجلس إدارة وجلست تصنعين كوكيز الشوفان والجرانولا مع بناتك في البيت ثم بصوت خفيض تملأه الشفقة تابعت .. يا عيني، لم أكن من يستحق الشفقة ضحكت في أعماقي كان صعبًا أن أقاطعها وأخبرها أن فرديتي جعلتني مكتفية وناجحة برغم مخالفتي لقوالب النجاح غير الحقيقية التي صنعها المجتمع ولم يعد يقبل دونها.

نعم عندما تركت عملي آخر مرة قررت أن أجهز نفسي وأولادي للوضع الأسوأ وهو أن أضطر لترك مهنتي للأبد وأن أصنع علامة تجارية للمأكولات الصحية وبالفعل أطلقت العلامة التجارية وتركتها كما يقولون في الدرج وحتى الآن لم تضطرني الظروف لإخراجها رغم دعوات الشراكات التي تلقيتها من مستثمرين لم أكن أعرفهم لتنمية العلامة التجارية بعد إعجابهم بالمنتجات التي صنعتها مع بناتي بمعايير جودة عالية ونزاهة

 

لن يموت أحدهم من الجوع إن ترك عملًا يستعبده لكن يموت بالحياة كل حاقد ملئ قلبه الغل وكان الكره دافعه، يموت من التعاسة كل من فشل في تحقيق فرديته عن الآخرين

ربما تضيق بك الدنيا من الخارج في محدودية ما تملك من أشياء لكنها تتسع في داخلك وتجعلك سعيدًا قادرًا على التمتع بالحياة والعمل من جديد، والعكس بالعكس قد تسكن القصور الفارهة المسورة بسور عالي  لكنك تشعر أنه يوشك أن يقبض روحك من شدة الضيق بداخلك.

الناجح يقول في العلن هذا من فضل ربي وفي أعماق نفسه يعلم أن تميزه كان سببًا للنجاح ويسعد بذلك.

الكاتب

  • نجيب ساويرس رشا الشامي

    إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان