بعد برونز البرالمب الأسطوري نادية فكري توليفة مصرية ملهمة
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
نادية فكري، المرأة التي لم تعترف بالحدود ولم ترضخ لأي عائق. حكايتها بدأت ببساطة شديدة، كطفلة صغيرة لم تتجاوز عامها الأول، كانت تلعب وتلهو كأي طفلة في مثل سنها، ولكن في لحظة واحدة، سقطت من السلم وأصيبت بالشلل. قد يعتبر البعض هذا نهاية لأحلامها، لكن ليس نادية. فهي لم تترك الإعاقة تُحبطها، بل على العكس، حوّلتها إلى مصدر إلهام.
من الطفولة إلى التفوق الأكاديمي
عندما كانت نادية لا تزال في المدرسة الثانوية، عاشت تجربة قاسية أخرى، وهي وفاة والدها، الرجل الذي كان أكبر داعميها في الحياة. في تلك اللحظة، كانت الفتاة بالكاد تبلغ السابعة عشر من عمرها، لكنها لم تنكسر. رغم الفقدان والظروف الصعبة، نجحت في تحقيق درجات جيدة ودخلت كلية الآداب قسم التاريخ، حيث تخرجت متفوقة على زملائها.
أن تتفوق أكاديميًا رغم المعوقات هو أمر عظيم، ولكن نادية لم تتوقف هنا. بدأت تذهب إلى الجيم لممارسة التمارين الرياضية، وتحديدًا رفع الأثقال. ورغم كل الصعوبات، قررت احتراف اللعبة. ولأول مرة في حياتها، قدمت نادية طلبًا للاحتراف في رياضة رفع الأثقال، وتم قبولها.
البداية الذهبية: أوروبا 1997
في عام 1997، نادية فكري تفوز بالميدالية الذهبية في بطولة أوروبا. كانت تلك السنة بمثابة انطلاقة أسطورية لرحلتها الرياضية، حيث بدأت تجمع الميداليات واحدة تلو الأخرى. بين الميداليات الذهبية والفضية في البطولات العالمية والبارالمبية، كانت “نادية” تكتب اسمها بحروف من ذهب. رصيدها من الميداليات العالمية والبارالمبية بلغ سبع ميداليات. نجاح نادية في هذه الرياضة لم يكن مجرد إنجاز رياضي؛ بل كان قصة تحدي وإصرار.
أثناء رحلتها الرياضية، تعرفت نادية على صلاح عطا، الرجل الذي شاركها نفس الطريق الرياضي، حيث كان أيضًا بطلاً باراليمبياً في الكرة الطائرة جلوس. تزوجا وأنجبا أطفالًا. هنا تبدأ قصة جديدة في حياة نادية. بعد أن أصبحت أمًا، كانت تستطيع أن تختار الاعتزال والعيش حياة هادئة. ولكن نادية لم تكن مثل أي امرأة أخرى. بعد فترة من التفرغ لتربية أطفالها، قررت العودة إلى المنافسات. وهنا كانت المفاجأة.
العودة: بارالمبياد باريس 2024
في لحظة من لحظات التأمل والتفكير، قررت نادية أن تعود إلى الرياضة. رغم أن الفارق بين مشاركتها في بكين 2008 وباريس 2024 يبلغ 16 عامًا، إلا أن نادية لم تتردد في اتخاذ قرار العودة. لم تكن هذه العودة مجرد مشاركة رمزية، بل كانت تحديًا جديدًا في حياتها.
العقبة لم تكن فقط في التمرين والإعداد البدني؛ بل كانت في التوازن بين الحياة العائلية والمهنية. فمع اقتراب موعد البارالمبيات، كان على نادية وصلاح اتخاذ قرار بشأن من سيعتني بالأطفال خلال البطولة. وهنا كان الاختبار الحقيقي لمدى دعمهما لبعضهما البعض. صلاح، البطل الباراليمبي، بعد اعتزاله قرر أن يبقى في المنزل لرعاية الأطفال بينما تذهب نادية إلى باريس لتحقيق إنجاز جديد.
الميدالية البرونزية: تتويج للقصة الأسطورية
المفاجأة كانت عندما عادت نادية من باريس، ليس فقط بالمشاركة الشرفية، بل بميدالية برونزية. تلك الميدالية لم تكن مجرد إنجاز رياضي، بل كانت رمزًا لكل التحديات التي تخطتها “نادية” على مدار حياتها. إنها شهادة على قدرة الإنسان على تحقيق المستحيل، حتى في أصعب الظروف.
عندما حصلت “نادية” على تلك الميدالية، كان الاحتفال مصريًا بامتياز. الزغاريد، الفخر، والإشادة بزوجها “أبو العيال” كانت كلها جزءًا من هذا الاحتفال. نادية، كغيرها من المصريين، تعيش حياتها ببساطة، وتتعامل مع الإنجازات العظيمة كما لو كانت أمورًا طبيعية.
حكاية نادية فكري ليست مجرد قصة عن رياضة أو بطولات، إنها حكاية عن الإرادة، عن الصمود، وعن قدرة الإنسان على تحقيق المستحيل. تلك المرأة التي جاءت من خلفية بسيطة، أصبحت الآن رمزًا لكل النساء المصريات اللواتي يواجهن التحديات بكل قوة وشجاعة.
تذكّرنا قصة نادية بمسيرة كرم جابر في أولمبياد أثينا عندما فاز بالميدالية الذهبية واحتفل بتلك اللحظة بطريقة عفوية تمامًا، كما لو كان يحتفل بفوز بسيط في مباراة شعبية. هذه البساطة، وهذا الروح المصرية التي لا تعرف اليأس، هو ما يجعل قصة نادية فكري قصة ملهمة لكل شخص يحلم بتحقيق المستحيل.
نادية فكري ليست مجرد بطلة رياضية، هي رمز لكل مصري يواجه التحديات. قصتها هي قصة مصرية خالصة، مليئة بالعواطف، القوة، والإرادة. من طفولة مليئة بالصعوبات إلى قمة النجاح العالمي، أثبتت نادية أن الإعاقة ليست نهاية الطريق، بل بداية لرحلة نحو القمة.
اقرأ أيضًا : الأكاديميات الرياضية ..احترس حلم كرة القدمقد يتحول لفخ
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال