تأملات في كلمة المندوب السامي القُرَشِي 06 إحياء الخلافة وأد للحضارة

مما يلفت أنظار الباحث هنا أن من علماء الغرب المعاصرين من ذَكّْر المسلمين أن القرآن كان الباعث الأوحد لحضارة الإسلام في القرون الوسطى، ولا مفر للمسلمين اليوم إذا ما أردوا صنع حضارة إسلامية جديدة تشبه في روعتها حضارتهم السابقة لا مفر لهم من أن يستلهموا هذا القرآن.

الكلام ده هنقف فيه عند 4 نقط ونتناقش حواليهم.

• الانتقائية.. ودي سبق الإشارة ليها في الحلقة التالتة.
• الحاكمية كمدخل للدعشنة.. ودي هنستعرضها الحلقة دي.
• هل فيه حضارة إسلامية أساسا؟
• لو اتفقنا أنه يقصد دولة الخلافة.. هل هي نموذج يستحق الإحياء؟

الحاكمية في الجلابية

غالبية الحركات المسلحة تنطلق من قاعدة “نظرية” واحدة.. الحاكمية، والحاكمية مصطلح صكه بالعربية الراحل سيد قطب، ويمكن شرحه بالقول:

(الله هو الحاكم الأوحد صاحب السلطة المطلقة، والحاكمية نابعة من كونه خالق الكون وللإنسان بالتالي يحق له على كل المخلوق العبادة والطاعة. وقد أمر الله أن يتحاكم المجتمع إلى شريعته فهي صالحة لكل زمان ومكان، وتملك الصلاحية الكافية لتقويم وصلاح ونفع أي مجتمع بإشاعة العدل والنفع والخير والبعد عن الأهواء البشرية).

فياترى إيه التعارض بين كلام الإمام الأكبر والمفهوم المحرك للجماعات المتطرفة والإرهابية؟

تاني مرة عشان البيه

تعالوا نعمل كمان مقارنة بين مضمون كلام الشيخ الطيب وكلام تاني:

“أن الذي لا يحكم بما أنزل الله إنما يرفض ألوهية الله، فالألوهية من خصائصها ومن مقتضاها الحاكمية التشريعية ومن يحكم بغير ما أنزل الله يرفض ألوهية الله وخصائصها في جانب، ويدّعي لنفسه هو حق الألوهية وخصائصها في جانب آخر. وماذا يكون الكفر إن لم يكن هو هذا وذاك؟، وما قيمة دعوى الإيمان أو الإسلام باللسان والعمل -وهو أقوى تعبيرًا من الكلام- ينطق بالكفر أفصح من اللسان؟”.

هل فيه تضاد بين الكلام ده وكلام شيخ الأزهر؟ ولا يعتبر تفعيل راديكالي لكلام فضيلته؟، دي بقى متسابة لحكمكم أنتم. واللي عايز المرجع عشان يتعرف على باقي الطرح.. يقدر يرجع لكتاب في ظلال القرآن، للراحل سيد قطب.

أنا زيي زي غيري ما أقدرش أنكر أن الشيخ الطيب عادة ما يظهر الخلاف مع سيد قطب، بس بالشكل ده يبقى الخلاف فقهي مش مبدئي.

فقهي V.S مبدئي

وارد أن يسأل أحدهم… إيه الفرق بين الخلاف الفقهي والخلاف المبدئي؟

الخلاف الفقهي كده زي اللي حصل بين د. محمد مزروعة والشيخ محمد الغزالي وقت اغتيال د. فرج فودة، الأتنين اتفقوا إنه “مرتد” وأن حد الردة هو القتل، بس أختلفوا في تفصيلة بسيطة.. هل تنفيذ الحد مقصور على ولي الأمر؟ ولا يحق لأي حد معدي إنه ينفذه.

هنا الموضوع دينيًا مش كارثة، لأن القاعدة مبنية على الحديث المنسوب للنبي: “إذا حكَم الحاكمُ فاجتَهَد ثمَّ أصاب فله أجرانِ وإذا حكَم فاجتَهَد ثمَّ أخطأ فله أجرٌ”.

بالتالي الخلاف بين فضيلة الإمام الأكبر وبين إمام التطرف في العصر الحديث مش كارثي، واحد فيهم له أجرين والتاني له أجر وكلاهما يحمد على مجهوده في إعلاء كلمة الله وتطبيق شريعته. باختصار شيخ الأزهر مش واقف معانا على أرضية دولة المواطنة إنما واقف هناك في معسكر دولة الخلافة.. مع سيد قطب وأبو بكر البغدادي وبن لادن وأيمن الظواهري وغيرهم من المتطرفين والإرهابيين، وإن كان يختلف معاهم “فقهيًا” في بعض التفاصيل.

أسطورة الحضارة الإسلامية

هل فيه حضارة إسلامية أساسا؟

الحضارة الإنسانية هي نتاج ثنائية العقل والضمير، والاحتكام لدين ما يعني بالضرورة إعلاء شريعة الدين ده على (العقل والضمير). وبما أن الشرع ثابت فمش ممكن تنشأ حضارة إنسانية قابلة للتطور.. إنما هتتسم بالجمود، والجمود ده هو اللي أدى في النهاية لأنهيار دولة الخلافة.

الشريعة والعقل.. دونت ميكس

أكيد ناس كتير هتزعل أني باقول الاحتكام للشريعة يعني تعطيل العقل والضمير، بس ده مش رمي بلا وإنما أمر واقع من السهل الاستدلال عليه من الأحكام الشرعية والفتاوى الدينية. عندنا مثلًا أزمة زي الاختلاط بين البشر، المشايخ طول الوقت الاختلاط في نظر المشايخ هو أصل الكوارث ومنبع المصايب ومهد الـ يا لهوي يا أما.

لدرجة أن كتير منهم أفتوا بتحريم السلام بالأيد بين الرجالة والستات، وشايفين أن الستات لازم تتكيس والرجالة لازم تمشي باصة في الأرض وأي مجال حيوي لازم مساحته تتقسم لمكان مخصص للستات وأخر للرجالة، وتحسهم كده عايزين يجعلوا الكوكب مراحيض كبيرة.

إقرأ أيضا

” غزوة عزيزة “.. ماذا قال ” حلمي النمنم” عن أبرز قضايا جامعة القاهرة في الثلاثينيات؟

نفس الناس دي لما فكروا في حل لأزمة الاختلاط في أماكن العمل.. أحد كبار مفكريهم توصل لحل عجيب، أن الست “اللي حرام عليها تكشف شعرها قصاد زميلها ولا حتى تسلم عليه بأيدها” تطلع أعضائها وترضعه، وعلى هذا الزميل اللي حرام يلمس أيدها أن يمصمص في حلمة صدرها لحد ما يشبع.. من لبنها، وبكده تبقى أحد محارمه ويجوز يكملوا شغل عادي دون خوف من أي فتنة.

طبعا هنلاقي خلاف بين المشايخ، ناس تقول أن الرضاعة تبقى من الحلمة مباشرة زي الحويني وناس تانية تقول أنه يكون مجرد شرب اللبن عبر وسيط “كوز مثلًا” زي عبد الله رشدي، بس الخلاف المعتاد مش هو موضوعنا.. إنما المقصد توضيح أزاي ينفع أن التشريع يناقض العقل والمتمسك بالتشريع يتمسك عادي بالتشريع بدون أي إحساس أن ما يؤمن به يناقض عقله.

دولة خلافة المسلمين = داعش

الضمير مثلًا وصل لمرحلة من التطور إنه بقى يستنكر الإتجار بالبشر فتم تجريمه، بس الشرع ماحرمهوش بالتالي دولة الخلافة من قرن فات رفضت تجريم الرق نفس الموقف خدوه الإسلاميين وقت صياغة الدستور سنة 2012 وأتكرر سنة 2014 من ممثل حزب النور وقت صياغة الدستور الحالي، بالتالي الرجوع للقرآن وتعاليمه إن كان دلوقتي ولا في أي وقت.. يعني بالضرورة عدم تجريم الرق لإن تحريم الرق مالهوش وجود في الإسلام.

مش بس الرق.. إنما تفاصيل كتير جدا تنافي العقل والضمير نقدر نشوف أغلبها بوضوح في تصرفات أحدث نسخ دولة الخلافة، اللي عاشت لفترة مش قليلة في أجزاء من سورية والعراق، واللي الأزهر كان حريص بعد كل جريمة من جرايمها يقولنا إنها لا تمثل الإسلام الصحيح، مع أن كل جريمة من دول كان لها مرجعية من التراث الإسلامي أو تاريخ دولة الخلافة.

نقفل على كده الحلقة دي ونكمل الحلقة الجاية تأملات في كلمة المندوب السامي القرشي.