“الثوابت الوهمية” حد الردة (3) .. النبي وحد الردة
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
الحلقة اللي فاتت حكينا حكاية الحروب المعروفة بـ” حروب الردة ” ووضحنا عدم دقة المسمى وإن لا الأعداء كلهم مرتدين ولا الهدف من الحرب كان إجبار المهزومين على الإيمان. ولأن عادة في مثل هذه المواقف أئمة المتشددين وجمهورهم بيعتمدوا على السُنة.. فموعدنا الحلقة دي نشوف موقف النبي نفسه من الردة والمرتدين، فزي ما القرآن أكثر ثبوتية من السُنة.. كمان جوه السُنة تبقى “السُنة الفعلية” أقوى من “السُنة القولية”، فيلا بينا نتعرف على الأفعال والمواقف التاريخية للنبي.
يروج القائلين بحد الردة أنه ثابت في السنة النبوية، مستندين لعدة أحاديث وروايات أكثرها رواجًا وشهرة حديث “من بدل دينه فاقتلوه” الوارد في صحيح البخاري (عن حديث ابن عباس)، وحديث “لا يحل دم امرئ مسلم -يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله- إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة” الوارد في الصحيحين (عن حديث ابن مسعود).
مش هادخل في صراع مع سند الحديثين “مصادرهم” عن طريق ما يسمى “علم الجرح والتعديل” ولا هادخل في نقاش لما يعرف باسم “علم الرجال“، رغم أننا لو دخلنا في نقاشات من النوع ده هنلاقي أن البخاري وغيره من جامعي الأحاديث نقلوا حديث “من بدل دينه فاقتلوه” مش عن ابن عباس مباشرةً؛ إنما عن طريق عكرمة مولى ابن عباس.. وهو شخص عليه تحفظات كتير، إنما زي ما قلت في البداية هاعتمد على السُنة الفعلية.. فهاذكر مواقف تاريخية تخص النبي وطبعا هاذكر مصادرها المعتمدة والمعتبرة عند “أهل السنة والجماعة”.. زي ما متعودين من أول السلسلة.
هدف السلسلة بالأساس مش تنقية وتنقيح كتب الحديث ولا تقديم كاتبها بوصفه الشيخ الألباني في ثوبه الجديد.. إنما الهدف توضيح أن كتير من الأفكار والأحكام اللي بتتقدم بوصفها ثوابت هي في الحقيقة مش كده خالص، ولتحقيق الهدف هاقدم نماذج لتعاملات النبي نفسه مع فكرة الردة عن الإسلام، وأوعدكم هيكونوا نماذج يستحيل إنكارها تاريخيًا ولا حتى التشكيك فيهم.
أولا: موقف النبي في صلح الحديبية
في السنة السادسة بعد الهجرة تحرك حوالي 1500 من المسلمين بقيادة النبي في اتجاه مكة بقصد أداء العمرة، رفض القريشيين دخولهم ودارت مفاوضات انتهت بعقد اتفاقية عرفت تاريخيًا باسم صلح الحديبية، وقعها من طرف القريشيين سهيل بن عمرو ومن طرف المسلمين محمد بن عبد الله “باسمه وليس بصفته”، وتضمنت المعاهدة عدة بنود يخصنا منها هنا بند واحد فقط بيقول: “يرّد المسلمون من يأتي إليهم من قريش مسلمًا دون علم أهله، وأن لا ترد قريش من يأتيها مرتدًا”.
يعني أي قريشي يقرر يسلم ويسافر ينضم للمسلمين بدون ما يكون أهله موافقين يصبح النبي ملزم إنه مايسمحش له بالإنضمام إليه ويرفض استقباله وبقاءه في المدينة، أما لو حد من المسلمين أرتد ورجع من المدينة عشان يعيش في مكة.. فالقريشيين مش ملزمين يرجعوه، يعني باختصار ووضوح النبي وافق رسميًا على السماح للمسلمين بالحق في الردة والرجوع للعيش في مكة.
ثانيًا : موقف النبي عند موت رأس المنافقين
رأس المنافقين ده لقب عبد الله بن سلول عند المسلمين، كان من وجهاء وقادة الخزرج.. عارض الإسلام في البداية بس لما قويت شوكة النبي في المدينة أعلن إسلام، لكن كان هو وعدد تاني معاه مش مؤمنين وكارهين للإسلام والمسلمين، لدرجة إنه حاولوا في أكتر من مرة إثارة الفتن داخل المدينة أو أحباط الجيوش وقت الحروب وغيرها من أعمال خبيثة، أما أشنع أعماله وأشهرها كان إطلاقه الإشاعات في حق السيدة عائشة والتقول عليها وعلى شرفها فيما يعرف تاريخيًا باسم حادثة الإفك.
نفاق ابن سلول ماكنش خفي عن النبي ونزل فيه قرآن يؤكد إنه منافق يدعي الإسلام ويبطن الكفر، ورغم كل ده.. لما مات طلب أبنه -وكان من المسلمين- من النبي أن يوهب له قميصه يكفن فيه أبوه.. فأعطاه له؛ ثم طلب منه يصلي عليه وبرضه كان له ما أراد.. رغم أعتراض بعض كبار الصحابة في مقدمتهم عُمر بن الخطاب.
ثالثًا: موقف النبي من تنفيذ الحدود
من المعروف أنه لا شفاعة في الحدود، ومن أشهر الروايات الواردة في “صحيح البخاري” بخصوص عدم تهاون النبي في تطبيق الحدود ورفضه لأي شفاعة -مهما بلغ قدر صاحبها- هي قصة رفض النبي العفو عن امرأة من بني مخزوم “أحد قبائل قريش”، تقول القصة أن السِت دي سرقت واتقفشت ووصل الأمر للنبي ليحكم عليها.. فحاول أهلها التدخل حرصًا على سمعة بني مخزوم وقريش عامة بين العرب، فكان الرد الشهير للنبي: “والله لو فاطمة بنت محمد سرقت… لقطعت يدها”.
بديهي إن اللي يرفض العفو عن سِت سرقت مستحيل -لو كان فيه حد- يعفو عن رجل مرتد، خصوصًا لما يكون المرتد ده من كتبة الوحي.
مين الشخص ده؟ وإيه حكايته؟ ومصيره كان إيه؟ وأهم حاجة موقف النبي كان إيه؟
كل الأسئلة دي هنعرف إجابتها سوا الحلقة الجاية.. عشان نستكمل الرحلة التاريخية في حياة النبي ومواقفه مع الردة كفكرة والمرتدين كأفراد.
وختاما للحلقة دي أحب أفكر الناس اللي متابعة بـ الاتفاق.. وأطلب من كل القراء الجداد إنهم يرجعوا يقروه عشان نبقى على نور.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال