776 مشاهدة
امنعوا الضحك
إنه الأحد حيث الراحة والبهجة، والنجار راحته وسط أسرته وبهجته في جلسة.
القهوة، فيها يلتقي بالأصدقاء القدامى، يتنافسون في الطاولة ويضحكون من قلوبهم.
ولكن هذه الليلة ليست كالليالي الفائتة.
القاعدة انضم لها ضيف جديد، قريب عادل الكهربائي من البلد، جاء يبحث عن لقمة عيش هنا، وكانت تلك ليلته الأولي.
كان يفرك كمن تحته بيضة، ويميل على عادل ويهمس كل ثانيتين تقريبا: “امنعوا اللعب” .
وكان عادل منشغلا بعشرة الطاولة، وعلى يقين بأن الزهر سوف يلعب معه حتمًا وسوف فوز على النجار. ورج الزهر وحدفه وهو يتمني بصوت عال: “دبش بأة”.
ومال القريب مرة أخري وقال: “امنعوا اللعب بقي.. حرام عليك” .
ومل عادل من زن القريب ومن تعند القدر وسوء الحظ فزعق فيه: “هو إيه اللي حرام عليا؟” .
وأشار القريب إلى الطاولة وأوضح: “اللعب دا.. يعني أنت مش عارف إنه حرام” والتقطت النجار الزهر وراح يرجه بدوره وهو يتساءل: “هو إيه اللي حرام؟”.
“اللعبة دي، إنت ما تعرف الحديث اللي بيقول: من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده لحم خنزير ودمه”.
ورد عادل بحسرة الخسران: “لأه ما أعرفش”.
وكان النجار قد أوشك أن يفوز بالعشرة.
واستكمل القريب: “إزاي بقي؟ قال النووي: هذا الحديث حجة للشافعي والجمهور على تحريم اللعب بالنرد. وفي حديث آخر رواه أحمد وأبو داود ابن ماجة، عن الرسول صلي الله عليه وسلم: من لعب بالنرد فقد عصي الله ورسول”.
وكان النجار قد فاز بالفعل، فأغلق عادل الطاولة وهو يقول بضيق حقيقي: “أديني خلصت، ومش لاعب.. ارتحت؟”
وهنا انفجر النجار من الضحك، فنظر له القريب وقال: “امنعوا الضحك أيضًا: وانتفض عادل: “هو انت كمان هتحرم علينا نضحك؟”
فرد القريب : “أنا لا بحرم ولا بحلل وإنما أنقل إليكما ما جاء في كتب الفقه… ألم تسمع بالحديث القائل: إياك وكثرة الضحك، إنه يميت القلوب ويذهب بنور الوجه؟ وقد رواي أحمد.
وقال الإمام الماوردي في كتابه (أدب الدنيا والدين): وأما الضحك فإن اعتياده شاغل عن النظر في الأمور المهمة، مذهل عن الفكر في النوائب الملمة، وليس عن أكثر من هيبة ولا قار، ولا عن وصم به خطر ولا مقدار.
وقد قال عمر بن الخطاب عن الضحك: من كثر ضحكه. قلت هيبته. أما علي بن أبي طالب فقال: إذا ضحك العالم ضحكة، مج من العلم مجة”..
وكاد النجار أن ينفجر ضاحكا غير أنه تماسك وقال: “ولكن للضحك فوائد اكتشفها العلم الحديث، ومنها: حماية القلب من الأزمة القلبية والذبحة الصدرية ومن السكتة الدماغية أيضًا.
كما أن الضحك يعزز جهاز المناعة ويقويه، ويساعد الأوعية الدموية على تأدية وظائفها بطريقة أفضل، ويعمل الضحك على حل المشاكل والتخلص من القلق والتوتر… هل هناك متعة في الحياة تضاهي الضحك؟ “
وأجاب القريب بيقين: “أجل”…
وتساءل عادل بتهكم: “إيه بقي انشاء الله يا أبو العريف؟”.
فأجاب القريب بلهجة الواثق: “البكاء! فالبكاء يغسل أدران القلب، وللبكاء كما حددها الإمام ابن القيم عشرة أنواع، وهي: بكاء الخوف والخشية، بكاء الرحمة والرقة، بكاء المحبة والشوق، بكاء الفرح والسرور، بكاء الجزع من ورود الألم وعدم احتماله، بكاء الحزن، بكاء الخور، والضعف، بكاء النفاق، البكاء المستعار، وبكاء الموافقة.
أما عن فوائد البكاء فقد حددها علماء السلف وقالوا فيها: إن البكاء يورث رقة ولينًا، وأنه سمة من سمات الصالحين، وأنه صفة من صفات الخاشعين الوجلين أهل الجنة، وأنه طريق للفوز برضوان الله ومحبته”..
وانتهي القريب من حديثه، وبدأ ينتحب ببطء.
وقال النجار: “ولكن العلم الحديث أثبت أن للبكاء أضراره أيضًا: الصداع الشديد في الرأس، وشعور الإنسان بالتوتر، وعدم القدرة على النوم، زيادة في احتمالية الإصابة بالقولون العصبي، دا غير السكر والضغط اللي هما عندي أساسًا، وبعدين لو عاوز تعيط عيط بس متحرمناش من البهجة والضحك!”
وراح القريب يعيط بالفعل ويهز رأسه منتحباً: “امنعوا الضحك يا جماعة.. امنعوا الضحك!”..
الكاتب
ما هو انطباعك؟
