همتك نعدل الكفة
2٬242   مشاهدة  

“الهرشة السابعة” برنامج حياتي “الافتراضي” .. أرادوه لشريحة محدودة فكان العمل هو المحدود

الهرشة السابعة
  • إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة



لم يكن مسلسل ” الهرشة السابعة ” ضمن اختياراتي للمشاهدة في رمضان لكن تعثري في بعض ردود الأفعال التي كانت شديدة الشبه بما أجده على جروبات الفيس بوك المهتمة بالسجال حول الرجل والمرأة تزامن مع رسالة وصلتني من شقيقتي الصغرى تعلق على ردي على سائلة عبر توتير عن معنى الهرشة السابعة كنت قد وضعت للسائلة الصورة الشهيرة لمارلين مونرو بفستانها المتطاير من فيلم ( (The Seven Year Itch خشيت أختي طبيبة الأسنان التي تبلغ من العمر ٣٢ عاما أن أكون واحدة من المعجبات بالعمل قالت لي نصا وهي في إجازة الرعاية بطفلها الأول : لا دول ممثلين ولا دا سيناريو مش معقول حياتهم اللا عقلانية التي لا تتفق والصورة التي يظهرها لهم العمل.

 

انتهت اختي وبدأت أنا المشاهدة: ليست دراما

مع نهاية السبعينات بدأت الإعلامية فايزة واصف تقديم برنامج “حياتي” مدة ٣٥ عاما، البرنامج يعرض المشكلات الاجتماعية في قالب درامي بواسطة كبار الفنانين ثم يستضيف بعد نهاية المقطع الدرامي أساتذة ومختصين في القانون وعلم الاجتماع وغيرها من اختصاصات قد تتعلق بالمشكلة موضوع الحلقة ويبدأ في طرح حلول على أصحاب المشكلة الحقيقين، حقق برنامج حياتي نجاحا ساحقا حيث كانت المشكلات الدرامية تعبر بواقعية وصدق عن المجتمع وقد رأت فايزة واصف التي درست علم النفس والاجتماع الي جانب بكالوريوس العلوم المسرحية قسم التمثيل أنه من الصعب استضافة أصحاب المشكلات الحقيقين ليشاركوا الجمهور معاناتهم التي تعبر عن المجتمع كله، فكانت الدراما في “حياتي” هي لسان حال الناس.

 

مع تغير الزمن واختفاء الواقع الاجتماعي الحقيقي في الدراما خلف الأبواب المغلقة للبيوت ظهر الواقع الافتراضي وأصبح له لسانه وأدبياته والتي يمكننا عنونتها بكنس الحقيقة تحت السجاد وإظهار أطراف القشور الآمنة من الفواتير ولتي تجعلنا متشابهين مع ملايين البشر من غير مجتمعنا وغير ديننا أو ثقافتنا، صحيح لن ننكر وجود هذه الملامح للمشكلات رغم ذلك لن تميزنا أو تحكينا ولن نطلق عليها دراما بأي حال من الأحوال وإذا أردنا توصيفها فيمكن القول هي معالجة درامية لمنشورات الفيس بوك أو برنامج “حياتي الافتراضي”

YouTube player

 

خطوط الدراما الافتراضية برعاية الصراخ والهمس والقلش

 

بالتأمل تلحظ أن أكثر المنشورات قبولا ورواجا عن شكوى النساء عبر السوشيال ميديا هي عن أهمية التقدير فيما تظل معاناة الإنسان للوحدة هي أعظم همومه عبر السوشيال ميديا أيضًا

لذلك كان بديهيا أن تطلب الأم (هناء) عايدة رياض الطلاق من زوجها بعد ٣٠ عاما لعدم التقدير، كما تتزوج الأم (فيفي) بعد سنوات من وفاة زوجها لمللها من الوحدة

 

أما الزوج الذي يتحكم في زوجته بسبب سيطرته الاقتصادية ويرهق نفسيتها في علاقات عابرة بينما تصبر حتى يكبر الأبناء ثم تطلب الطلاق أملا في نجاة متأخرة، هو زوج نعرفه في بيوتنا الحقيقية بينما هؤلاء النساء أنفسهن ضحايا هذا النموذج من الأزواج يشعرن بالعار من البوح بمثل هذا الحرمان العاطفي والاقتصادي أمام مجتمع السوشيال ميديا فيختزلن كل ما سبق في (عدم التقدير)

وبالقياس نفسه تكون الوحدة أيضًا أكثر معاناة تحظى بالشفقة والتفاعل عبر المجتمع الافتراضي بينما يعرف العارفون أن من تأذى في خلوته إلى نفسه فلن تسعده جمعته بالناس!

