بين SHEIN وسليمان باشا

أٌقف حائرة بين جرأة ابنتي في الشراء الأون لاين من مواقع التسوق الأون لاين ورغبة أمي في الإبقاء على العادات القديمة والذهاب إلى وسط البلد والتجول بين محلاته الشهيرة.

كل مرة يدق الباب ويكون المندوب يحمل أوردر جديد أتعجب من قدرة ابنتي على تحريك كيان كامل بين موقع مسؤول عن استقبال الطلبات وتنسيقها وتحريك الطلب إلى شركة شحن تأخذ الطلب ويتحرك مندوب توصيل الطلب يأخذ العنوان ورقم الهاتف ويأتي إلى مكانك وتتسلم طلبك وتكون أنت وهو راضيين.

وكل مرة أتوقع موشح تأنيب وتبكيت من أمي المعترضة دائما على هذه الطريقة وأكون خائفة منها، وكل مرة يحدث سجال طويل بين أمي وابنتي فكل منهما تحاول إقناع الأخرى بوجهة نظرها، وأنا في المنتصف أكون مثل الحكم الذي يحاول تهدئة الأجواء ولكن دائما بلا فائدة، وتستمر النتيجة صفر/صفر.

فأمي دائما تذكر ميزة الخروج والتنزه في شوارع وسط البلد الشهيرة سليمان باشا وقصر النيل والشواربي وتذكر شهرة كل شارع فإذا أردت الجاكت الجلد الشيك والأحذية من أجود أنواع الجلود فعليك بالتوجه إلى الشواربي، وأحسن وأجود الأقمشة قصر النيل، وأحدث الموديلات سليمان باشا، ثم تتوجه إلى العبد لشراء الأيس كريم، وفي هذه الأثناء يمكنك التوجه لسينما من سينمات وسط البلد ميامي، أو أوديون، أو بيجال، او سينما مترو، ثم إنك تشاهد الموديلات وتطلع على الأحدث في الأسواق وتقارن الأسعار، وتطمئن إلى الخامة، ولديك فرصة مشاهدة الموديل عليك وقياسه وقبوله أو رفضه بعد التجريب.

بينما ابنتي ترى أن الشوارع زحمة والجو حار، ووسط البلد لم تعد مكان للفسحة أو التنزه للبنات التي تخاف من التحرش وأنه للأسف وسط البلد أصبحت مرتع للمتحرشين.

وفكرة أنها تشاهد الموديلات وتقارن الأسعار فالمواقع توفر لها ذلك وهناك ريفيوهات المستخدمين للمنتج وتقييم له على الموقع يقدمه المستخدم بعد الاستخدام ويضع من نجمة إلى خمسة وعلى حسب عدد النجوم يكون التقييم لصالح أو ضد المنتج، وخمس نجمات هو أعلى تقييم ومن خلاله يمكن التأكد من جودة المنتج، وهناك مواقع تشترط على المستخدمة أن تضع صورتها وهي ترتدي المنتج وتحفزها بأن تمنحها نقاط توفر لها خصومات مقابل رفعها صورتها وهي مرتدية المنتج.

وأنه في حالة عدم رغبتها في الشراء بعد استلام المنتج، أن تعيده مع مندوب الشحن، ويمكنها ارسال شكوى للموقع في حالة وجود أي مشكلة تواجهها، وكل هذا لا يتوافر في عملية التسوق الحقيقية، بالإضافة إلى أنها يمكنها شراء أي شيء وكل شيء من أي مكان في العالم وهي داخل غرفتها لم تتحرك من أي مكان، يمكنها شراء أثاث وأجهزة ومكياج وأدوات رياضية وكتب وما ما لايتخيله عقل بشر، حتى الطعام يمكنها ان تشتري وتأكل ما تريد بضغطة زر.

فترد أمي وهي تنظر لي بعتاب: “شايفة بنتك، مش حرام الفلوس اللي بتترمي ع الأرض دي، طب لو طلعوا نصابين هاتعملوا إيه، طب ماتقنعيها تروحوا مول من المولات طيب”.

فأشفق على أمي من ثورة غضب ابنتي وأحاول تهدئتها: “حاضر يا ماما متزعليش، دي متغيرات زمن وكل جيل وله سماته، هي بتروح للمولات والله بس تتفسح مع أصحابها، هي دي بقت بديل طلعت حرب وسليمان باشا وشارع فؤاد”.

إقرأ أيضا

حلقة إبراهيم فايق وقفشة .. نظرية الـ “الإكسترا تشيز”

فتلوي أمها بوزها ولا يعجبها كلامي وتبريراتي، وأحيانا أجدني أنزلق وراء ابنتي وراء تلك المخاطرة التي أحاول أن أثنيها عنها، وأشتري وأطلب أوردر فأجد أبنتي تطلب مني التريث وعدم التسرع فأمر الشراء عبر المواقع والانترنت له سمات وخطوات لابد من اتباعها والتريث قبل القرار، فأكتشف أن الأمر ليس ضغطة زر بل قرار يسبقه دراسة وتأني وتتبع لصفحات بنت ثقة مع العميل، ثم تتبع لأراء وتقييم الجمهور المشتري للسلعة، وفريق عمل يعمل في ظل مناخ تنافسي فيرغب في الحفاظ على العميل وبناء الثقة معه.

فأنظر لأمي وابتسم: “لا تخافي يا أمي، كل جيل وله سماته وخصائصه التي يفهمها ومتأقلم معها”.