تغير في قانون نيوتن
أن لكل فعل رد فعل، مساوي له في القوة ومضاد له في الاتجاه، قانون نيوتن الأول ينص على ذلك، إذا اعتبرنا أن المجتمع فاعل وفعل ما فعل، فمن يقوم برد الفعل، أعضاء المجتمع أما مبدعي الفنون، استعير جملة يوسف بك وهبي، “وما الدنيا إلا مسرح كبير”، لتجد المسارح والشاشات تعرض قصص أبطالها هم ناس تراهم كل يوم في حياتك وتندمج معهم، ربما ترى قصتك ذات يوم على أحد الشاشات وتندهش أنك لست وحدك في العالم، الذي يمر بنفس المعاناة، أنت ترى الدنيا تعكس قصصها على المسارح وشاشات العرض كرد فعل لقضايا المجتمع، لأن صانعي ومبدعي الفنون هم نفسهم مرآة المجتمع، حيث أنك لم تتخيل أنك ستكون صاحب تلك القضية ، أنه أنت بطل الرواية.
وعندما يعرض المشكلة، أنه يريد حلاً ، والاسم السينمائي الموافق لفيلم أريد حلاً، عندما رأت كل سيدة في مصر الحصول على الطلاق تريد حلاً لمشكلتها ولكن لا تستطع، الذي أصبح فيما بعد سبب في تغيير حياة ملايين السيدات في مصر، يوما ما اقترحت الفنانة فاتن حمامة الفكرة للكاتبة حسن شاه عن معاناة الحصول على الطلاق في ظل القانون المصري، ليصف سيناريو سعيد مرزوق ما يحدث للسيدة المصرية التي تريد الطلاق في ظل قوانين تغفل حقها في تطليق نفسها حتى في المحاكم حتى عام ١٩٧٥ م ، و يحكي أنه قصة حصول الفنانة فاتن حمامة الطلاق من زوجها العالمي عمر الشريف هي نواة القصة، فقد كنت معلقة لفترة طويلة دون زواج أو طلاق، فأردت وصف ما هي المأساة التي تعيشها كل يوم وهي تحارب طواحين الهواء، وكنت البطلة لجأت للقضاء الذي رفض الطلاق لعدم وجود أسباب لوقوع الطلاق في نظر القاضي، ولكن ماذا أن لم يكن القاضي عادل، وأن لم يكن السبب ملموس يمكن وصفه، ماذا عن الضرر النفسي الذي لا ينفع أن يسكب على أوراق عراض المحامين.
طلب في بيت الطاعة وتشكيك في شرفها واستعانة ب شهود زوار، كي ينفي أسباب الطلاق، أي رجل هذا الذي يقبل أن تكون زوجته معه على أكراه منها، وتحت أي شريعة تلك التي تقبل غصب الزوجة لزوجها، وتهين حق النفس بشرية.
وفي الفيلم وبعد عدد لا ينتهي من الجلسات ، رفضت الدعوة، بعد أربع أعوام من حبال المحاكم، ظلت البطلة على نفس المأساة تنتظر حل قانوني من الدولة.
لم تترك حسن شاه أي جزء دون معالجة، ولذلك فقد حصل الفيلم على أرقام عظمى في السينما والمناقشات والندوات وأثر الرأي العام بشكل غير مسبوق، فقد كنت صحف الصحافة المصرية وقتها تناقش موضوع الفيلم، وتأتي بقصص للسيدات مررنا بتلك المأساة، افردت إعداد كاملة لتلك القضية والتي قوبلت بالرفض الشديد من رجال الدين وقتها، أن يقع الطلاق بين الزوجين مناصفة لمن أراد الانفصال، في يد المرأة كما الرجل، لأنهم يثيرون ويريدون ذلك، و استشهدوا بعدد لا يحصي ولا ينتهي من الأحاديث ليثبتوا وقوع الطلاق في يد الرجل فقط، على الرغم من وجود ما يثبت وقوع طلاق المرأة لنفسها هو الأساس في حالة النفور منه، وعدم الرغبة في استمرار الزواج، وظل الأمر متداول بين رفض رجال الدين ورغبة المجتمع في حق المرأة وأنتهى تلك الأزمة، حتى وصل الأمر لرئيس الجمهورية من خلال زوجته السيدة جيهان السادات، والذي رأي أنه يجب أن تنهي مأساة المرأة في قوانين الطلاق، وبالفعل تغير القانون في عام ١٩٧٨ ليكون ولأول مرة حق للمرأة المصرية في تطليق نفسها من خلال قانون الخلع والذي انقذ عدد لا يمكن حصره من السيدات من مخالب تلك التجربة .
ليكون بذلك أول فيلم مصري يغير في قانون خاص بالمرأة، ولكنه ليس الوحيد فقد غير فيلم جعلوني مجرما للفنان فريد شوقي قانون السابقة الأولى في سجل القضايا.
وهنا طبقت قوانين نيوتن بحذافيرها، فقد كنت قوة الوضع الموجودة قضية الطلاق كامنة دخل المجتمع، تريد أي حافز كي تنطلق، فإن الجسم الساكن يبقى ساكن ما لم تؤثر عليه قوة به قوة محصلة، ولكن قضية الطلاق في مصر تأثرت بفيلم أريد حلاً، ليؤدي للقانون الثاني لنيوتن، ليؤدي لتغير حركي في جسد القضية هذا التغير مساوي لمقدار التغيير الحاصل في القوة، وقد ضرب الفيلم بقوة في جذور حق تطليق المرأة لنفسها.
وكل يوم تقع الآلاف من الحروف على أوراق كتاب تستعرض الشارع، ولكن تلك الضجة التي تحدثها في وجدان الناس لتجعلها تتسأل وتفتح باب المناقشة نادرة.
وبالفعل هذا ما أثاره مسلسل لعبة نيوتن في البيوت المصرية خلال شهر رمضان، فقد حاز المسلسل على انتباه الجميع، لأنه مثل عدة قضايا اجتماعية مترتبة على بعضها، فالأحداث المتتالية المترتبة على بعضها قد أدت لأشعل أزمة الطلاق الشفهي دون أوراق رسمية وضع كلا البطلان في موقف قانوني وديني غير مسموح به، فقد طلق البطل تايسون، منى زكي دون أوراق رسمية، في رسالة هاتفية، لتتزوج هي بعد انتهاء عدتها، وهو وضع صحيح دينيا، ولكن مخالف قانونيا، وقد ناقش الكاتب تلك القضية بذكاء، ليبرز الضرر الواقع أيضا على الرجل في بعض الأحيان كي يعي المجتمع أضرار الطلاق الشفهي والذي تم ألغاه في معظم بلاد العالم ولكن موجود في مصر وبقوة لوقتنا هذا، مصر التي كنت حدثتها في القوانين المدنية تضاهي حدثتها في التقدم الاجتماعي، ربما الأمران لهما تدخل قوي، ما بين التقدم الاجتماعي والقوانين المدنية، وتلك النقطة يطبقه أيضاً قانون نيوتن، فكل جسم في الكون يجذب الأجسام الأخرى بقوة تتناسب طردياً مع حاصل ضرب كلاهما وعكسياً مع مربع المسافة بينهما، والذي يعرف بقانون الجذب العام، ف أصبح المجتمع المصري جاذب لكل ما هو رجعي و ذكوري بشكل مخيف، نتيجة تدخل قوي سياسية تحت ستر ديني منذ نهاية السبعينات حتى وقتنا هذا، دون تدخل يذكر من الدولة ضدها، فتجدها تتسرب دخل مفاصل المجتمع، حتى أودت لهذا التخلف الاجتماعي والأخلاق، لتجد اروقة المحاكم المصرية ممتلئة بنساء مصريات تم تطلقيهن شفهياً ولكن لا يستطعن اثبت ذلك، والتي أوضح المسلسل أنه في نهاية الأمر أن الوضع كله يقع في يد الرجل، وأن كان غير شريف أو غير مسئول، ضاعت المرأة دون رأي، فقد تحصل على طلاقها شفهياً، ثم تتزوج بعد انقضى العدة وهو رأي سليم دينياً، لتفاجئ بإن زوجها ردها في فترة العدة دون رأي لها، وكأنها تساق كالأنعام، وتجد نفسها في حالة جمع بين زوجين، والذي يتم فيه محاكمة الزوجة وحبسها، لا الزوج الذي رده دون علمها او رغبتها، ف هنا لا قوانين تجرؤ على معاقبة الرجال مهما أخطأوا، ثم تركنا الكاتب مع تلك القضية للشائكة وكيف يمكنه أن يرد المرأة دون علمها ليعدد مساوئ الطلاق الشفهي، وظلمها للمرأة.
ليكون الجدل واسع النطاق في السوشيال ميديا وينتقل للبيوت المصرية، هل الطلاق الشفهي أصبح مناسب لوقتنا هذا، وأن كان كذلك ف لماذا لا يصبح كذلك الزواج و أوراق الثبوتية الشخصية و الميراث، هل فقط في حالة الطلاق دون غيرها يمكن أن يتم الاستغناء عن الأوراق الرسمية.
ثم يضرب بيد من حديد ليناقش قضية الاغتصاب الزوجي، والتي فجرت بشكل كبير مفهوم خصوصية الجسد لدى المرأة ، لنرى رد فعل متوقع من المجتمع رفضه لمفهوم الاغتصاب الزوجي والتأكيد على مفهوم الخضوع والخنوع لدى المرأة العربية في الزواج، ليبرز ذلك أنه لا خصوصية لها في جسدها وقتها مالها او أي كيان خاص لها.
تجد الجروبات النسائية على الفيسبوك ممتلئة بعد الحلقات بمناقشة تلك القضيتان عن وضع المرأة في تلك القضايا، كما أن وجود وعي حالي لدى عدد كبير من الفتيات والنساء بحقوقهن، ورفضهن القاطع لتلك القوانين الظالم والتي عفي عليها الزمن، لتجد قصص مؤرقة للسيدات تم تطلقيهن شفيها ولم يستطعن أثبت ذلك، ولكن الطلاق وقع دينيا فلا تستطع المضي قدما في حياتها، بل تبقى معلقة، أما تتنازل عن حقوقها لتحصل على طلاقها الواقع بالفعل أو يبقى الحال كما هو عليه، وأخريات وجدن أنفسهن مطلقات دون علمهن منذ سنوات في بعض الأحيان بعد وفاة أزواجهن أو قبل ذلك عن طريق الصدفة، ليسقط حقوقهم في المطالبة بالحقوق المادية بعد الطلاق، عن طريق ابلاغهن من أقارب أو أصدقاء ولا يوجد ما يثبت طلاقهن و المحاكم تمد طاولة الوقت والتكلفة.
أما عن الاغتصاب الزوجي فتؤجى بالرفض القاطع من الرجال عن هذا المصطلح، وأنه لا يوجد ما يسمى ذلك في الزواج، فأصبح لرجال الدين حالياً تداخل قوي في تلك القضية، وإذا كالمعتاد جزء كبير منهم كانوا منبر للرجعية والعنف والمستوى المتدني الأخلاقي، تلبية لنزعة ذكورية في المجتمع ولكن تحت ستار ديني، فيأتي من الأحاديث ضعفيها ليثبت وجه نظره، ليثبت أنه الوضع العام في الدين هو أن الرجل هو المتحكم في العلاقة دون غيره، دون مراعاة للطرف الأخر، ويترك ما يضع العلاقة الزوجية في إطار المودة والرحمة، التفاهم والحياة المشتركة، إلى شراكة ما من نوع الجنس مقابل المال، ولكن بعقد مسجل، ليفرغ العلاقة الزوجية من مضمونها، ويعتبر الرجل أن النفقة مقابل الجنس، وأن رفضت يوم ما، قطع النفقة عنها، ولكن الواقع أن معظم البيوت المصرية، قائمة على دخل مشترك حيث أن ٤٥ بالمائة من البيوت المصرية العوائل الأساسية لهن سيدات، وإذا فإن النفقة هنا مشتركة وكذلك العلاقة الزوجية تقع بين طرفان لا طرف واحد، فأصبح مجرد رفض العلاقة الزوجية ذات مرة أو عدة مرات لأسبابها الخاصة ، هو مدعاة للأهانة أو عدم الإنفاق.
ومازال التداول مستمر لتلك القضايا على صفحات الجرائد و التواصل الاجتماعي، أن تلك الجرائم التي برزت بطريقة تامر محسن المميزة كالعادة، أدت لمطالبات بتغيير القوانين الخاصة بالطلاق الشفهي في القانون المصري، لتجنب تلك المأساة لدى السيدات المصريات، وكذلك قانون الاغتصاب الزوجي أن يقع تحت بند التنفيذ، فهل يستطع لعبة نيوتن فعلها تلك المرة، كما فعلتها قبله الدراما المصرية.