همتك نعدل الكفة
437   مشاهدة  

جريجور ماكجريجور .. النصاب الذي اخترع بلاد وهمية ليجمع المال

بلاد
  • ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



بدايةً من عام 1821، اجتاحت مدينة لندن أقاويل عن بلاد لم تكن معروفة من قبل على الساحل الكاريبي في مكان ما نعرفه الآن باسم جمهورية هندوراس. وكان يطلق عليها اسم “بويس”، كما كان يقال أنها جنة خصبة وغير مستغلة من الأراضي الزراعية، والتلال المنحدرة، ومناجم الذهب. ووصف سكانها الأصليين بأنهم شعب ودود ومجتهد في العمل، وكانت عاصمتها سانت جوزيف مستوطنة على الطراز الأوروبي تعج بالمباني العامة بل وحتى دار أوبرا. وكان يقال أن “بويس” لديها ميناء كبير ومناخ رائع جعلها محصنة ضد أي كوارث المناخ الاستوائي. كما أنه زُعم أنها واحدة من أكثر البقاع صحة وجمال على مستوى العالم.

هل كل هذا أروع من أن يكون حقيقيًا؟ هذا لأن البلد لم تكن حقيقية وكانت عبارة عن حيلة كبيرة ليس أكثر. أسفرت هذه الحيلة عن وفاة أكثر من 150 شخص وخداع العديد من المستثمرين.

وكان العقل المدبر وراء قصة بلاد “بويس” الخيالية هو جريجور ماكجريجور، وهو مغامر اسكتلندي ذو ماضِ حافل. ولد في عام 1786، أمضى شبابه في الجيش البريطاني قبل أن يتوجه إلى أمريكا الجنوبية في عام 1810 للقتال كجندي مرتزقة في حرب الاستقلال الفنزويلية ضد إسبانيا. كان ماكجريجور جنرالًا تحت قيادة سيمون بوليفار ثم قاد في وقت لاحق سلسلة من الحملات العسكرية المستقلة في منطقة الكاريبي. وكان أحد أعماله الشهيرة حدث في عام 1817، عندما كون جيشًا صغيرًا من القراصنة واستولوا لفترة وجيزة على جزيرة أميليا في فلوريدا من الإسبان.

لم يكن ماكجريجور قائدًا عسكريًا بارعًا بالأخص فقد كان يميل إلى هجر رجاله كلما بدت الهزيمة وشيكة ولكنه كان يتمتع ببراعة في الترويج لنفسه والاحتيال. ويبدو أن أعظم عملية احتيال قام بها حدثت في عام 1820، عندما أقنع ملكًا من السكان الأصليين بمنحه ما يقرب من 8 ملايين فدان من الأراضي على طول ساحل في أميركا الوسطى. كانت الأرض مجرد غابة، ولكن بحلول الوقت الذي عاد فيه ماكجريجور إلى لندن في العام التالي، كان يخبر الجميع كل تلك القصص عن دولته الغامضة “بويس”. كما زعم أنه كان حاكم البلاد، وأعلن أنه عاد إلى أوروبا في مهمة لاستقاء الاستثمارات وجلب المستوطنين المحتملين.

ولم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن يصبح “صاحب السمو جريجور” جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الرفيع في لندن. أعطى أرستقراطي ثري ماكجريجور وزوجته قصر ريفي، وأقام عمدة المدينة مأدبة على شرفه. اكتسب ماكجريجور ثقة العديد باستخدام جاذبيته والاستشهاد بإنجازاته العسكرية السابقة ـ-التي بالغ في تقديرها إلى حد كبير- ولكنه أيضًا كان مسلحًا بسلسلة من الوثائق الرسمية، التي كانت ملفقة بالكامل تقريبًا. فقد قدم وثيقة مكتوبة بخط اليد من الملك الذي أعطاه الأرض، وعَلَم وطني لـ”بويس”، ورسم خرائط للبلد وخرائط تبين حدودها، بل وحتى نسخة من إعلان أدلى به لشعب البلاد قبل إقلاعه إلى أوروبا. وبالإضافة إلى السرعة البطيئة لانتقال للأنباء والوضع السياسي غير المستقر في أميركا الجنوبية في ذلك الوقت، كانت الوثائق كافية لإقناع أغلب الناس بوجود “بويس”.

وبعد أن جمع ماجريجور الاهتمام لـ”بلاده”، قام بتعويم مبلغ 200،000 جنيه إسترليني من سندات “بويس” في سوق المال بلندن. كما بدأ في توزيع الأراضي والألقاب على المستعمرين. وكانت حملة التجنيد تتركز إلى حد كبير في اسكتلندا موطن ماكجريجور الأصلي، حيث قيل للمستوطنين إنهم قادرون على شراء 100 فدان من أراضي “بويس” الزراعية مقابل 11 جنيهًا استرلينيًا فقط، بينما تمكن المستثمرين الأفضل حالًا من شراء وظائف الضباط في جيش “بويس”، في حين تم إغراء مستثمرين آخرين بوعود مناصب التجار، الموظفون الحكوميون والمصرفيون. وفي إطار الدور الذي لعبه ماكجريجور كحاكم لتلك البلاد، فربما حقق أرباحًا بلغت عدة مئات الآلاف من الجنيهات.

وقد بلغت العملية الاحتيالية أقصى نقاطها في سبتمبر 1822، عندما أبحرت سفينة من لندن تحمل العديد من المستوطنين الذاهبين إلى “بويس”. وبعد أربعة أشهر، حملت سفينة ثانية ما يقرب من 200 مستوطن آخرين من ليث بإسكتلندا. ولقد استثمر أغلب هؤلاء المستوطنين الطامحين مدخراتهم في الرحلة. حتى أن البعض حوَّل كل أموالهم النقدية إلى عملة “بويس” التي كان ماكجريجور قد بدأ طباعتها في اسكتلندا. ولكن بعد أن أودع ركاب السفن على ساحل أميركا الوسطى، توصلوا إلى اكتشاف مذهل: فلم يكن هناك عاصمة لسانت جوزيف فحسب، بل لقد بدا الأمر وكأن “بويس” لم تكن موجودة على الإطلاق. وبدلًا من المستوطنة التي وعدوا بها، وجدوا ميلًا بعد ميل من الغابات الكثيفة المليئة بالحشرات.

بلاد
عملة “بويس”

بنى المستوطنون أكواخ متهالكة وحاولوا البقاء بينما انتظروا المساعدة، ولكن لم يمر وقت طويل قبل أن تنتشر الملاريا وغيرها من الأمراض بين صفوفهم. ولقد كتب المستوطن الاسكتلندي جيمس هستي: “كان المرض والطاغية كانا عامرين إلى الحد الذي جعل قِلة من الناس قادرين أو راغبين في ممارسة أي قدر من المجهود”. وصلت المساعدة أخيرا في مايو 1823 في شكل سفينة بريطانية من مستعمرة قريبة في بليز. المستوطنين الناجين تم إنقاذهم، ولكن هذه المغامرة قد تسببت في خسائر كبيرة. فمن بين 250 المهاجر الذين غادروا إنجلترا واسكتلندا، توفي ثلثاهم في نهاية المطاف بسبب أمراض استوائية.

وحتى بعد عودة الناجين من إلى ديارهم، لم يمثل ماكجريجور أمام العدالة. حتى أن أنصاره بما في ذلك بعض الناجين دافعوا عنه في الصحافة وقالوا أن فشل المستعمرة لابد وأن يكون ذنب عملائه والمتعاونين معه وليس ذنبه.

في خريف عام 1823، فر ماكجريجور بهدوء من إنجلترا وأقام محلًا  في باريس، حيث حاول تكرار ما عمليته الاحتيالية من جديد. فنشر دستور “بويس”، وحصل على قرض مصرفي، وبدأ مرة أخرى في تجنيد المستوطنين. ولكن هذه المرة جذبت بلاده الوهمية الشكوك من السلطات الفرنسية. وفي ديسمبر من عام 1825 أُلقي بماكغريغور في السجن وحوكم بتهمة الاحتيال والتآمر، ولكن بُرئ بسبب الافتقار إلى الأدلة وأُفرج عنه بعد ثمانية أشهر.

إقرأ أيضا
قلة النوم

وعلى الرغم من ذلك، استمر ماكجريجور في الترويج لمخططاته في “بويس” دون أن يحاكم لعقد آخر من الزمان. وفي عام 1827، ظهر من جديد في لندن وأصدر سندات جديدة بقيمة 800 ألف جنيه إسترليني؛ وفي العام التالي، بدأ مرة أخرى في بيع شهادات أراض وهمية في “بويس”. في نهاية المطاف توقف ماكجريجور عن ترويج بلاده الأسطورية في أواخر ثلاثينيات القرن التاسع عشر ثم هاجر عن فنزويلا، التي منحته معاش تقاعدي كامل بسبب مشاركته في حروب الاستقلال. وفي عام 1845 توفي “حاكم بويس”، دون أن يتم إدانته بجريمة واحدة.

 

الكاتب

  • بلاد ريم الشاذلي

    ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان