23٬948 مشاهدة
حبيبة الهنائي .. وجه أخر لا تعرفونه
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة
تعد سلطنة عمان من الدول العربية القليلة التي لا نتداول نحن المصريين عنها الكثير من الأخبار ولا حكايات لكن لديها مواقف سياسية باردة محايدة وتنأى بنفسها عن خلافات الجميع حتى أنني كنت أقرأ دعابات عن التزام الصمت لأي عائد دمن عمان وكأنه يوقع علي تعهد لعدم الإفصاح بعد المغادرة، إلا أن وفاة السلطان قابوس – رحمه الله – أثار عاصفة من التعاطف بين المغردين المصريين وشاركنا في التعزية بتعديد المزايا التي أغرق فيها شعبه وكأننا سمعنا عنها أو نقلها أحدهم – الأمر الذي أؤكد عليك أنه لم يحدث لكنها غية الشعور بأفضلية الجميع دوننا، لا أريد التقليل من حظ العمانين بوطنهم وسنوات حكم قابوس السبعة والأربعين أنا فقط تذكرت الناشطة والكاتبة حبيبة الهنائي والتي اعتبرتها صديقة منذ أن قرأت عنها وذلك لأنني أصدق في صداقتي للنسويات الحقيقيات في عالمنا العربي دون لقاء.
وكانت حبيبة قد عاشت مع عائلتها في زنجبار التي كانت تخضع لحكم السلطنة العمانية حتي أنها كانت عاصمة للسلطنة في عام 1832 على يد السلطان سعيد بن سلطان حتي عام 1964 حين ثار أهل الجزيرة الأصليين علي الحاكم جمشيد واستقلوا وكنتيجة عاد العرب إلى السلطنة ومعهم حبيبة وعائلتها وكتبت حكايتها هي والعائلات العمانية العائدة في رواية أسمتها ” العائدون حيث الحلم ” والتي حمل غلافها صورتها في عمر الخمس سنوات وهو عمرها عند عودتها أو كما تسميه حبيبة الهروب حيث كان أهالي زنجبار يمنعون العرب من المغادرة خاصة المعلمين مثل والدتها فما كان منهم إلا أن هربوا بمعاونة بعض الصياديين الأفارقة لتتلاطمهم الأمواج علي مركب صيد فقير مختبئين وسط الأغطية وأسماك الصيد في باطن المركب حتى وصلوا جزيرة تنجنيقا سابقًا أو تانجا لتختبئ في الأدغال شهورًا حتى استقروا في تنزانيا لفترة وتصل استجابة والدها لأقاربهم والدولة والتي تزامنت مع استلام السلطان قابوس حكم السلطنة والذي كان بحاجة لعودة الكفادات العمانية والنهوض بعمان.
وكأن القدر كان يعد حبيبة لدورها في التغيير والكفاح المكتوب وثمنه الفادح الذي كان يجب أن تتعلم تحمله، كانت بطلة حرة منذ فتحت عينيها فقد حدث أن توجهت يومًا لمجمع رياضي لتسجيل نفسها ضمن لعبة من الألعاب فنهرها حارس البوابة كيف لها أن تأتي لمجمع رياضي وحين نبهته إلى أن المبني حكومي وأنها تريد أن تسجل في لعبة رياضية طردها وأهانها، كانت الرياضة في عُمان في ذلك الوقت هي ممارسة للعيب في حد ذاته حيث اعتبروا الفتاة التي تظهر صورها في الجرائد والمجلات أو تمارس أي نوع من الرياضة هي فتاة معيبة فما كان من حنان إلا أن سجلت اتحاد باسم كرة الشاطئ للفتيات الأمر الذي صدم مجتمعها وتطلب كفاحًا وحراكًا طال لسنوات حتى أصبح حقًا منتزعًا ومعترفًا به وكانت والدة حنان السر في دعمها وحائط الصد الأساسي في الرد على الشاتمين واللائمين لظهور ابنتها في وسائل الإعلام وإلحاقها العار بالقبيلة ولما حاولت والدتها اثنائها عن الظهور في وسائل الإعلام والاكتفاء باللعب رفضت حبيبة لإيمانها بأن العلن والإعلان والمجاهرة بالحق هو سبيل التحرر الأول وأن ترسيخ الحقوق في وجه أعراف ظالمة وبالية لن يأتي بالصمت والخوف.
فيما بعد رشحت اللجنة الأولمبية العمانية حبيبة الهنائي وفق شرط الاتحاد الدولي بوجود عناصر نسائية لتكون حاملة للشعلة الأولمبية 2008 وكانت فرصة لتمثل حبيبة وطنها لكنها استقالت بعد ذلك بعام واحد بسبب عدم السماح للمرأة بتمثيل الاتحادات الرياضية أو عضويتها ولقد أفنت عمرها في المجال الرياضي دون تقدير أو زعزعة للتمييز والتضييق علي المرأة وكانت قد رصدت كونها صحفية ومتطوعة في ذلك الوقت لوقت لفساد وتمييز واسعة النقاط وأعدت ملفًا يسمى “آنين الجدران” عن وقائع فساد وفقر يتعرض له مواطنون إلا أن الملف منع من التداول بأوامر الأمن الذي أطلق مبادرة مماثلة لتكون مدفوعة بعناصر تابعة وبشكل مباشر ومكافئات مجزية لإجهاض دورها التطوعي الحقيقي.
جاء الصدام الأكبر في حياة حبيبة الهنائي حين تزوجت في عام 1990 من لبناني الجنسية بتصريح وموافقة ومباركة الدولة وانقلبت حياتها رأسًا علي عقب بعد ذلك فبعد أن كانت تتلقى الرعاية المجانية أثناء حملها ولد طفلها مبتسرا ففوجئت بفاتورة باهظة لا تتحمل هي ولا زوجها سدادها ليخبروها ان وليدها أجنبي لا يستحق بسبب بنوته لها أن تعترف به السلطنة أو تعطيه جزء من حقوقها والذي اعتبرته حبيبة تميزًا صارخًا بحق المرأة العمانية كما أنها لا يمكنها كفالة زوجها أو ابنها لتوفر لهم الإقامة ولا بطبيعة الحال لا يمكن للمرأة أن تهب ابنها الجنسية ولا زوجها.
ففي حال تم انهاء عمل زوج أجنبي مقيم في عمان ومتزوج من مواطنة عليه أن يرحل فورًا وأبناءه غير عابئين لتفكيك الأسر التي باركت الدولة زواجهم في البداية.
.الأمر الذي نقل حبيبة من العمل التطوعي لتكون ناشطة في مجال حقوق الإنسان فخرجت للمسئولين بعد أن جمعت توقيع مئات النساء اللاتي يعانين من الموقف ذاته، إلا أن أحدًا لم يتحرك.
عاودت حبيبة الكرة مرة أخري حين شارف ابنها على اكمال 18 عامًا وجمعت مئات الملفات والشكاوى للحكومة وحاولت جاهدة الضغط على المسئولين للم شمل الأسر الممزقة دون جدوى غير أن الحكومة رأت أن إسكات صوت حبيبة أصبح أمرًا حتميًا فعرضت على ابنها الجنسية بشكل خاص حتى توقف نشاطها وحشدها للمستضعفات من بني جنسها إلا أنها بشموخ امرأة حرة رفضت أن يحصل ابنها علي الجنسية العمانية وحده دون أقرانه ورفضت أن تخذل من وثقن بها وكانت صوتهن واعتبرت أن العرض مجردًا من الإنسانية ولم تقبله.
بعد ذلك بادرت حبيبة بتكوين الفريق العماني لحقوق الإنسان وبالمصادفة أو لسوء حظها أضرب بعد إعلانها بأيام لأكثر من 4000 عامل من العاملين بالنفط وبرغم إعلان الحكومة احتواء الأزمة ظل العمال على تواصلهم مع الفريق الحقوقي وعلى أثر ذلك اعتقلت حنان الهنائي وشريكين لها في الفريق الحقوقي أحدهما يعمل محامي، تحكي حنان عن قسوة تجربة اعتقالها الأول بعد تجريدها من هاتفها وعدم السماح لها بإجراء أي اتصال لتطمئن وحيدها الذي بقي وحيدا في المنزل ولم يتجاوز 13 عاما بعد انفصالها عن والده وعودته إلى لبنان، بقيتحبيبة في الحجز أربعة أيام وصفتهم بالحبس المهين الذي كان يقصد تأكيد عدم معاودتها لممارسة أي نشاط حقوقي وعند إخلاء سبيلها أجبرت علي توقيع تعهد بعدم ممارسة أي نشاط حقوقي آخر، رغم أنها وفور خروجها علمت باعتقال عدد كبير من زملاءها وزميلاتها ممن خرجوا تضامنا معاها فاحتجزوا أكثر من ستة أشهر، فاعتزلها الأصدقاء وهرب منها الناس واتهموها بالتسبب في اعتقال زملائهم الذين ذهبوا ضحية أفكارها وعنادها وأحلامها الواهية.
وكيف تأمن سكوت الحر وتنازله فبعد أن ابتعدت حبيبة عن السياسة والعمل العام ولو بالرأي كتبت منشورًا على حسابها بالتواصل الاجتماعي بحس فكاهي كانت تظنه قادرًا على حمايتها تندرت فيه على أهالي إحدى القرى العمانية يمتاز أهلها بالبشرة البيضاء والعيون الملونة نتيجة لاختلاطهم بالبرتغاليين وتزواجهم وتسائلت هل يمكن أن يكونوا عمانيين في اسقاط على التشكيك في مواطنتها وغيرها من أصحاب البشرة السمراء والملامح الأفريقية من العرب الذين اختلطوا كما عائلتها التي عاشت في زنجبار
كانت حبيبة الهنائي تريد التأكيد على أن التعددية لا تضر العمانيين إلا أن أحد المواطنين الشرفاء استكتب أهالي القرية التي قصدتها ليتقدموا باتهامات صريحة لها بالتمييز بحقهم والازدراء والقذف ولقد أيدت المحكمة بحقها إدانتين بأحكام مع إيقاف التنفيذ مع تعهد للمرة الثانية بالإجبار على التوقف عن الاشتغال بالعمل الحقوقي، فما كان من حبيبة إلا أن اعتبرت الإدانة مؤشرًا وإنذارًا بخطورة وضعها وامكانية تعرضها لتنفيذ الحكم الذي وصل لأكثر من ثلاثة سنوات ومع تزامن ذلك وانهاء ابنها المرحلة الثانوية وعدم استحقاقة تعليمًا جامعيًا مخفضًا أو منح تعليمية رأت أن الوقت قد حان لتغادر هي وابنها إلي المانيا وتعيش معه لتعيد وتؤسس المؤسسة العمانية لحقوق الإنسان التي كانت قد أجبرت على إغلاقها في عمان كما التحقت بإحدى المؤسسات الحقوقية الألمانية كمدافعة وناشطة في حق المرأة ومحاربة التمييز.
تدرك حبيبة الهنائي أن طريق الحرية مليئ بالخسارات وأن المكسب يحصده الأبناء والأحفاد، ولإيمانها بقضيتها تصدق في أنها لن تهزم أبدًا.
في بلدي مصر تهب الأم مصريتها لصغارها وتعطي زوجها الإقامة وتمثل في الاتحادات من سنوات طويلة وهنا أشير إلا أننا سبقنا الجميع حتى أصحاب الحضارات منهم فلا يجوز لنا التراجع أو حتى التوقف عن المضي قدمًا في مجال حقوق المرأة والحريات والتصدي لكل أنواع التمييز.
مصر كبيرة قوي اهدأوا لا يوجد ما يجعلكم تشعرون بالدونية.
الكاتب
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة
الوسوم
ما هو انطباعك؟
أحببته
83
أحزنني
19
أعجبني
84
أغضبني
31
هاهاها
20
واااو
11
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide