جحر الفئران…بين التعبير عن المعاناة والإبداع
-
إسراء سيف
إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
الفقر الشبح الذي يظهر أنيابه عندما يقع الفقير في ورطة مادية، هنا تظهر المعاناة والصراعات التي قد يقابلها الإنسان وتضغط عليه حتى الانهيار أو حل المشكلة .
جحر الفئران يضعنا في زاوية ضيقة، يجعلنا في حالة من التوتر لنهاية الفيلم بسبب وقوع بطلته في أزمة مادية ومبلغا تحتاجه في أقل من 24 ساعة.
جحر الفئران من نوعية أفلام اليوم الواحد والمكان الواحد للمخرج والسيناريست محمد السمان. وهذه النوعية من الأفلام تحتاج لحبكة قوية حتى لا يمل المشاهد من طبيعة المكان الواحد وكذلك الزمن الذي لا يتحرك سوى في بضع ساعات.
زاد على صعوبة نوعية الفيلم أن معظم المشاهد تذكرنا بمشاهد المونودراما ، فقط كسر جو المونودراما بعض مكالمات التليفون التي تقوم بها البطلة طوال الوقت كي تصل لهدفها من جمع مبلغا محددا سيحسن وضعها.
التفاصيل السر الذي يؤكد هنا فيلم جيد
اهتم محمد السمان بكل التفاصيل، بداية من الشقة البسيطة التي تجمع فتيات (الكول سنتر) الخاص بجمعية خيرية، وحتى تفاصيل بطلة الفيلم.
الشقة التي تحتوي على مكاتب رخيصة وحمام رديء، وفتيات جمعهن (الشقا) فيما ترتدي البطلة ملابسا فضفاضة وحجابا وتضع سبحة الكترونية في إصبعها مما يدل على النزعة الدينية التي نشأت عليها وتضعها في مواجهة صراعات مختلفة مع أحداث الفيلم.
اهتم المخرج وكاتب الفيلم محمد السمان أيضا بتفاصيل ما وراء الصورة، فنسمع أصواتا متداخلة مثلا أثناء مكالمة البطلة مع أختها عندما تبحث الأخت الصغرى على فاتورة الذهب التي تريد بيعه، فيضعنا المخرج في قلب الحدث أيضا بالمنزل الذي لم يظهر في الصورة من خلال سماع الأصوات المتداخلة التي تدل على توتر كبير أثناء البحث عن الفاتورة التي ستحل عقدة البطلة.
التفاصيل امتدت أيضا للرمزيات، فجحر الفئران لم يكن اسما اعتباطيا، بل رمزية الفأر كانت في محلها.
فالبطلة تجد نفسها في مصيدة أمام عقدتها في البحث عن المال، وأمام عرضا بالعمل في موقع دردشة إباحية، فنجد الفأر قد دخل المصيدة أثناء محاولتها التفكير في قبول عرض العمل بالموقع، والتنازل عن حجابها أثناء التقاط صورة لها مغرية كي يتم قبولها بالموقع.
الأداء الجيد والتوتر المستمر
من عوامل نجاح جحر الفئران أداء الممثلة الشابة رنا خالد التي كانت محور الفيلم الأساسي، فلو كان أدائها ضعيفا لفشل الفيلم فشلا ذريعا، خاصة أنها بمشاهده جميعها.
صعدت رنا بالأداء والتوتر تدريجيا. فمن بداية الفيلم نعلم من الحوار مشكلتها مع الاستمرار بعملها الذي لا تطيقه، ثم تظهر عقدة الفيلم الأصلية وهي ضرورة جمع مبلغا من المال كي تقدمه في البنك كمقدم لشقة تمليك تبعدها هي وأمها وأختها عن منطقة مليئة بالمشاكل.
اقرأ أيضا…تسليم أهالي…إلى متى يخجل الناس من التعبير عن نقص الاحتياجات؟
تتمالك البطلة أعصابها في البداية، وتحاول تهدئة أختها الأصغر عن طريق التليفون طوال الوقت، ثم مع تطور الأحداث ووصول العقدة لذروتها تنهار أمامنا بأداء سلس وصادق اعتمدت فيه على لغة الجسد ودموع صادقة وارتعاش الجسد ووجه باهت من الانفعال دون مكياج يذكر.
أداء رنا خالد حقق عنصر التوتر الذي أبقى المشاهد في حالة من الترقب كي يعرف نهاية الفيلم.
التليفونات وما خلفها من عوالم مختلفة
القصص الفرعية بالفيلم خدمته من حيث التركيز على مشاعر إنسانية مختلفة ومشكلات مختلفة، وخلقت صراعات أخرى للبطلة ذاتية مثل الشاب الذي عرض عليها عملا بموقع مشبوه.
و مثل العميل الذي وجد فرصة مع البطلة كي ينفث عن مشاعره المكبوتة ويتحدث عن آلم الذل من الفقر الذي يعانيه فيحدث تماسا بين آلمه وآلم البطلة التي تسهر بالجمعية حتى تحصل على مبلغا من المال وتتنازل وتضطر للكذب أحيانا أخرى.
فيذكرنا مرة أخرى باسم الفيلم وأن الفقر ما هو إلا جحر يسجن فيه الإنسان ويفصله عن تحقيق الكثير من الأمنيات.
نهاية الفيلم
لو لم تكن النهاية مختلفة لذهب مجهود محمد السمان مع الريح، ولكن المفاجأة الدرامية المرتبطة بقصة المحامي حققت نهاية جيدة للفيلم. وكان الفلاش باك الصوتي بتذكر اليوم من بدايته وحتى قبل طلوع الفجر في محله وواقعيا لإنسانة تنهار بعد عمل ليوم متواصل وضاغط ومليء من الصراعات والضغوط، فكانت يجب أن تلاحقها أفكارها.
رغم أن الفيلم من نوعية الأفلام التراجيدية، إلا أن بعض مشاهد كوميديا الموقف وكوميديا الافيه كسرت حالة التراجيديا الثقيلة التي أثرت في الجمهور وتوحد معها طوال الفيلم، كما أن النهاية المرضية كانت عادلة بالتناسب مع ما عانته البطلة بليلة مع جحر الفئران. فقط كنت أتمنى لو قصر الحوار في بعض المشاهد خاصة في المشاهد التي تتعلق بمكالمات التليفون.
تحية كبيرة لكل أبطال العمل
الكاتب
-
إسراء سيف
إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال