حسام بوجي .. الفقر أقرب للتريند أم التسول؟
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
كان الأستاذ السيناريست وحيد حامد ، الرجل الفاهم لقضية مصر، صاحب شهادات الخبرة في فهم تركيبة المواطن المصري وما يدور في خُلده، وما تغرّه إليه نفسه، وما يعتبره فهلوة وحق مكتسب، وجلده وصبره على الأيام وتقلباتها، وما الذي يصبر عليه، وما لا يطيقه، المصري صاحب التركيبة العجيبة التي احتار فيها علماء الاجتماع والنفس والحرب، الذي لا تعرف ما يسرّه في نفسه وما يظهره في علانيته، كان الأستاذ وحيد حامد في لقاء مع الإعلامي وائل الإبراشي على قناة التليفزيون المصري الرئيسية، وتحدّث “حامد” عن أيام الفقر (الدكر) الذي كان يعيشها قبل أن تنتطلق كلماته لتشكّل وعي المصريين من خلال الشاشات والإذعات . وتطرق الحديث عن الصفات التي تغيرت في المواطن المصري فيما قبل وفيما بعد ، قال له كلمة سديدة، ربما هي نظرية اجتماعية تتلخص في سطرين من الحكمة والتجربة في الشارع المصري من التعامل مع بائعة الفجل إلى فنانة تجلس متأنقة في فيلا العجمي . قال له : إن ما يخيفني على المواطن المصري لم يعد الفقر بقدر ما هو عدم الخجل والإفصاح بالفقر كأمر عادي .
وحسام بوجي شاب عادي، يعمل في محل، ويكسب رزقه بيومه كملايين، لديه أم تراعيه، وأربعة حيطان يحمونه من التشرد، لديه ملابس بشكل كافي، ليس عاريًا مقطوعًا من شجرة لا يملك قوت يومه، يتمتع بصحة جيدة لا يحتاج لغرفة عناية مركزة، لديه مجموعة من الأصدقاء لا يعاني الوحدة والنبذ الاجتماعي، استطاعت والدته أن تصرف على تعليمه، فتعلم بالابتدائية، والثانوية، والجامعة، وأمام كل تلك المزايا والنعم لم ينعم الله عليه بالوسامة من وجهة نظره .
أولًا دعنا نتفق أن حديثنا ليس تحريضًا على قسوة القلب وضبط المشاعر عند الحالات الإنسانية، وثانيًا أن كلامنا ليس موجهًا لحسام بوجي نفسه، فحسام بوجي هنا ليس شخصًا في ذاته بل حالة عامة، ولعبة يلعبها هواة التريند هو فقط شريكًا فيها .. وتبدأ الحكاية عندما يصادف حسام بطريقه صحفيًا يريد أن يحقق “التارجت” من حيث المشاهدات، والصحفي نفسه يعلم تمام العلم أن هيئة “حسام” العامة هي ما ستجذب المشاهدات وبالتالي التريند، كنوع من التعجّب، وحمد الله الذي يقال سرًا على ما ابتُلي به الكثيرين، ويخرج على شكل تعاطف ودعوات إلى الله في التعليقات .. وحديثنا هنا ليس عن الصحفي والطريقة المعتادة في جلب المشاهدات، وهي حالة عامة ليست صحفية فقط، فالأغلبية حاليًا من مستخدمي السوشيال ميديا على استعداد التفريط في كل ما هو خصوصي لجلب اللايكس والشير، وهم في غاية السعادة .
كلامنا هنا عن حسام بوجي نفسه، أو بمعنى أصح الطرف الثاني، وهذا الطرف قرر أن يتاجر بحالته، ويتسول على الهواء مباشرةً لدخول الوسط الفني عن طريق إعلانه لأنه سيصبح له قناة تعرض فيديوهات فنية، ونحن طبعًا نعرف أنها ليست فنية ولا يحزنون، هو فقط قرر أن يتاجر بعواطف الناس ووضعهم في زاوية، إما أن تتعاطف معي وتعدمني كفنان مهرجانات وتجلب لي المشاهدات والأموال والثراء والسيارة والعروسة ، أو إنك ليس إنسانًا من الأساس. إما أن تساعدني على ترك عملي في المحل والانتقال إلى أن أصبح فقرة في مهرجان الجونة، وأظهر في فيلم سينمائي ما ولو لمدة قصيرة، أو إنك صاحب قلب فظ لا تستحق أن تكون من متابعي حسام بوجي، أنا غلبان وفنان، فإذا رفضتني كفنان فبالضرورة أنت رفضتني كغلبان !
وهكذا تجد نفسك محاصرًا بين سيف الابتزاز، وبحر القسوة، بين إنسانيتك أو الحقيقة الموجودة أمام عينيك.. انتقل التسول من محطات القطار، والأنفاق، وفي الأتوبيسات . إلى التريند، والتريند طبعًا له احترام خاص حاليًا، لا يمكنك ألا تتركه وشأنه وإلا أصبحت منبوذًا .. وكل تعرف الفرق بين ما يفعله الأغلبية التي من ضمنها “بوجي”، وصاحب الكرامة الحقيقية عليك أن تراجع حلقة الإعلامي محمود سعد مع “طبيب الغلابة” المرحوم الدكتور محمد مشالي، عندما ضحك “سعد” من سعر الروشتة الصغير جدًا بالنسبة للعصر، فأوقفه الدكتور قائلًا : لا يصح أن تكون هذه مسارًا للسخرية . هيهات بين الفقر،والتسول !
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال