تاريخ نشيد قطتي صغيرة واسمها نميرة “اسم القطة تغير والمؤلف انتحر”

وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال

جاء الظهور الأول لنشيد قطتي صغيرة واسمها نميرة عام 1927 م عندما نجح الشاعر المدرس أحمد خيرت في إقناع علي الشمسي وزير التعليم بضرورة وجود أناشيد للأطفال في مناهج الدراسة.

قطتي صغيرة واسمها نميرة .. لماذا تغير الاسم ؟

لقي نشيد قطتي صغيرة واسمها نميرة شهرة واسعة لدرجة أن مجلة أبولو نشرتها في عدد نوفمبر 1932 م، وطوال تلك السنوات تربت أجيال على النشيد وتغيرت أيضًا بعض كلماته.

فجملة (كي تصيد فارة) كانت (أن تصيد فارة)، و(تُظْهِر المهارة) كانت (عندها المهارة) والقطة نفسها في النص المشهور باسم نميرة، كان اسمها في النص القديم هو (سميرة).

أغلب الظن أنه تم تغيير الإسم من (سميرة) إلى (نميرة) كون أن الإسم سيحمل تنمرًا فيما بعد على البنات التي تحمل نفس الإسم، فجاء اسم نميرة لأنه ليس اسمًا لواحدة، فضلاً عن أنه يصح أن يكون تسمية لأنثى النمر والتي هي من نفس فصيلة القطط، من صدف الأقدار العجيبة أن اسم سميرة نفسه كان هو لُبّ مأساة أحمد خيرت في آخر سنوات عمره حتى أقدم على الانتحار.

مسيرة الشاعر أحمد خيرت

لا يمكن اختزال الشاعر أحمد خيرت في كونه مؤلف نشيد قطتي صغيرة واسمها نميرة كون أن له بصمات أخرى في المسيرة التعليمية من جهة والمسيرة الشعرية من جهة أخرى.

ولد أحمد خيرت في 24 مايو سنة 1899 م في حي السيدة زينب، وبدأ شبابه ثوريًا في ثورة 1919 م ومع مطلع عشرينيات القرن الماضي بدأ يكتشف موهبته في الشعر فكتب عددًا من الأوبريتات المسرحية، جنبًا إلى جنب مع عمله الحكومي كمدرس عقب حصوله على دبلوم الزراعة العليا.

كانت أول مدرسة يعمل فيها الشاعر أحمد خيرت هي المدرسة الزراعية في شبين الكوم، وتدرج في العمل حتى صار عضوًا في لجنة الفنون الجميلة في وزارة المعارف، وهناك قدم مشروع الأناشيد « نشيد الأم، نشيد بني النيل، نشيد فلسطين لبيك، نشيد العلم، نشيد النسر العربي، نشيد الجزائر، نشيد الجندية، نشيد البحارة، نشيد الهجرة، نشيد المولد النبوي، أنشودة القطن، أنشودة الحجاج، نشيد مملكة النحل، أنشودة دعاء طفل، نشيد العزة الشماء، نشيد الطيران، نشيد البوليس، أنشودة الصياد، نشيد الشكر لله، أنشودة أفراح النيل، نشيد ياعم يا خباز، نشيد يا بائع الفطير».

بصمة أخرى قام بها أحمد خيرت عندما بدأ افتتاح الإذاعة المصرية إذ كان من المؤيدين لركن الأطفال وكان صديقًا صدوقًا لبابا شارو، وهو الشاعر الذي اكتشف سعاد حسني وغنت له منذ طفولتها أغنية أنا سعاد أنا أخت القمر كانت من كلماته.

ليلة انتحار الشاعر أحمد خيرت .. لماذا وقع الحادث ؟

جلس النقيب محمد السعيد عبدالخالق على مكتبه في قسم الدقي بعد منتصف ليل 15 إبريل 1964 م، ثم جاء له سايس جراج العمارة 31 في شارع وزارة الزراعة حي الدقي يخبره بانتحار الشاعر أحمد خيرت، حيث سمع ارتطام قوي بجانب الجراج فتوجه إلى مصدر الصوت ليجد أحمد خيرت سقط في بالوعة مجاري الصرف الصحي.

توجه الرائد مكرم يعقوب جرجس رئيس مباحث الدقي إلى مكان الحادث وقام مع القوة التي رافقته انتشال الجثة وكان الظن أن هناك شبهة جنائية وراء الحادث لولا وجود ورقة في جيب أحمد خيرت يقول فيها «إذا حدث أن توفيت وأنا أسير بسيارتي في الطريق، أو إذا وجدتم جثتي في أي مكان، فأنا وحدي المسئول عن وفاتي».

كانت تلك الرسالة قاطعةً بأن الشاعر أحمد خيرت أنهى حياته بنفسه، لكن السؤال كان «ما الذي يجعل الشاعر الذي عشقه الأطفال دون أن يعرفوا اسمه أو شكله، يقتل نفسه بهذا اليأس ؟».

إقرأ أيضا

قصة رجل أسس عصابة لسرقة قطارات البضائع في مصر “بسبب مصروف المدرسة القليل”

التحقيقات التي أجرتها مباحث الدقي كشفت أنه في أواخر العام 1959 م أصيب بأزمة نفسية حادة بعدما أحيل إلى المعاش كمفتش لمادة الموسيقى في وزارة التربية والتعليم، ثم تفاقمت الأزمة بعدها حين ساءت العلاقة بينه وبين زوجته سميرة حسني شقيقة سعاد حسني ونجاة الصغيرة ليقوم بتطليقها.

ترك أحمد خيرت عش الزوجية ليجد نفسه سنة 1962 في ساحات المحاكم، حيث أقامت سميرة حسني ضده عدة قضايا تطالبه بضم طفلتيهما له، ثم أصيب بعدها بنوبات عصبية كانت تأتيه من آنٍ لآخر.

لعل الشيء المخزي في واقعة انتحار أحمد خيرت أن طليقته سميرة حين عرفت بالحادث توجهت إلى قسم شرطة الدقي لمطالبة رجال البوليس بتمكينها من أثاث شقة طليقها، لكن رجال الشرطة رفضوا طلبها واشترطوا حصولها على قرار قضائي.