الهرشة السابعة
عايدة رياض لعبت دور الأم هناء في الهرشة السابعة

 

(نادين وآدم) الثنائي الأساسي و(سلمي وشريف) الثنائي السنيد

اعتمد الثنائي الأساسي على الصريخ في رسم شخصياته تتشنج نادين ويصرخ آدم بينما يهمس شريف وتصمت سلمى

وبين الأربعة السابقين يقدم فريق ورشة سرد الذي تشرف عليه مريم نعوم وتديره دينا نجم تنوعا ثريا للمجتمع الافتراضي وبدلا من البناء الدرامي وبناء الشخصيات ينتقل فريق الكتابة إلى رمزية أهل السوشيال ميديا في تنوع المواقف وتضادها واحد مشكلته في الخوف من الإنجاب لكنه جذاب بالمعايير الافتراضية يتقن اللغات ملابسه توحي باستعداده لالتقاط الصور لانستاجرام يجيد الطبخ ويحول بيته لتحفة ديكور توافق عمله الذي عرف به نفسه، بينما لن تشعر أثناء المشاهدة بأن شخصية شريف تعمل بالفعل في التصميمات الخشبية إلا لأنه قال ذلك بنفسه، مثله مثل سلمي مدربة الباليه المائي التي لا يمكنك التصديق في علاقتها أصلا بالرياضة ناهيك عن تدريب فريق يشارك في بطولات، لا في روتين يومها ولا في طريقة مشيتها أو ملابسها هي فتاة مستعدة للخضوع لجلسات تصوير إعلانات في جميع المشاهد بما فيها مشاهدها في النادي، حتي في لحظة صدمتها الكبرى باعتراف شريف لها بوجود ابنته ذات ١٦ عاما، رأت سلمى أن تغير ملابسها وترفع خصلات شعرها لتخرج مصدومة غاضبة بتسريحة شعر منمقة بعناية إلى بيت صديقتها، ثم دون مبرر تستقبل سلمى حماتها (ماجي) الذي تقوم به مريم اسنار في منزل نادين لنكتشف بعد ذلك أن والدة شريف عرفت بوجود حفيدتها من سلمي ونقف في حيرة لماذا وكيف برروا الزيارة وكيف عرفت ماجي بهجر زوجة ابنها لبيتها من الأساس .

إن مجتمع السوشيال ميديا لا تؤرقه مثل هذه التفاصيل هو مجتمع يريد أطراف القشور التي تجعله آمنا يشبه الجميع أو القطيع، منكرا لحقيقة مشكلته وواقعه.

تشتكي نادين طوال المسلسل من مسئولية أطفالها التوأم لكنك لن تجدهم إلا هادئين وديعين، أظافرها الطويلة اللامعة وشعرها الممشط بخصلاته الشقراء التي لم يتغير طولها من قبل حدوث الحمل يؤكدان ذلك.

تقول نادين أنها تربي أطفالها وفق مبادئ التربية الإيجابية الحديثة، – يظهر ذلك واضحا في إصرارها على مصارحتهم بطلاقها من والدهم- لكنها تجبرهم في الوقت نفسه على رياضة السباحة وتقهرهم لممارستها كما تتركهم أمام التلفزيون ساعات طويلة بحجة أنها الطريقة الوحيدة لإلهائهم ودائما ما تجد الآيباد في حوزة الطفلين والألعاب الالكترونية رفيقة يومهم.

 

كيف يشبه هذا العمل حياتنا الافتراضية، إذا أردنا شيئا قلناه أو كتبناه، أما في الدراما إذا أردنا واقعا أو خيالا، فعلناه خلقناه وجسدناه!

الهرشة السابعة
أبطال مسلسل الهرشة السابعة

 

وهم حقوق المرأة برعاية الاستقطاب

 

انتقل السجال الدائم بين أبطال “الهرشة السابعة” والذي يبدو متعمدا إلى الجمهور الذي شاهد العمل، ففريق يرى نادين تصرخ بسبب ضغوط البيت والأولاد وفريق يرى آدم رجلا منصفا يقوم بدوره كعائل للأسرة، الأمر نفسه حدث مع سلمي وشريف حيال قصة ابنته لينقسم الجمهور إلى فريقين مع أو ضد، كما يحدث تماما في كل الأمور عبر السوشيال ميديا جميعها يجب أن تخلق انقسام بفعل سطحية الاستقطاب على شاكلة أن تكون محبا للشتاء وكارها لفصل الصيف.

 

إن جمال الكتابة والأعمال الإبداعية في خلق المساحة الواسعة للتدبر والتأمل، وفي صعق المشاهد بتعريته أمام نفسه بفعل الشخصيات الحية التي خلقها المؤلف، تتجلى قدرة الكتابة على خلق الحالة المذهلة من الوجوم والصمت أمام تشريح العمل المتقن لوجدان الإنسان برغم تعقيد النفس البشرية.

 

كنت قد ظننت أن “الهرشة السابعة” محاولة لتقليد المسلسل الأمريكي القصير (Scenes from a Marriage) الذي تم إنتاجه عام ٢٠٢١ وهو بنفسه النسخة الانجليزية عن المسلسل السويدي الذي يحمل الاسم نفسه والذي تم تقديمه عام ١٩٧٣، حيث بدى القالب العام متشابها من حيث تناول العلاقة بين الأزواج والمشاهد التي دور فيها أحداث العمل، فتجد غالبيتها تقع في البيوت بينما تأتي الشوارع والشخصيات العابرة بوزن أقل.

لكن ما تم تنفيذه في النسخة المصرية إن جاز التعبير مختلفا تماما من حيث دقة التناول لا أقول عن تشابه الواقع فالمسلسل الأمريكي يتناول واقعا صادما بين زوجين يقوم الأب ذو التربية الدينية اليهودية المحافظة في حالتهما بدور الرعاية الأكبر فيما تقوم الأم المتحررة بدور الإنفاق الأعظم وهو ما يميز واقعهما عن غيره من المجتمعات فيستحيل أن تشاهد مشهدا حواريا واحدا للزوجين الأمريكيين وتظنه واقعا عربيا فيما يمكنك أن تقطع باختفاء هوية أبطال الهرشة السابعة فلا بلد تميزهم ولا دين أو ثقافة، هم الأطراف الامنة المتشابهة دون عمق ولا تفاصيل.

 

لذلك لم يكن ضروريا على الإطلاق أن تكون موهبة نادين في الأداء الصوتي أو الدوبلاج مناسبة لإمكانيات أمينة خليل كممثلة ولم أقصد هنا صوتها أو مخارج حروفها خاصة حرف القاف والذي يواجه غالبية فريق العمل مشكلة في نطقه، بل قصدت مستوى التعبير والآداء الصوتي –  لم يهتم صناع العمل بإقناعنا بموهبتها فالهرشة السابعة اعتمد أسلوب أقول ما لا يمكنني فعله، فيكفي نادين أن تقول انها أحبت مهنة الأداء الصوتي وتذهب إلى الاستوديو تتلعثم في البداية بكلمة بليدة ثم يخبروك أنها نجحت ثم يتطور الأمر لمهنة أخرى تحتاج مهارات مختلفة وهي الدوبلاج وتحظى نادين بدور الأميرة!

كيف يبدو النجاح سهلا في الهرشة السابعة ولا يشبه الواقع، يتطور صعود نادين كالصاروخ و تتوالى عليها الفرص دون مبرر، ثم تنفصل نادين عن زوجها آدم الذي يقوم بدوره محمد شاهين حيث وقف عائقا أمام نجاحها -غير العقلاني- يقترح (شادي) أو محمد الكيلاني أن تنتقل إلى مهنة مختلفة كليا عن سابقتيهما وتقدم محتوى عبر البودكاست – وكأن لسان حال صناع العمل؛ ما كله مايكروفون ! على شاكلة ” كله عند العرب صابون” لكن أن يخرج ذلك الخلط عن مبدعين فهو أمر جدير بالتدبر!

YouTube player

 

إقرأ أيضا
بيج ماك

ليتوج صناع “الهرشة السابعة” عملهم بالحبكة الملتوية التي تؤكد سطحية العمل ومحدوديته باختيار نادين وهي في حال من التخبط وعدم الاستقرار تقديم بودكاست عن العلاقات وينجح! ويظل الصديق شادي مخلصا في دعمها بموسم البرنامج الجديد والذي تلتقي عبره نجوما مقابل إعلانات وكله يحدث من طاولة منزلها الامن!

لا تعرف شخصيات الهرشة السابعة عن العلاقات غير الصور النمطية الساذجة عن المرأة التي تحب الثرثرة والرجل الذي لا يجيد غير الصمت، في حين أن المرأة التي تبذل وقتها في ملئ روحها وعقلها وتقسم يومها بين عملها ورعاية بيتها وتجيد مهارات تفريغ الضغوط وتتعلم حدود المسئولية لن تعد بحاجة إلى الثرثرة التي تجد فيها العوض عن خواء روحها

كما يجيد الرجال الحديث والثرثرة أيضا، ولا تعوقهم عنها غير تراكم الهموم أو الإجهاد من جهة أو المسافات التي تتسع بينهم وبين شريكاتهم بحكم الجمود الذي يصيب الزوجات اللاتي تعتقدن أن الجلوس في المنزل لرعاية الأبناء يعني انقطاع الاهتمامات وجمود العقل والتجهيل.

 

عزيزتي المرأة التي تفكر في الانفصال أو الاستقلال الاقتصادي، احذري من نادين، فالأمور ليست كما تبدو، لن تجدي من يتحملك دون مهارات بهذه السهولة ولن تنهمر عليك الفرص لأنك موهوبة ولا تغني مهن التعليق الصوتي والدوبلاج من جوع وليس للبودكاست سوق واعتبار في مصر- لذلك تجاهل العمل كل ما له علاقة بالعائد المادي لكل ما سبق- وهنا نصل إلى أخيرا؛ حيث لا يمكنك قضاء يوم كامل في نادي صحي وصالون تجميل وأنت دون عمل ثابت ومطلقة حديثا وبعد يوم واحد من اعترافك بحاجتك الملحة للمال.

 

تناول المشكلات الصغيرة أشد صعوبة من مناقشة المشكلات العامة لذلك كثيرا ما تتعثر تجارب درامية يظن صناعها فيها النجاح مع إنكارهم لدور صاحب الفضل الأول في نجاح العمل وهو الكاتب أو المؤلف، والذي لا يمكن تعويض دوره بإضاءات خافتة أو إطالة في المشاهد دون داع أو عبر صورة مبهرة يصاحبها مقاطع موسيقية جذابة، كل ما سبق قد يخلق حالة مؤقتة من الملل أو الراحة لكن العمل الدرامي سيظل ضعيفا وعديم التأثير.

 

سيمضي العمل مثل أي منشور عبر السوشيال ميديا يحظى بانتشار واسع بسبب تفريقه الجمهور إلى متحاربين ثم ينساه الناس كأنه لم يكن، ولن يتذكروا غير ماهية الهرشة السابعة عن التغيرات التي تطرأ على الأزواج، من السنة الخامسة وحتى السابعة في عمر زواجهم، فتجعل هذه المرحلة هي الأصعب وبالتالي تزيد الخلافات، التي قد تؤدي إلى الطلاق، وهذه الهرشة هي في العموم عالمية، أما الهرشة المصرية وفق الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن أكثر سنوات الطلاق تكون في السنة الأولى والثانية من الزواج، وتقل بعد مرور عامين، وكان هذا دافعا للعمل على تعديل قانون الأحوال الشخصية والذي يجري حاليا بطرح بنوده من خلال حوار مجتمعي يريد أن يسهم في خفض معدلات الطلاق في مصر والتي أصبحت الأولى عالميا.

 

 

الكتابة مهنة إبداعية شديدة الفردية تعكس ثقافة الكاتب نفسه، خبراته وتجاربه التي انتهت إلى أفكار وقناعات يريد تجسيدها في قالب ما، كيف لذلك أن يتحقق في نظام وظيفي تراتبي لا يخدم فردية المهنة.

إن ما نشاهده من أعمال مثل الهرشة السابعة يفتح نقاشًا حول دور استحداث وظائف مثل الإشراف على الكتابة ثم وظيفة مدير فريق الكتابة التي تخل بالمهنة ذاتها وتقتل الإبداع وتبخس حق الكاتب الحقيقي وتعيق من تطوره.

في الوظائف العامة التي يتشارك فيها فريق العمل المهمات كلها تجد صعوبة في أن يفلت موهوب من مخالب مشرف أو مدير محدود، فكيف بمهنة شديدة الفردية، كيف لكاتب موهوب أن يتحقق وسط ضجيج المناصب، يبدأ المؤلف أو الكاتب مؤلفا أو كاتبا وهكذا ينتهي.

 

الكاتب

  • الهرشة السابعة رشا الشامي

    إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة






ما هو انطباعك؟
أحببته
8
أحزنني
3
أعجبني
5
أغضبني
1
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان