بريطانيا لم تعد دولة مسيحية.. الكنيسة عليها الاختيار بين التعايش أو الانقراض
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
يبدو أن “حامي العقيدة” اللقب المتسمك به الملك تشارلز الثالث حتى الآن أصبح من الماضي؛ فحتى الكنيسة لم تعد ترى بريطانيا كدولة مسيحية ولم يعد هناك إيمان لحمايته. فقد أعلن استطلاع رأي جديد أن 75% من كهنة كنيسة إنجلترا يجدون أن بريطانيا لم يعد يمكن وصفها دولة مسيحية، كما كشف عن آراء جديدة مثيرة للجدل حول مسائل مثل زواج المثليين والمرأة والعلاقات خارج إطار الزواج.
الارتباط الوثيق بين بريطانيا العظمي والكنيسة ممتد منذ قرون، وما يزال واضحًا على تمسك المملكة بمراسمها المتوارثة من جيل إلى جيل. فحتى الآن يتمسك ملك المملكة المتحدة تشارلز الثالث بلقبه “حامي العقيدة” أو “حامي الإيمان”، كما يعتبر هو الرأس الأعلى للكنيسة الأنجليكية وتمت مراسم تتويجه في كنيسة وستمنستر. إلا أن هذا الارتباط لم يعد مناسبًَا للعصر الجديد الذي نعيشه، حيث لم يعد للتقاليد الدينية مكان حين تقف أمام رغبة الإنسان الحديث الذي لا يؤمن إلا بما هو ثابت وواضح.
استطلاع رأي للتايمز: كهنة الكنيسة يرغبون في التصالح مع مجتمع الميم
نشرت صحيفة التايمز البريطانية مؤخرًا أحدث استطلاع رأي حول الكنيسة، شارك فيه 1200 كاهن عبروا بحرية عن آرائهم الشخصية بعيدًا عن وجهة نظر أصحاب القرار. الاستطلاع خرج بإجابات للعديد من الأسئلة التي لم تطرح من قبل على أشخاص ذوي مكانة دينية في الكنيسة الإنجليزية، أبرزها يتسائل عن إن كانوا يرون بريطانيا العظمى كدولة مسيحية. وهو السؤال الذي أجاب عليه 24% منهم بالموافقة، في حين أجمع 64% على إمكانية وصفها بهذا الوصف فقط من الناحية التاريخية، فيما ذهب 9% إلى النفي الصريح لهذا الوصف.
تطرقت الأسئلة نحو مواضيع أكثر حساسية مثل موافقة الكهنة على تزويج المثليين، حيث أيد 53% منهم تغيير قانون الكنيسة للسماح بتزويج أفراد مجتمع الميم وقبوله دينيًا،؛ وهو ما يوضح وجود أغلبية طفيفة مناصرة لقضية المثليين بين الكهنة. بعكس قضية المرأة التي تجد تعاطفًا كاسحًا حيث عبر 80% من المشاركين تأييدهم لفكرة شغل المرأة لمنصب كبير الأساقفة -المنصب الذي يحتكره رجال الكنيسة منذ تأسيسها-، في حين يرغب ثلثا الكهنة في القضاء على السلطة الرافضة للقيادات النسائية داخل الأبرشيات.
الكهنة يعانون من الإحباط في ظل انخفاض أعداد المسيحيين
الاستطلاع أثبت أن أغلبية الكهنة يرغبون بالفعل في التصالح مع مجتمع الميم، سواءً من منطلق التعايش الاختياري أو التأقلم الإجباري. وهي رؤية منطقية بالنسبة لبقعة من العالم تصالحت مع هذه الأفكار ثقافيًا واجتماعيًا بالفعل، لاسيما وأن التصميم على الرفض لم يتسبب إلا في انكماش شعبية الكنيسة. الأمر الذي نراه واضحًا في انخفاض عدد المترددين على قداس الأحد من 1.2 مليون فرد في الثمانينيات إلى أقل من 700 ألفًا في 2019م، وهو رقم من المرجح أنه في تنازل مستمر.
مسيحية بريطانيا المتآكلة لم تكن خبرًا من الجديد على الأذن سماعه، فقد أظهر التعداد السكاني للملكة المتحدة عام 2021م أن 46.2% فقط من السكان يصنفون أنفسهم متدينون، في حين أصبح 37.2% لادينيين. في الوقت نفسه الذي ارتفعت فيه نسبة المسلمين إلى 6.5% من إجمالي عدد سكان المملكة.
كل هذه المعطيات تسببت في حالة من الإحباط أصابت كهنة الكنيسة البريطانية، حيث وجد الاستطلاع أن ثلث المشاركين فكروا جديًا في الاستقالة خلال السنوات الخمس الأخيرة. فيما عبر العديد منهم عن تخوفات صريحة من انقراض الكنيسة إن لم تعالج أزماتها المجتمعية المتسببة في موجة العزوف الأخيرة.
الكاتب
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال