همتك نعدل الكفة
347   مشاهدة  

تنمية الاقتصاد الأخضر في مصر خلال 10 سنوات (1-2) أسس الاستراتيجية الناجحة

الاقتصاد الأخضر


لم تكن قضايا البيئة من محاور اهتمام الدولة المصرية في التاريخ الحديث قبل عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، إذ لم تكن دومًا على قائمة أولوياتها.

وألمحت دراسة نشرها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية إلى أن الدولة انتهجت سابقًا التركيز على التنمية الاقتصادية غير المستدامة المنصبة على زيادة المكاسب المادية دون النظر لمردود الأنشطة المختلفة على الأبعاد الأخرى لاسيما البيئية منها.

أصبحت عدة مؤشرات سلبية معبرة عن تأخر الدولة في التصدي لمشاكل مثل تراكم المخلفات وعدم وجود آلية متماسكة للتعامل معها، أو زيادة معدلات تلوث المياه والهواء، أو تشجيع الاستثمار في مجال الطاقة البديلة.

عوضًا عن ذلك اتجهت الدولة للاعتماد على الوقود الأحفوري في كل الأنشطة الصناعية والخدمية، مع تقديم الدعم الضخم للمستهلك دون وضع شرائح مقننة لهذا الدعم. حتى أنه في تسعينات القرن الماضي والسنوات اللاحقة كان سعر لتر البنزين لا يتخطى سعر لتر المياه المعدنية المعبأة.

إلا أن الحال تبدل في العقد الأخير بصورة جذرية؛ إذ أصبح هناك دور أكبر مطلوبًا من الهيئات والوزارات المعنية بمجال البيئة. ليس فقط لتحسين الوضع البيئي المنعكس على مستوى الرفاهية المجتمعي، وإنما بهدف إعادة النظر في المفهوم الخاطئ حول كون الاستثمار في مجال البيئة ليس له عوائد مادية. وتحول تصنيف مصر، منذ عامين فقط ولأول مرة، من كونها في الدول الأكثر تلوثًا بيئيًا إلى واحدة من دول النصف الأفضل في تقييم جامعة يال لمعامل أداء البيئي. بل إنها تشغل المركز الـ25 عالميًا في معدلات التحسن خلال 10 أعوام بعد أن قفز تصنيفها أكثر من مرة، منها 40 مركزًا دفعة واحدة عام 2018.

الاقتصاد الأخضر ما هو ؟

الاقتصاد الأخضر

يُعرّف الاقتصاد الأخضر بأنه الاقتصاد الذي يهدف إلى الحدّ من مخاطر التلوث بأنواعه، والاحتباس الحراري، وندرة الموارد، بهدف تفعيل تنمية مستدامة حقيقية تَحُولُ دون تدهور البيئة. ورغم الارتباط الوثيق للاقتصاد الأخضر بالنواحي البيئية؛ إلا أنه يركز على أن يكون اقتصادًا قابلًا أكثر للتطبيق على الصعيد السياسي.

وكانت الأمم المتحدة قد عرّفت الاقتصاد الأخضر في عام 2010 بأنه اقتصاد ينتج عنه تحسين رفاهية الإنسان، والعدالة الاجتماعية، مع تقليل المخاطر والندرة البيئية بشكل كبير. وهو في أبسط تعبير عنه اقتصاد منخفض الكربون، وفعال من حيث الموارد، وشامل اجتماعيًّا. ففي حالة الاقتصاد الأخضر يكون نمو الدخل والعمالة مدفوعين بالاستثمارات العامة والخاصة التي تقلل من انبعاثات الكربون والتلوث، وتعزز كفاءة استخدام الطاقة والموارد، وتمنع فقدان التنوع البيولوجي وخدمات النظام الإيكولوجي.

وأقر تقرير الاقتصاد الأخضر لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2011 بأن الاقتصاد كي يكون صديقًا للبيئة، يجب ألا يكون فعّالًا فحسب؛ بل يجب أن يكون عادلًا على النطاق المجتمعي أيضًا؛ فالإنصاف يعني الاعتراف بأبعاد الاستدامة الثلاثة: (الاقتصاد، والبيئة، والمجتمع)، والعمل على تنميتها معًا دون تخصيص الموارد لبُعد واحد فقط لضمان الشمول.

ومن السمات التي تميز الاقتصاد الأخضر عن الأنظمة الاقتصادية السابقة التقييم المباشر لرأس المال الطبيعي، والخدمات الإيكولوجية، بوصفها ذات قيمة اقتصادية، ونظام محاسبة التكاليف بالكامل الذي يتم فيه تتبع التكلفة إلى المراحل المستقبلية من معالجة أي أضرار بيئية ناتجة. كما يتم نقل التكاليف بشكل موثوق إلى الكيان الذي يتسبب في ضرر أو يتجاهل أحد الأصول. وتُحتسب تلك الأضرار على أنها مسؤوليات. وعلى تلك الأسس تعمل الدول الكبرى والشركات العالمية على تبني السياسات البيئية وفكر الاستدامة كوسيلة قابلة للتطبيق لتعزيز ممارساتها في مجال الاقتصاد الأخضر.

استراتيجية مصر للاقتصاد الأخضر

من مؤتمرات الاقتصاد الأخضر في مصر
من مؤتمرات الاقتصاد الأخضر في مصر

أطلقت الدولة المصرية في عام 2016 استراتيجيتها الوطنية المعنية بالاقتصاد الأخضر، وذلك على هامش مؤتمر الوزراء الأفريقيين المعنيّ بالبيئة African Ministerial Conference on the Environment (AMCEN)، الذي عُقد في القاهرة في ذلك العام. وكان القادة الأفارقة في المؤتمر قد دعوا إلى تعزيز رؤية إنمائية واضحة لأفريقيا في سياق أجندة الاستدامة الدولية 2030 واتفاق باريس.

وخلال المؤتمر، صرّح رئيس الوزراء المصري السابق “شريف إسماعيل” بأن البيئة هي إحدى الركائز الأساسية لاستراتيجية مصر 2030، إذ تتوافق هذه الاستراتيجية مع أهداف تغير المناخ، والتي تشمل: النهوض بنوعية الحياة، وتوفير مصادر نظيفة للطاقة.

وتهدف الاستراتيجية الجديدة إلى الانتقال التدريجي إلى الاقتصاد الأخضر بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP ومركز البيئة والتنمية للمنطقة العربية وأوروبا CEDARE، وتتضمن الاستراتيجية أربعة مجالات تركيز رئيسة، هي: المياه، والزراعة، والنفايات، والطاقة. وتضمنت الاستراتيجية التكيف التدريجي للمشتريات الحكومية مع المنتجات الصديقة للبيئة والتكنولوجيات المستدامة.

إلا أن أبرز التحديات التي هددت تلك الاستراتيجية وقت إطلاقها هي الصعوبات التي تواجه خفض انبعاثات الغازات الدفيئة. فقد أعرب خبراء البيئة عن قلقهم بشأن التوسع في استخدام الفحم بدلًا من مصادر الوقود منخفضة الانبعاثات الكربونية. لكن التقارير التي أعلنتها وزارة البيئة في العام نفسه، كشفت عن استراتيجية مزيج الطاقة المستقبلية التي تتضمن تغييرات إيجابية جذرية في خارطة الطاقة في مصر؛ إذ تضع الاستراتيجية التوجهات المطلوبة لخفض نسبة استخدام طاقة الوقود الأحفوري من 95٪ إلى 50٪ بحد أقصى، مع زيادة نصيب موارد الطاقة المتجددة إلى 30٪، والطاقة النووية إلى 5٪.

وبهذا تمثل استراتيجية مصر للاقتصاد الأخضر خطوة رئيسة إلى الأمام في متابعة مسار التنمية الاقتصادية التي تأخذ في الاعتبار الحفاظ على البيئة والندرة البيئية، وتدعم إنشاء مجتمع أكثر مرونة واستعدادًا للتغيرات المستقبلية في مجالات البيئة.

الاستثمار في الطاقة المتجددة

الاقتصاد الأخضر

وبالتوازي مع الاستثمار المصري في الوقود الأحفوري، لجأت الدولة إلى زيادة نصيب الطاقة المتجددة من القطاع. وبدأت بحزمة من القوانين المستحدثة في عام 2014 مثل قانون التعريفة الجديدة المتعلق بتسعير وشراء الطاقة المتجددة، بهدف تشجيع المستثمرين على اقتحام السوق. وهدفت خطة الحكومة المستقبلية زيادة حصة الطاقة المتجددة إلى 20% من إجمالي موارد الطاقة عام 2022.

ونجحت هذه الاجراءات في تشجيع الاستثمار وتوفير التمويل اللازم لبناء عدد من المشروعات القومية المتعلقة بالطاقة المتجددة، منها إنشاء أكبر محطات العالم المولدة للطاقة الشمسية وهي محطة بنبان للطاقة الشمسية في أسوان والتي تضم 32 محطة بعدما مولها البنك الدولي بتكلفة إجمالية 4 مليار دولار.

ومن هذه المشروعات أيضًا مزرعة رياح جبل الزيت بالغردقة التي تم إطلاق مشروعها عام 2015 بقدرة 580 ميجاوات وإجمالي 300 توربينة رياح وبتكلفة إجمالية قدرها 670.64 مليون دولار. ومزرعة رياح رأس غارب بقدرة 500 ميجاوات بقيادة شركة أوراسكوم للإنشاءات في رأس غارب، ومحطة الطاقة الشمسية كوم أمبو التابعة لشركة أكوا باور بقدرة 200 ميجاوات، ومزرعة ليكيلا باور لطاقة الرياح البالغ تكلتها 325 مليون دولار أمريكي بقدرة 250 ميجاوات.

ومع بداية عام 2019 وصل إجمالي كمية الطاقة المتجددة المولدة إلى 5800 ميجاوات، من المتوقع أن تزداد زيادة طفيفة في عام 2020 إلى 6000 ميجاوات. وهو ما يشكل حوالي 11٪ من ال55000 ميجاوات التي يتم توليدها في مصر سنويًا. ورغم الزيادة الكبيرة في هذه السنوات القليلة والتي وضعت مصر كالدولة الأولى في مجال الطاقة المتجددة بمنطقة الشرق الأوسط، إلا أن هذه النسبة لازالت لا تتوافق مع حصة ال20٪ المستهدفة لعام 2022 و 42٪ في عام 2035.

وتتوقع وكالة فيتش بأن تكون مصادر الطاقة المتجددة هي القطاع الأسرع نموًا حتى عام 2028، مع زيادة السعة بأكثر من 8500 ميجاوات بمعدل متوسط ​​22.1%سنويًا ما بين عامي 2019 و2028. وذلك مع توافر إمكانات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وانخفاض تكاليف المعدات والتقنية. وسينتج عن ذلك تقديم أسعار كهرباء تنافسية مقارنة بمتوسط ​​معدلات الطاقة الأحفورية. وسيساعد هذا على جلب استثمارات القطاع الخاص الضرورية لتنمية قطاع الطاقة المتجددة.

وبالإضافة إلى ما سبق، هناك مشروعات عديدة أخرى ترعاها الحكومة بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وتخدم تلك المشاريع الخضراء مجالات البنية التحتية، وتحلية مياه البحر، والطاقة المتجددة، وإعادة التدوير، وتوفير الاستهلاك، والنقل، والزراعة، ومعالجة الصرف الصحي، وغيرها.

وكل هذه المشروعات تساهم بلا شك في فتح المجال لأسواق جديدة عديدة، وما يتبعها من توفير فرص عمل ونشاط اقتصادي لم يكن موجودًا قبل تطبيق الاستراتيجية الوطنية المعنية بالاقتصاد الأخضر. وتأتي الفرصة الذهبية لمصر من كونها دخلت بقوة هذا المجال قبل معظم دول الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، وهو ما يزيد من فرصها في جذب الاستثمارات ورؤوس الأموال، وجعل مصر بؤرة ومركزًا اقتصاديًّا رائدًا لهذه الأسواق، وهو ما سينعكس إيجابًا على الوضع الاقتصادي المصري عمومًا.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان