همتك نعدل الكفة
14   مشاهدة  

“بعد التحولات التي شهدها القرن الإفريقي” أهداف القمة الثلاثية بين مصر والصومال وإريتريا

القرن الإفريقي


على الرغم من تركز بؤرة الاهتمام على التطورات الإقليمية، لاسيما الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان والضربة الإسرائيلية المُحتملة ضد إيران، والجهود المُكثفة التي تبذلها الدولة المصرية لاحتواء التصعيد وعدم اشتعال حرب إقليمية بالمنطقة؛ فإن هناك حرصًا من جانب القيادة السياسية المصرية على مواصلة الاهتمام بالتطورات التي تحدث في إقليم القرن الإفريقي، والانخراط النشط وتعميق أواصر التعاون بين مصر ودول الإقليم، وهو ما تُرجم من خلال انعقاد قمة ثلاثية اليوم الخميس 10 أكتوبر 2024 في العاصمة الإريترية أسمرة، تجمع الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الإريتري أسياس أفورقي والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود.

YouTube player

توترات متزايدة: تأتى الزيارة التي يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى إريتريا في ظل توقيت بالغ الأهمية؛ إذ تتصاعد فيه التوترات في أعقاب قيام إثيوبيا بتوقيع اتفاقية مع إقليم “أرض الصومال” الانفصالي مطلع العام الجاري، تتمكن بموجبها من استخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، وهو ما أثار غضب الصومال؛ لا سيّما وأن الاتفاقية تهدد وحدة وسلامة الأراضي الصومالية، الأمر الذي أعلنت مصر رفضها له.

تعاون مصري صومالي: تُرجم هذا الموقف المصري المنطلق من موقف مبدئي بدعم الدول الوطنية ومؤسساتها في توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين مصر والصومال في أغسطس 2024، أعقب ذلك وصول قوات ومعدات عسكرية مصرية للعاصمة الصومالية مقديشو، ضمن خطط القاهرة لدعم الصومال بنشر 5 آلاف جندي بموجب الاتفاق الثنائي، فضلًا عن 5 آلاف جندي آخرين للمشاركة في بعثة حفظ السلام الإفريقية التي ستخلف البعثة الحالية التي تشكل القوات الإثيوبية الجزء الأكبر منها، ولم تعد يرغب الصومال في وجودها.

وجاءت هذه الخطوات المهمة في أعقاب زيارتين مهمتين أجراهما الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى القاهرة عكستا الحرص المشترك بين القاهرة ومقديشو على تعزيز أطر التعاون بين الجانبين، الأولى كانت في 20 يناير 2024، والثانية في 14 أغسطس 2024. وهي الزيارات التي أسهمت في تبادل الآراء حيال القضايا ذات الاهتمام المُشترك، التطورات في القرن الإفريقي؛ إذ حذّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من المساس بمصالح الصومال.

توافق مصري إريتري: اتضح للقيادة السياسية في إريتريا أن إثيوبيا تنتهج سياسة ليست في صالحها، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال رفض أسمرة “اتفاق بريتوريا” الذي وقعته إثيوبيا مع جبهة تحرير التيجراي في نوفمبر 2022 لوقف الحرب، حيث تم استبعاد إريتريا من الانخراط في هذا الاتفاق، على الرغم من الدعم الإريتري للحرب الإثيوبية ضد جبهة التيجراي. ذلك بالإضافة إلى توقيع إثيوبيا اتفاقية مع إقليم “أرض الصومال” والذي ترجمته إريتريا بوصفه أنه لن يأتي فقط على حساب موانئها التي تستخدمها إثيوبيا في عملية التصدير، “مصوع” و”عصب”، بل أيضًا -وهذا هو الأهم- إمكانية قيام رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بمحاولة الاستيلاء على ميناء “عصب” في ظل طموحاته التوسعية.

وفى ضوء هذه التفاعلات، نجد أن إريتريا عملت على توثيق علاقاتها بالدولة المصرية، فقد قام الرئيس الإريتري أسياس أفورقي بزيارة رسمية لمصر في 24 فبراير 2024 أسهمت في تعزيز العلاقات الثنائية، وجرى خلالها وبحث التعاون في مختلف المجالات. كما نجد أن رغبة مصرية لتعزيز العلاقات مع إريتريا على كافة الأصعدة، عكستها، على سبيل المثال، الزيارة التي أجراها رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل ووزير الخارجية بدر عبد العاطي بزيارة إلى أسمرة في 14 سبتمبر 2024؛ لنقل رسالة من جانب الرئيس السيسي إلى نظيره الإريتري أسياس أفورقي، تناولت سبل دعم وتطوير العلاقات الثنائية ومتابعة التطورات في المنطقة. وهو ما يبرهن على الحرص المصري على تعزيز التقارب مع إريتريا والتوافق في وجهات النظر حيال القضايا والتطورات ذات الاهتمام المشترك، وترسيخ شراكة مستدامة لتنفيذ عدد من المشروعات الاستراتيجية في عدة قطاعات منها حفر الآبار ومشروعات إنشاء السدود وتخزين مياه الأمطار، واستخدام تكنولوجيا الصوبات الزراعية، وكذلك مجال التصنيع الدوائي.

القرن الإفريقي

وعلاوة على هذه التحركات المصرية المنفردة، كان هناك حرص على بلورة إطار ثلاثي للتعاون بين الدول الثلاث مصر والصومال وإريتريا، عكسه عقد وزراء خارجية الدول الثلاث اجتماعًا ثلاثية في 23 سبتمبر 2024 في نيويورك على هامش مشاركتهم في أعمال الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة؛ وذلك لتنسيق والتعاون بشكل وثيق في القضايا ذات الاهتمام المُشترك خلال المرحلة المُقبلة بما يصب في مصلحة الشعوب الثلاثة. ثم انعقاد القمة الثلاثية المشتركة اليوم في العاصمة الإريترية والتي جاءت لتحقيق جملة من الأهداف يمكن استعراضها على النحو التالي:

بناء رؤية مُشتركة حيال القضايا الإقليمية: تشهد منطقة القرن الإفريقي العديد من الحروب والصراعات، ولذا نجد أن هناك توافقًا بشأن دعم استقرار الصومال، وعدم المساس بالسيادة الصومالية، والرفض المطلق لمذكرة التفاهم المشتركة بين إثيوبيا ومنطقة “أرض الصومال”؛ نظرًا لمخالفة المذكرة كل المواثيق والقوانين الدولية.  وكذلك هناك توافق بشأن خطورة السياسات الأحادية عند القيام بمشروعات على الأنهار الدولية، وحتمية الالتزام بمبدأ التعاون، والتشاور المسبق بين الدول المشاطئة، لضمان عدم التسبب في ضرر لأي منها، اتساقًا مع قواعد القانون الدولي ذات الصلة، ومن ثم ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم، حول ملء وتشغيل سد النهضة.

التنسيق الأمني: لا شك أن التعاون بين مصر والصومال وإريتريا سينعكس بشكل إيجابي على مواجهة التحديات الأمنية؛ وذلك في ضوء تزايد هجمات حركة الشباب الإرهابية. ولذا فالتعاون بين البلدان الثلاثة سيسهم في نقل الخبرات الأمنية المصرية لبناء قدرات الأجهزة الأمنية في الصومال وإريتريا بحيث تكون قادرة على مجابهة التحديات الأمنية، فضلًا عن استفادة إريتريا والصومال من التجربة المصرية في محاربة الإرهاب التي لا تقتصر فقط على الجانب الأمني، إذ تتبنى مصر مُقاربة شاملة لمحاربة الإرهاب ترتكز على معالجة جذور الظاهرة بكافة أبعادها الأمنية والفكرية والاجتماعية.

إقرأ أيضا
البهرة ومسجد السيدة زينب

أمن البحر الأحمر: يُمثّل أمن البحر الأحمر مسألة مهمة في ضوء تزايد التوترات التي تهدد الملاحة فيه. ونجد أن هناك توافقًا بين الدول الثلاث على  التأكيد على مسؤولية الدول المشاطئة عند صياغة السياسات الخاصة بذلك الممر المائي بالغ الحيوية، من منظور متكامل يأخذ في الاعتبار مختلف الجوانب التنموية والاقتصادية والأمنية. ويسهم التقارب في الرؤى حيال هذا الملف في تعزيز الأمن والاستقرار وحماية التجارة وحركة الملاحة بهذه المنطقة، والحيلولة دون سيطرة الجماعات الإرهابية على الممرات الملاحية وتهديد أمن الطاقة، والتصدي لأية محاولة من أطراف من خارج الإقليم لفرض رؤيتها على المنطقة.

إقليم القرن الأفريقي يشهد تحولات نوعية تُعيد تشكيل ملامحه الجيوسياسية، وهو ما تتعاطى معه مصر من خلال بلورة آلية تعاون ثلاثي تجمعها والصومال وإريتريا، الأمر الذي سيسهم في التنسيق والتشاور بشأن التحديات المُشتركة؛ وذلك استنادًا إلى عدد من عدد من المبادئ والتي تتمحور حول الاحترام المتبادل، وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحل النزاعات بالطرق السلمية.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان