تمثال هيباتيا في العاصمة الإدارية “لماذا تأخر تبرئة الكنيسة المصرية من قتل الفيلسوفة”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
زَيَّن تمثال هيباتيا في العاصمة الإدارية الجديدة، ساحة نادي الماسة كابيتال ومدينة الثقافة والفنون، وأثارت الحركة إعجاب وتفاؤل الكثيرين بالمدينة الثقافية التي من المقرر افتتاحها منتصف العام الجاري كما أعلن وزير الآثار.
الخطأ في التناول الإعلامي لخبر تمثال هيباتيا في العاصمة الإدارية
تستحق حركة إقامة تمثال هيباتيا في العاصمة الإدارية بالإشادة، لكن التناول الإعلامي للحدث اقتصر فقط على أخبار التغطية الصحفية دون تدقيق في متن الموضوع، إذ اعتمدت كل المواقع في خلفية الخبر على معلومات عبارة عن شائعات من موقع ويكيبيديا حول حياة هيباتيا، وكلها شائعات تاريخية.
التعريف العام بشخصية هيباتيا
السيرة الذاتية لشخصية هيباتيا السكندرية إجمالاً أنها فيلسوفة تنتمي للمدرسة الأفلاطونية، ولدت في الإسكندرية سنة 370 م وكان والدها هو ثيون السكندري عالم الرياضيات والفلك الشهير وأحد أبرز فلاسفة مدرسة الإسكندرية.
تأثرت هيباتيا بالمدرسة الأفلاطونية الفلسفية في أثينا، كذلك اهتمت بفكر أفلوطين التي كان امتدادًا لأفلاطون، ورفعت لواء الدراسة المنطقية بديلاً للمعرفة التجريبية، وللقانون أفضيلة على الطبيعة.
اقرأ أيضًا
سوهاج والمسيحية .. جوانب تاريخية غير مروية عن بلد المواويل
الجماهيرية حول هيباتيا أغضبت المسيحيين داخل مصر خاصةً بعد آراء هيباتيا عن طبيعة الإله ووضع الحياة في الآخرة، بالتزامن مع هذا كانت هيباتيا على صداقة وطيدة بالوالي أوريتوس الذي يختلف مع البابا كيرلس الأول.
في مارس من العام 415 لقيت هيباتيا حتفها على يد المسيحيين في الإسكندرية إذ قاموا بتعريتها أمام الناس وسحلها في شوارع الإسكندرية ثم سلخ جسدها حتى فارقت الحياة ثم حرقوا جثتها.
من روج تهمة تورط البابا كيرلس الأول في قتل هيباتيا ؟
هناك مالا يقل عن 30 كتابًا وفيلمًا سينمائيًا و 5 روايات اعتمدت عليهم المواقع الإخبارية خلال تغطية حدث إقامة تمثال هيباتيا في العاصمة الإدارية الجديدة، واتفقت كل المصادر على شيء واحد وهو مسؤولية الكنيسة القبطية عن حادث القتل.
أقدم الكتب التاريخية التي تكلمت مقتل هيباتيا كان للمؤرخ سقراط القسطنطيني الذي عاصر فترة هيباتيا والبابا كيرلس الأول، أما أول من اتهم على البابا كيرلس بالتورط في قتلها فهو هو داماسكيوس خلال كتابه «حياة إيسيدور».
مع شخصية مثل داماسكيوس وكتابه فيجب التعرف على ظروف وضع كتابه، فأولاً هو لم يعاصر هيباتيا إذ أنه ولد بعد مقتلها بـ 48 سنة، كذلك فهو فيلسوف وثني يكره رجال الدين المسيحي، والأهم من هذا أنه ألف كتابه «حياة إيسيدور» وقت أن مواجهة الإمبراطورية الرومانية للفلاسفة.
كان مصدر داماسكيوس هو خطاب نشره مؤرخ وثني يسمى داماسيوس لم يحضر حتى واقعة مقتل هيباتيا إذ لم يكن قد وُلِد بعد، لكنه كان يُكِن كراهية كبيرة للبابا كيرلس الأول لمواقف الأخير من الوثنية.
لماذا قُتِلَت هيباتيا أصلاً ؟
لم يكن المسيحيين من محبي هيباتيا بل على العكس كانوا يكرهونها لكن ليس لاعتقاداتها الفلسفية بقدر دورها في اضطهادهم، فبشهادة يوحنا النقيوسي وسقراط المؤرخ كانت هيباتيا مسؤولة عن تعذيب عدد من رجال الدين المسيحي مثل هيراكس مُعلم اللغة القبطية والمقرب من البابا كيرلس الذي بينه وبين والي الإسكندرية عداء شديد.
كذلك تورطت هيباتيا في قتل الراهب أمونيوس بأمر من صديقها الوالي أوريستيس، ولعل قصة قتل الراهب هذه جعلت صناع فيلم «أجورا» يشوهون قصة أمونيوس عن طريق قيام الممثل الإسرائيلي أشرف برهوم بتمثيله على هيئة راهب دجال متشنج وجاهل.
كان قتل الراهب أمونيوس هي القشة التي قصمت ظهر البعير إذ عوقب بالإعدام لأنه رمى حجر على الوالي أوريستيس، فهاج المسيحيين على هيباتيا لظنهم أنها المحرضة الرئيسية على أمونيوس، وشهد بذلك كثيرين من مؤرخي مدرسة الفلسفة السكندرية.
مؤرخين برأوا البابا كيرلس الأول من قتل هيباتيا
في العدد رقم 91 من مجلة كلية الآداب بجامعة الإسكندرية والصادر عام 2018 ص 809 كتب بيشوي فخري إسطفانوس “في معهد البحوث والدراسات القبطية”، بحثًا عن آراء مؤرخي الغرب في ضلوع البابا كيرلس الأول.
استهل بيشوي فخري بما قاله المؤرخ كريستوفر هاس أن «الكُتاب الذين كتبوا عن مقتل الفيلسوفة الوثنية هيباتيا كتبوا تبعا لثقافتهم ونظرتهم الحضارية، لكن أفضلهم سوقريتس الذي برأ كيرلس من التهمة لأنه رغم كرهه للبابا لكنه أنصفه من تهمة التحريض».
لا يمكن أيضًا إغفال رأي المؤرخ والروائي تشارلز كينجسلي باعتبار أنه صاحب أشهر رواية عن هيباتيا وتحامل خلال روايته على كل شيء مسيحي، حيث قال عن المسيحيين زمن هيباتيا «إنهم يبغضونها، وينسبون إليها جرائم رهيبة، ولقد كانوا يدبرون الهجوم على منزلها في الليلة الماضية لولا خوفهم من كيرلس، ولكن يبدو أن الشعب خشي من غضب الأنبا كيرلس الذي أصدر تحذيره لهم بالأمس أنه إن تجاسر أحد وقام بتعكير الصفو فسيكون نصيبه الحرمان والعقاب».
أما الدكتور صموئيل طلعت أيوب فيقول «أقدم المصادر التاريخية التي تذكر فاجعة اغتيالها تؤكد أنها سقطت كضحية سياسية لا دينية، وأن الذين قتلوها هم عامة المسيحيين، حيث لا دخل للبابا كيرلس بالأمر، بل إن الأمر جلب عليه وعلى كنيسته العار، وسقراط مؤرخ عُرف عنه الحياد فى الطرح، بالإضافة لكونه معارضًا لكيرلس فليس هناك ما يبرر تكذيبه، فلا يمكن حسبان هيباتيا كشهيدة لأسباب دينية، بل بالأحرى يجب أن يُحسب موتها نتيجة مأساوية لعنف الرعاع نتيجةً للصراع السياسي بالإسكندرية».
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
مقال مزهل الحقيقة!!
انا كنت معتقد دايماً ان الكنيسة هي السبب في مقتلها
استنادا علي الفيلم ورواية عزازيل
و لاول مرة اري وجهة اخري للموضوع الذي علي يدك سرد بحيادية
تسلم ايدك يا استاذ وسيم
واضح من المقال انحياز كاتبه للكنيسه ولذلك يحاول إبعاد الشبهه التاريخية عنها…لكن التاريخ لا يستطيع أحد تزييفه مهما طال زمن التزييف…