الذكاء الاصطناعي: بين التطور التكنولوجي والتحديات الإنسانية
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
الذكاء الاصطناعي (AI) في السنوات الأخيرة أصبح أحد العوامل الأكثر تأثيرًا في حياة الناس، وبات جزءً لا يتجزأ من الحياة اليومية عن طريق أجهزة المساعدات الرقمية كـ Siri و Alexa، مرورًا باستخداماته في مجالات في الرعاية الصحية والأنظمة الذكية في المركبات إلى جانب تقنيات تعد العمود الفقري لمعظم الصناعات الحديثة.
لا أحد ينكر الدور المحوري الذي تقوم به تطبيقات الـ(AI) في مختلف المجلات، لكن التحديات الحقيقة لهذه التطبيقات تكمن في المجال الاجتماعي والأخلاقي، التي يجب التوقف عندها قليلًا والتفكير في تأثير هذه التطبيقات على مستقبل الانسان وعلاقته بالآخر.
الذكاء الاصطناعي وتطوره
الذكاء الاصطناعي ليس ظاهرة جديدة، بل هو مجال بدأ تطوره منذ منتصف القرن العشرين، وقد كان الهدف منه هو محاكاة العقل البشري وتصميم آلات قادرة على التفكير واتخاذ القرارات.
بدأ هذا المجال بشكل علمي وأكاديمي في الخمسينيات من القرن الماضي على يد العديد من العلماء مثل “آلان تورينج” ( 1912 ـ 1954) الذي قدم اختبار تورينج الشهير، والذي يعد معيارًا لقياس قدرة الآلات على محاكاة التفكير البشري.
تطور الذكاء الاصطناعي بشكل تدريجي في ظل تطور التكنولوجيا بشكل عام وعالم الحوسبة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وفي تلك الآونة ظهرت العديد من أنظمة الذكاء الاصطناعي الضيق التي كانت قادرة على أداء مهام محددة مثل لعبة الشطرنج والألعاب الاستراتيجية، ولكنها لم تكن قادرة على التكيف مع المواقف المتغيرة أو التفكير على مستوى عام.
ومع تطور البيانات الضخمة، أصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على تحليل كميات هائلة من البيانات واستخلاص الأنماط والتنبؤات التي كانت مستحيلة من قبل. هذا التطور فتح أمامنا آفاقًا جديدة تتعلق بالاستخدامات العملية للذكاء الاصطناعي في مجالات مختلفة مثل الصناعة، الاقتصاد، والطب.
أنواع الذكاء الاصطناعي
يمكن تقسيم الذكاء الاصطناعي إلى ثلاثة أنواع رئيسية، تختلف في قدراتها واستخداماتها:
1. الضيق (Narrow AI): هذا النوع من الذكاء الاصطناعي يتعامل مع مهمة واحدة فقط ويُستخدم في تطبيقات محددة. مثل المساعدين الرقميين (Siri، Alexa) التي يمكنها مساعدتك في تنظيم الوقت أو تشغيل الموسيقى، ولكنها لا تستطيع التفكير أو أداء مهام أخرى معقدة.
2. العام (General AI): هو نوع من الذكاء الاصطناعي الذي يتسم بالقدرة على محاكاة الذكاء البشري عبر مجموعة واسعة من المهام. هذا النوع ما زال في مرحلة البحث والتطوير ولم يتم التوصل إليه بشكل كامل.
3. الفائق (Superintelligence): هو المستوى الذي يفوق الذكاء البشري في جميع المجالات، وهو ما يطمح العلماء إلى تحقيقه في المستقبل. يشمل هذا النوع القدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية أفضل من البشر في جميع جوانب الحياة، وهو ما يثير قضايا أخلاقية تتعلق بالتحكم والسيطرة.
التأثير الذكاء الاصطناعي على الحياة اليومية
تظهر تأثيرات الذكاء الاصطناعي في الأنشطة اليومية مثل وسائل التواصل الاجتماعي، المساعد الرقمي، المركبات ذاتية القيادة، الاتصالات عبر البريد الإلكتروني، البحث على الويب، المتاجر والخدمات، و تجارب غير متصلة بالإنترنت.
كيف يعمل على تحسين وسائل التواصل الاجتماعي
يلعب الـ( AI) دورًا كبيرًا في تحسين تجربة المستخدم على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال مجموعة من التطبيقات المتقدمة. على سبيل المثال، في تويتر، يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل كميات ضخمة من البيانات من خلال الشبكات العصبية العميقة، وهو ما يساعد في توصية التغريدات المناسبة والتفاعل مع المحتوى، بالإضافة إلى مكافحة المحتوى غير اللائق والعنصري.
أما في فيسبوك، فيعتمد على تقنيات التعلم العميق لاستخلاص قيمة من بيانات المستخدمين التي تتجاوز مليارات التحديثات اليومية، مستخدمًا إطار عمل Torch لتحسين تجربة المستخدم، ومن ناحية أخرى، يُستخدم الذكاء الاصطناعي في إنستجرام لاستهداف الإعلانات الممولة والوصول للجمهور المناسب، ومحاربة التنمر الإلكتروني، وحذف التعليقات المسيئة، مما يساهم في تقديم تجربة مستخدم أفضل وأكثر أمانًا.
أما روبوتات الدردشة، فتستفيد من الخوارزميات المتطورة لفهم الكلمات والعبارات بهدف تقديم إجابات دقيقة وفعّالة على استفسارات المستخدمين، ما يعزز التفاعل ويساعد في تقديم محتوى مفيد. الخوارزميات أيضًا تُستخدم بشكل مستمر لتحليل سلوك المستخدم واقتراح المحتوى الأنسب له، مما يجعل التفاعل مع المحتوى الرقمي أكثر تخصيصًا وكفاءة.
قطاع الرعاية الصحية:
يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا محوريًا في تحسين دقة التشخيص وسرعة اتخاذ القرارات الطبية. على سبيل المثال، تتيح الخوارزميات الذكية تحليل الصور الطبية مثل الأشعة السينية والتصوير بالرنين المغناطيسي للكشف عن علامات مبكرة لأمراض خطيرة، مثل السرطان. هذه القدرة لا تقتصر فقط على تحسين دقة التشخيص، بل تسهم أيضًا في تسريع عملية العلاج، وهو ما يزيد من فرص الشفاء للمرضى.
كما تضيف أدوات الذكاء الاصطناعي مثل IBM Watson التي تعمل على تحليل البيانات الطبية الضخمة بشكل أسرع وأكثر دقة من الأساليب التقليدية، وهو ما يساعد الأطباء في تحديد الأمراض واتخاذ قرارات طبية أكثر فعالية، وتعتمد بعض المستشفيات الآن على هذه التقنيات المتقدمة لتوفير العلاجات المثلى بناءً على بيانات شخصية تشمل التاريخ الطبي والمعلومات الجينية للمرضى.
مجال القيادة والاتصالات الرقمية:
ففي مجال السيارات، على سبيل المثال، يُستخدم الذكاء الاصطناعي في تطوير المركبات ذاتية القيادة، إذ تعتمد هذه السيارات على تقنيات التعلم العميق، وهي جزء فهم الذكاء الاصطناعي، بالبيئة المحيطة به واتخاذ قرارات قيادة دقيقة.
وتستخدم شركة Nvidia تستخدم هذه التقنيات لتمكين السيارات من “الرؤية والتفكير والتعلم” بالتالي التمكن من التفكير التنقل في مجموعة واسعة من سيناريوهات القيادة، ويتم تطبيق هذه التكنولوجيا في سيارات من شركات كبرى مثل تويوتا ومرسيدس بنز وأودي وفولفو وتيسلا، مما يُحدث ثورة في كيفية تنقل الأشخاص وتمكين المركبات من القيادة الذاتية في المستقبل.
مجال الاتصالات الرقمية:
يعمل الذكاء الاصطناعي على تحسين تجربة الإنسان مع البريد الإلكتروني عبر أدوات كثيرة مثل الردود الذكية في Gmail، كما يمكن للمستخدمين بتقنية (ai) الرد على رسائل البريد الإلكتروني بسرعة وفعالية عبر اختيار ردود جاهزة مثل “نعم، أنا أعمل على ذلك” أو “لا، لم أفعل ذلك”، وذلك بناءً على محتوى الرسالة، وتساعد هذه الميزة في توفير الوقت والجهد للمستخدمين.
وبالإضافة إلى ذلك، تستخدم Google الذكاء الاصطناعي في مرشحات البريد الإلكتروني لتصنيف الرسائل الواردة وتنظيمها بشكل ذكي. ويقوم Gmail بفرز الرسائل إلى فئات مثل “أساسي”، “اجتماعي”، “عروض ترويجية”، و”التحديثات”، ما يسهل الوصول إلى الرسائل الهامة ويقلل من الفوضى في صندوق الوارد. كما أن مرشحات البريد العشوائي تقوم بتوجيه الرسائل غير المرغوب فيها إلى مجلد منفصل، مما يجعل تجربة المستخدم أكثر سلاسة.
مجال البحث على الإنترنت:
يُستخدم كذلك لتحسين عمليات البحث التنبؤية في Google، فعندما تبدأ في كتابة مصطلح بحث، يقدم لك Google اقتراحات استنادًا إلى الذكاء الاصطناعي الذي يتنبأ بما قد تبحث عنه بناءً على سلوكك السابق. ما يساعد في تسريع عملية البحث ويوفر لك نتائج أكثر دقة.
كما يساهم أيضًا في تحسين تجربة المستخدمين أثناء التسوق عبر الإنترنت، حيث تعتمد منصات مثل أمازون على تقنياته لتقديم تجربة مخصصة لكل مستخدم، إذ يجمع الذكاء الاصطناعي معلومات حول التفضيلات والسلوك الشرائي، مثل المنتجات التي تبحث عنها أو تقوم بشرائها.
بناءً على هذه البيانات، يتم اقتراح منتجات جديدة تتناسب احتياجاتك واهتماماتك، مما يجعل عملية التسوق أكثر سهولة وفعالية. على سبيل المثال، إذا كنت تتسوق على Amazon.com، ستلاحظ ظهور توصيات لمنتجات ذات صلة بما قمت بمشاهدته أو شرائه سابقًا، ما يضفي طابعًا شخصيًا على تجربتك الشرائية.
وتعتمد منصات بث الموسيقى على الذكاء الاصطناعي لتحسين تجربتة المستخدمين من خلال تحليل عادات الاستماع والتفضيلات الموسيقية للمستخدم . على سبيل المثال، يوفر Spotify قوائم تشغيل مخصصة تشمل إصدارات جديدة وأغانٍ مشابهة لتلك التي استمع إليها المستخدم من قبل، مما يساعدك على اكتشاف موسيقى تناسب ذوقه بسهوله.
أما Google Play Music، فيعتمد على تحليل عوامل إضافية مثل الوقت وحالة الطقس لتقديم توصيات مناسبة، فمن الممكن أن يقدم موسيقى مفعمة بالطاقة لليالي نهاية الأسبوع، أو مقاطع هادئة تناسب أمسيات هادئة أو ماطرة، مما يعزز الارتباط بين الموسيقى والمزاج.
خرائط جوجل:
تعتمد تطبيقات الخرائط على الذكاء الاصطناعي لتوفير توجيهات دقيقة بناءً على تحليلات آنية لحركة المرور وأعمال البناء. وتُظهر هذه التطبيقات المسار الأمثل للوصول إلى وجهتك بأسرع وقت ممكن، مع تنبيهك إلى المناطق ذات الكثافة المرورية باستخدام رموز مرئية كالألوان البرتقالية التي تشير إلى التباطؤ. على سبيل المثال، عند التخطيط لرحلة بين مدينتين، تتيح لك هذه التقنية تجنب التأخير والتنقل بفعالية، مما يجعلها أداة لا غنى عنها في حياتك اليومية.
عيوب الذكاء الاصطناعي
رغم الميزات الكثيرة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي إلا أن له عيوب كثيرة أيضًا، ومنها غياب الإبداع، إذ يفتقر الـ( AI) إلى الإبداع الفطري الذي يتمتع به البشر، والذي يعتمد على العواطف والتفكير المجرد. ورغم محاكاتة للإبداع من خلال إعادة تنظيم البيانات الموجودة مسبقًا، إلا أنه لا يستطيع تقديم أفكار أصيلة أو التفكير خارج الصندوق، كما تعتمد مخرجاته الإبداعية على الأنماط والبيانات المتوفرة، مما يحد من قدرته على الابتكار الحقيقي ومواكبة الطبيعة غير المتوقعة للإبداع البشري.
الذكاء العاطفي المحدود:
كما لا يمتلك الذكاء الاصطناعي الذكاء العاطفي الذي يتطلب التعاطف وإدارة المشاعر الشخصية والعلاقات البشرية بحكمة. ورغم إمكانية برمجته للتعرف على الإشارات العاطفية والاستجابة لها، إلا أن استجاباته تكون سطحية وغير نابعة من فهم حقيقي للمشاعر الإنسانية المعقدة. هذا القيد يضعف فعاليته في المجالات التي تحتاج إلى حساسية عاطفية، مثل الموارد البشرية أو الاستشارة.
تشجيع الكسل البشري:
ويؤدي الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي إلى كسل الإنسان، حيث يتراجع التفكير النقدي وحل المشكلات مع اللجوء للذكاء الاصطناعي لحل جميع التحديات. هذا الاعتماد قد يضعف مهارات الأفراد، ويؤدي إلى قوة عمل أقل كفاءة في المستقبل.
انتهاك الخصوصية:
تعتمد أنظمة الذكاء الاصطناعي على كميات ضخمة من البيانات، مما يثير مخاوف بشأن الخصوصية. ويمكن أن تؤدي ممارسات جمع البيانات وتحليلها إلى انتهاك الخصوصية، وقد تُستغل هذه البيانات من قبل الشركات أو الحكومات أو حتى القراصنة. كذلك، قد يحدث تسريب للمعلومات الشخصية، مما يزيد من مخاطر الاستغلال أو سرقة الهوية.
النزوح الوظيفي:
يسبب الاعتماد على الذكاء الاصطناعي ما يسمى بالنزوح الوظيفي خاصة في الصناعات التي تعتمد على المهام الروتينية. ورغم إمكانية خلق وظائف جديدة، فإن عملية الانتقال قد تكون صعبة، مما يرفع معدلات البطالة ويزيد الفجوة الاقتصادية.
الاعتماد المفرط على التكنولوجيا:
قد يؤدي الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي إلى تقليل المهارات البشرية وقدرتهم على التفكير المستقل. إذا فشلت الأنظمة أو أخطأت، قد تكون النتائج كارثية. بالإضافة إلى ذلك، يصبح فهم كيفية عمل هذه التقنيات وقواعدها في اتخاذ القرارات عمل أكثر تعقيدًا، ما يهدد استقلالية الأفراد.
مخاوف حول تطوير الخوارزميات:
تثير السرعة في تطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي مخاوف بشأن إمكانية إساءة استخدامها أو فقدان السيطرة عليها. بالإضافة إلى أن الطبيعة الاحتكارية للعديد من هذه الخوارزميات تعيق الشفافية وتقلل من إمكانية المساءلة.
التحديات الأخلاقية:
قد يؤدي تطور الذكاء الاصطناعي إلى اتخاذ قرارات تتجاوز الحدود الأخلاقية، مثل أنظمة الائتمان الاجتماعي التي تنتهك الحقوق الشخصية. لذا، من الضروري وضع خوارزميات تراعي القيم الإنسانية وتحترم الأخلاقيات لضمان استفادة المجتمع منها.
ختام
الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تطور تكنولوجي، بل هو ثورة حقيقية ستؤثر على كل جانب من جوانب حياتنا اليومية. وبينما نخطو نحو المستقبل، يجب أن نكون مستعدين للتعامل مع التحديات التي يطرحها، من المخاوف الأخلاقية إلى التأثيرات الاقتصادية. مع التقدم المستمر في هذا المجال، ستظل الأسئلة حول كيفية استخدامه بشكل حكيم وعادل مفتوحة، لكن الفرص التي يوفرها قد تجعل المستقبل أكثر تطورًا وذكاءً مما نتصور.
اقرأ أيضًا:
من الحسد إلى القدرة الجنسية.. أسرار الملح في التراث الشعبي
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال