همتك نعدل الكفة
1٬178   مشاهدة  

بعد استجواب البرلمان.. هل يصبح القومي للترجمة بوابة الرجعية وتمكين التطرف؟

المركز القومي للترجمة
  • إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة



موجة غضب وقلق في الأوساط الثقافية صاحبت إصدار المركز القومي للترجمة في أغسطس العام الماضي ٢٠٢٠ للائحة الترجمة الجديدة التي تشترط مراعاة ألا يتعارض الكتاب مع الأديان، ولا مع القيم الاجتماعية والأخلاق والأعراف أو ثوابت المجتمع المصري، وتخوف المثقفون من أنه حال تطبيق اللائحة قد تصبح العديد من الموضوعات محرمة من التناول والصدور من المركز القومي للترجمة، الذي يعني في المقام الأول بنقل ثقافة العالم والتعرف إلى أفكارها والتفاعل معها بنقدها والرد عليها.

حينها، خرجت الدكتورة علا عادل مدير المركز السابقة وأكدت بأن اللائحة تنظيمية وأنها تدرك القيمة الحقيقية للترجمة وكيف يمكن للحذف أو الرفض أن يخل بالدور المنوط بالمركز وقالت في تصريح صحفي نصًا بأنه

(لا يمكن بأي حال اقتطاع جزء أو مشهد من رواية حتى وإن كان البطل شاذًّا أو مثليًّا أو ملحدًا، فكيف أحذفه وهو فكر موجود بالفعل في الكتاب ولا بد من مناقشته، وهناك فارق بين ذلك، وبين فكرة الترويج لهذه الأفكار في كتاب، وهذا ما نقف عنده، فأهمية دور الترجمة أنه يتلخَّص في نقل الثقافات الأخرى المختلفة إلى القارئ العربي، فهي كالمرآة التي تعكس الثقافات الأخرى، ومن واقع احترام الأديان كافة، وثوابت المجتمع المصري) انتهى الاقتباس.

 

لم تهدأ موجة الغضب العامة تجاه اللائحة حتى تراجع المركز القومي للترجمة وحذفها عن حساباته عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأعلن تعليق العمل بها وبعد مضي أيام رحلت د. علا عادل لتوليها رئاسة منصب ثقافي في إحدى الدول الأوروبية كانت قد تقدمت إليه قبيل تعيينها مديرة لمركز الترجمة ما جعل الوسط الثقافي يطمئن لنهاية مقترح اللائحة الأخلاقية التي من شأنها التأثير على الدور الحيوي للترجمة.

 

لكن بعض الأفكار يمكن تمريرها خفية ودون لوائح! 

 

أرادت الدكتورة كرمة سامي رئيس المركز القومي للترجمة الحالية والتي خلفت الدكتورة علا بترشيح منها، حذف فصل كامل من كتاب (دليل القارئ للنقد الأدبي) قام بترجمته الدكتور جابر عصفور والأستاذ حسام نايل يتحدث الفصل عن نقد وتحليل أدب الكتاب أو الأدباء المثليين وليس عن المثلية! لكن اقتراحها قوبل بالرفض الشديد فعدلت عنه، ثم تحدثت إلى دكتور جابر عصفور تستأذنه في تغيير كلمة اللواط إلى المثليين وسط دهشة الجميع، ووافق لدكتور عصفور باعتبارها لم تخل بالمعنى.

 

في ترجمة “ما بعد روما” وهو كتاب اسباني ضمن سلسلة الإبداع القصصي قررت رئيس المركز إعادة صياغة ست صفحات من الكتاب ضموا مشهدًا حميمًا وجدته مخالفًا لمعايير المجتمع المصري!

 

ما سبق هو مؤشر على إحكام الرقابة على الترجمة وسريان اللائحة الأخلاقية والعرفية رغم التراجع عن إصدارها والتي تخالف بشكل مباشر وظيفة الترجمة.

الإصلاح من الداخل لا يبرر النتائج

 

في يوم الإثنين السادس والعشرين من يوليو الماضي ٢٠٢١ اجتمعت اللجنة الثقافية في مجلس النواب لمناقشة طلب الإحاطة المقدم من النائبة ضحى عاصي بشأن عدم وجود منهج لتصدير الأدب المصري على المستوى العالمي، وباعتبار أن المركز القومي للترجمة هو المسئول عن ذلك فقد اعتبروا أنه فشل في مهمته

فما كان من دكتورة درية شرف الدين رئيس اللجنة إلا التأكيد على ضرورة إعادة النظر في استمرار عمل المركز القومي للترجمة بعد التراجع الكبير في تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها، باعتبار ما وصل اليه حال الترجمة في مصر مخجل ومشين.

 

وبينما أتفق مع الرؤية السابقة في استحقاق الأدب المصري العالمية وأن الاعتماد على الدور الفردي لدور النشر لا يمكن أن يكون كافيًا خاصة في الظرف الاقتصادي العالمي والمحلي الذي تعانيه صناعة النشر، إلا أن دور المركز القومي للترجمة لا يقتصر على تصدير ثقافتنا وتعزيز تأثيرنا الناعم من خلال الكتاب والرواية، فالعملية الثقافية ثنائية الاتجاه فلا يمكن أن يتطور الإبداع غير بالاطلاع والدراية والالتحام والاشتباك مع الثقافات الأخرى، لذا تم إطلاق المشروع القومي للترجمة في آواخر التسعينات، لتقديم شتى المذاهب والاتجاهات الفكرية وهي مهمته الأولى التي وجد لأجلها، ولا ضير في إضافة مهمة أخرى تعزز من قوتنا الناعمة بكل تأكيد.

 

ولكن جاءت إجابة القومي للترجمة الذي يطبق لائحة معايير وضوابط خفية عن البرلمان والوسط الثقافي دفاعًا عن وجوده بأن ترجمة الأدب المصري تحتاج إلى دعم الدولة وإبرام اتفاقات مع دور نشر عالمية وخبرات لاختيار النصوص وأكدت رئيس المركز في ردها على البرلمان أنها تضع آليات جديدة لتطوير أداء المركز القومي لتصل إلى معدلات عالمية بالحد الأدنى حيث يصل حجم الترجمة من الأدب الإسباني، الإيطالي، وحتى الإسرائيلي نحو عشرين ألف كتاب سنويًا عن كل منهم، – تكمل دكتور كرمة رئيس المركز جوابها- بأنها وضعت خططًا تمكنها من ترجمة ألف كتاب في العام بدلا من ألف كتاب في العشر سنوات.

 

 

ربما استحق مفهوم التطوير أن تقلق أكثر، وهنا يجب أن تقلق جدًا!

 

بعد سؤال البرلمان قام المركز القومي بالشروع في ترجمة كتابين من الأدب المصري إلى اللغة الروسية، دونما خطة معلنة يعرفها العاملون بالمركز توضح آلية اختيار الكتب من الأدب المصري والمعايير التي تقود لاختيار اللغة التي تتم الترجمة إليها ومن ثم تسويق الأدب وخطط توزيعه.

 

أما عن مهمة المركز الرئيسية التي تأسس من أجلها فلم يصدر كتاب واحد من اختيار مدير المركز الحالي بل لم يتم اختيار كتاب واحد جديد لترجمته طيلة الفترة الماضية، ويعد الإنتاج لهذا العام هو الأقل في تاريخ المشروع منذ إطلاقه الذي كان يتجاوز المائة وعشرين كتاب سنويًا بحد أدنى حيث اقتصر الإنتاج خلال عام وأربعة أشهر – مدة رئاسة د. كرمة سامي- على إصدار ٦٢ كتاب لإدارات سابقة من بينهم خمسة كتب إعادة طبع وكتابين من ميراث الترجمة (موسوعات وكتب تراثية)

ولقد صدرت الكتب تحمل اسم دكتور كرمة سامي رئيس المركز رغم انتهاء أعمال الترجمة كاملة من اختيار الكتب والتعاقد مع المترجمين حتى اختيار العناوين ومراجعة وتحرير في عهود سابقة وبقيت الكتب في انتظار أوامر الطباعة ما يحمل سؤالًا عن المسئولية الأخلاقية والقانونية حيال نسب حق الإنجاز الإداري الإنتاج والفني لغير صاحبه.

اقرأ أيضا

إقرأ أيضا
غلاسة

سعيد السيد بدير .. العالم الذي قتله العدو دون أن نعلم عنه شيء

تردد وقلق سببه خوف من الخطأ، هل أفضى إلى عجز وسوء إدارة؟ ماذا أهدرنا؟

 

  • عندما تقلدت الدكتورة كرمة سامي إدارة المركز القومي للترجمة في سبتمبر ٢٠٢٠ أصدرت قرار بموافقة وزير بتشكيل لجنة هيئة استشارية – بمكافأة- من الخارج والذي يحل محل المكتب الفني المختص بالمركز والذي يتألف من خمس لجان فنية تضم كل لجنة خمسة أعضاء من كبار مختصي أفرع الترجمة والآداب والعلوم المختلفة هذا إضافة إلى موظفي المكتب الفني أنفسهم الذي تتجاوز خبرتهم أكثر من عشر سنوات، ولقد قدم المكتب الفني أكثر من ١٢٠ كتاب مقترح من قبل المترجمين ولا تزال المقترحات قيد البحث لدى اللجنة الاستشارية.

 

  • ولقد توقف عن العمل مع المركز من بين أعضاء لجان المكتب الفني الأساتذة، الموسيقار راجح داوود، محمد صُفار أستاذ العلوم السياسية، محمد عفيفي أستاذ التاريخ والحائز على جائزة الدولة التقديرية والفيلسوف والمترجم الكبير شوقي جلال.

 

  • عينت رئيس المركز القومي إدارة قانونية منتدبة من الوزارة من خارج المركز -بمكافأة- تتألف من محاميين، لتحل بديلًا عن الإدارة القانونية التي لا تزال موجودة.

 

  • كلفت د.كرمة إدارة التحرير والتي تختص بمراجعة سلامة الصياغة بأعمال الإشراف على ترجمة السلاسل بحيث يكون ثلاثة من الموظفين هم محرري سلاسل -بمكافأة- كعمل إضافي مع عمله الأصلي ما يجعله مستفيدًا من مكان عمله الأصلي براتب ومكافأة من جهة، ومن ناحية أخرى يتعارض ذلك مع الوظيفة نفسها، ناهيك عن حرمان الإنتاج الأدبي من السلاسل من حمل اسم محرر سلسلة من الأساتذة الكبار التي تضيف أسماءهم قيمة فنية كبيرة للعمل المترجم من يسبب خسارة القيمة التسويقية للسلسلة.

 

 

  • دافعت رئيس القومي للترجمة أمام البرلمان حيال تقاعس المركز عن القيام بدوره بسبب تراجع العائد المادي للمترجمين ما أدى الى رحيل العديد منهم الي جهات ووظائف ذات عائد مادي كبير وطالبت البرلمان بضرورة اتخاذ إجراءات سريعة وعملية لمواجهة هجرة المترجمين المصريين لدول الخليج من أجل الحصول على مميزات مالية كبيرة، ورغم ذلك تقوم بتأخير المستحقات المالية للمترجمين المتعاقدين مع المركز واستحدثت إجراء إداري يؤجل الوفاء بالمستحقات عن الكتب التي تم اعتمادها من قبل إدارة التحرير، لما بعد لجنة الفحص التي تم استحداثها، ما يعد إجحاف شديد بحق المترجم الذي لا يجب أن يتحمل البيروقراطية المعيقة التي قد تحول دون إصدار الكتاب بعد إجازته من التحرير لسنوات ولنا في الثلاثمائة كتاب التي تكدست بها إدارة التحرير حتى كتابة المقال خير دليل وعظة.
  • ربما في محاولة لتعويض التقاعس عن الإنتاج أطلقت رئيس القومي للترجمة نهجًا جديدًا لا علاقة له بالدور المنوط بالمركز حيث دأبت على عقد فعاليات وندوات على غرار عمل قصور الثقافة تُعقد بمقر المركز يحضرها منصة المشاركين وبعض الموظفين حيث لا يتم نشر صور للحضور عبر حساب المركز على فيس بوك، ويبدو الحال نفسه فيما يتعلق بالدورات التدريبية الموجهة لطلاب الألسن والبروتوكولات مع الجامعات التي يعلن عنها لمركز عبر فيس بوك حيث يتم الإعلان عن نوع التدريب ثم لا يتم نشر أي صور أو أخبار عن عدد المتخرجين أو انعقاد الدورة، ما يوحي بأن الهدف كان الإعلان فقط دون تنفيذ!

 

نحن أمام أزمة فعالية خطيرة تهدد مشروع ثقافي ضخم بقيمته وأثره ويعد الأهم في الارتقاء بالثقافة المصرية والضامن على استمرارية حركة الإبداع التي تستند على جناحي الابتكار والترجمة، ولا يمكن أن نقبل أن يتم حذف نصوص أو صفحات من الكتاب الذي يعد المنتج الثقافي شديد التخصص لفئات محددة تبحث عنه بينما تتجاوزنا دول عربية حولنا ويقروا عرض جميع الأعمال الفنية دون حذف أي مشاهد رغم أنها تستهدف فئات شعبية أكثر شمولًا.

 

دعوة للمراجعة قبل أن تكون المؤسسات الثقافية المهمة والمسئولة عن التنوير هي نقاط الضعف ومداخل التطرف والرجعية.

 

الكاتب

  • المركز القومي للترجمة رشا الشامي

    إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
1
أعجبني
0
أغضبني
2
هاهاها
1
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide






حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان