بعيدًا عن كليشية الفسيخ والبيض الملون .. كيف كانت الاحتفالات الحقيقية بشم النسيم؟
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تحتفل مصر بـ “شم النسيم” أقدم أعياد المصريين الذي يرجع تاريخ الاحتفال به إلى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد .. وجاء تحديد يوم الاحتفال بعيد الربيع في اليوم الذي يتساوى فيه “الليل والنهار” وقت حلول الشمس في برج الحمل في الخامس والعشرين من شهر “برمهات” حيث يتصورون كما ورد في كتابهم المقدس .. إن ذلك اليوم هو أول أيام الزمان وكانوا يحددون ذلك اليوم والاحتفال بإعلانه في ليلة الرؤية عند الهرم الأكبر.
وعن مظاهر الاحتفال بهذا العيد عند قدماء المصريين فيعتبر عيد شم النسيم بمثابة الخلق الجديد للطبيعة عند قدماء المصريين فهو العيد الذي تبعث فيه الحياة ويتجدد النبات وتنشط الكائنات لتجديد النوع ففيه تزدهر الخضرة وتتفتّح الأزهار وتهب نسمة الربيع وهي تحمله البراعم النامية كرمز لبعث الحياة ومن هنا أطلق عليه “دعيدشمو” أي بعث الحياة.. وكان يخرج الناس فيه جماعات إلى الحدائق والحقول ليكونوا في استقبال الشمس عند شروقها وقد اعتادوا أن يحملوا معهم طعامهم وشرابهم ويقضوا يرمهم في الاحتفال بالعيد ابتداءً من شروق الشمس حتى غروبها .. وكانوا يحملون معهم أدوات لعبهم ومعدات لهوهم وآلات عزف موسيقاهم، فتتزيّن الفتيات بعقود الياسمين “زهور الربيع” ويحمل الأطفال زعف النخيل المزين بالألوان والزهور وتُقام حفلات الرقمي الجماعي والشعبي على أنغام الناس والمزمار والقيثار والدفوف تصاحبها الأغاني والأناشيد الخاصة بعيد الربيع كما كانت صفحة النيل تمتلئ بالقوارب التي تزينها الزهور وغصون الأشجار المثمرة ونقشت على أشرعتها كلمات الترحيب والتهنئة بعيد الربيع.
كما كان لشم النسيم أطعمته التقليدية المفضلة وما ارتبط بها من عادات وتقاليد أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الاحتفال بالعيد والطابع المميز له والتي انتقلت من المصريين القدماء عبر العصور الطويلة لتفرض نفسها على أعياد الربيع في أنحاء العالم القديم منه والحديث .. وتشمل قائمة الأطعمة المميزة لمادة شم النسيم بيض شم النسيم حيث يعتبر البيض الملون من الأطعمة التقليدية التي فرضت نفسها على مائدة شم النسيم ومختلف أعياد الربيع في العالم أجمع واصطلح الغربيون على تسمية البيض على موائد شم النسيم بـ “بيض الشروق”، وهكذا تصدّر البيض مائدة شم النسيم كإحدى الشعائر المقدسة التي أمر بها الإله والتي ترمز لعيد الخلق أو عيد شم النسيم.
أما فكرة نقش البيض وزخرفته فقد ارتبطت بدورها بعقيدة قديمة أيضًا وهي اعتبارهم أن ليلة العيد هي “ليلة القدر” التي يستجيب فيها الإله لدعاء من يرجوه فكانوا ينقشون على البيض الدعوات والأمنيات ويجمعونه في سلاسل ويتركونه في شرفاى المنازل أو تعليقها على فروع الأشجار بالحدائق حتى تتلقّى بركات نور الإله عند شروق الشمس .. أما الفسيخ فقد احتل مكانه كبيرة بجانب البيض على مائدة شم النسيم حيث يعبر كل منهما عن سر الوجود أي الخلق والحياة.. وقد جاء هذا الاهتمام بالسمك نتيجة الاهتمام بتقديس النيل “نهار الحياة”، كما كانوا يعتقدون أنه مصدر الحياة لأرض مصر وشعبها .. فالحياة في الأرض بدأت مع الماء ويعبر عنها “بالسمك الذي تحمله مياه النيل المقدس”، لذلك احتل السمك مكانة مقدسة أيضًا لدى قدماء المصريين في الاحتفال بعيد الخلق أو الربيع كإحدى الشعائر المرتبطة بالعقيدة.
- المصدر : تحقيق الكاتبة نادية الملاخ – الأهرام – 2000
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال