رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
448   مشاهدة  

 “بشارة” خيري بشارة

خيري بشارة


لقد عاد المخرج الأكثر جموحا في تاريخ السينما المصرية، خيري بشارة ، الذي لم يتردد في تغيير جلده عدة مرات، من السينما التسجيلية إلى الواقعية التي بلغت ذروتها في الطوق والإسورة، ويوم حلو.. يوم مر، ثم اخترع توليفة كرنفالية تخصه وحده، في أفلام كابوريا وآيس كريم في جليم وقشر البندق التي أراد بها أن يكون جسرا بين سينما لا تخاصم جمهورها، ولكن أيضا لا تبتذل في طريق ذلك أن تخاصم نفسها وأفكارها.

لقد عاد، لم يفقد العقل ولا تصلبت أفكاره، ما زال منتبها، ربما لأنه لم يتوقف عن المساءلة والتجريب واللعب.

ربما يجادل البعض أن عودة خيري بشارة عبر فيلم يوم الحداد الوطني في المكسيك، لم تكن على قدر المأمول. لكن ما المأمول أصلا بعد أن انخفض كل سقف وانحدر كل أمل في سينما تخاطب جمهورا لا المسؤول عن ألا تمر أي أفكار، أي أمال؟ سينما منزوعة الهم بتعبير داود عبد السيد، لأن الهموم ممنوعة من التداول، على الهموم كلها أن تصير في خدمة “الحداد الوطني” العام.

لقد عاد.

لم يفقد القدرة على التهريج، هذا انتصار مهم، له ولنا وللفن. لأن إذا ما بالغ وضع ما في الانحطاط يكون الرد عليه بجدية من يقارع فكرة بفكرة، خطأ جسيم، الرد الوحيد الممكن هو مسخرة ذلك الانحطاط، أن يرده إلى مكانته قزما، عبر الكاريكاتير والمبالغة. لأن السيطرة في العمق هشة، وما تطلبه عظيم، ما يبدأ بتكميم الأفواه من “أجل حداد وطني عام” وينتهي بالتدخل في أكثر تفاصيلنا حميمية. هكذا تبدو فكرة منع عيد الحب، بسيطة وساذجة بل ورخوة في الظاهر، لكن هذا المنتج النهائي لأي شمولية، سواء شمولية الحكم أو رأس المال، أن تقف حائلا بيننا وبين آخر، زميل أو مواطن أو حبيب، لأن هدفها الأخير هو إيقاف تدفق الأفعال، وعزل تشابكها وأثرها الاجتماعي المترابط، نفي الكرامة بتعبير جون هولواي في كتاب 12 أطروحة لتغيير العالم.

ما نراه في الفيلم، هم بشر معزولون، يتحرون المسافة بينهم، ممنوعين من الكلام إلا همسا وخلسة، خائفون، مراقبون، متماهون مع السلطة بسلطة إضافية هي رقابة ذواتهم على ذواتهم، يتحركون ويفكرون بآلية، كما أنهم منافقون أيضا، فكل ما يعلنون إيمانهم به في الظاهر، قد يرتكبونه ضده في السر. وجود ممزق، بارد، خاو ولزج.

لقد عاد.

لم يفقد الأمل. لم تجبره كآبة الواقع وسوداويته على أن يسرد حكايته من منطق مكتئب مهزوم، بل دار فيلم القصير حول معركة ألوان:” الأحمر” ضد “القاتم” ولنفسره بما شئنا، الحب، الحياة، الثورة، لأن هذا هو الفن لعبة تخفي أمرا جديا بحجم لعبة، ليس نضالا ولا بوقا ولا بديلا عن تيار وحزب، هدفه الأساسي من رصد الواقع الجزئي الوصول إلى فكرة أكثر جذرية عن الإنسان.

فلنستعد الروح، يخبرنا فيلم خيري بشارة أن نتشبث بالرفض والنكتة، أن نؤمن في أشد لحظات اليأس، أن هناك عالما آخر ممكن. لأن روح المرح ربما قد تكون أكثر قدرة على المقاومة من الرؤية الكئيبة التي تقايض النصر بفكرة تجد شيئا شاعريا في الهزيمة.

إقرأ أيضا
رمضان

ليس أفضل الأفلام؟

لا يهمني. لقد عاد، وسيصنع ما هو أفضل، لقد أوجد ثقبا في الجدار الذي أحاطه.. عقبالنا!!

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
4
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان