حقيقة رابعة العدوية بين مصادر التاريخ الأولى وخيال فريد الدين العطار
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لا نكاد نملك وثيقة واحدة عن حياة رابعة العدوية تلك المرأة التي عُرفت بالذهد والورع أو كما يقولون صاحبة مذهب في الطرق الصوفية وهو مذهب العشق أو الحب الإلهي، حتى تلك الوثائق الواردة عنها فإمّا متضاربة أو خضعت للخيال والأسطورة الشعبية، ولا نكاد نملك وثائق إلى الآن عن حياة رابعة الأولى إلا ما رواه فريد الدين العطار في كتابه” تَذْكِرَة الأولياء” والمعروف أن” العطار” رجا جامح الخيال لا يمكن أن نستند إلى كتاباته في أي عملية توثيقية إلا أننا لاستطيع أن نرفض كل ما قاله جملة، وسنقدمها حذرين بمعزل عن تأكيد المعلومة.
يقول فريد الدين العطار أنها حين ولدت لم يكن يملك أي شيء حتى قِنْدِيل الإنارة ولا خرق للف الوليدة، فطلبت منه زوجته أن يذهب إلى جارة لها للحصول على زيت يضيئوا به القنديل فذهب مرغمًا إرضاءً لزوجته مع أنّه عاهد الله أن لا يطلب شيئًا من عبادة، فلما ذهب لم تفتح له الجارة الباب فذهب لزوجته وعاتبها على ما حدث فبكت بكاءً مريرًا، وهناك أطرق على ركبتيه ونام فرأى النبي وقال له :” لا تحزن ! فهذه البنت الوليدة سيدة جليلة القدر، وإن سبعين ألفا من أمتي يرجون شفاعتها؛ ثم أمره بالذهاب صبيحة الغد إلى عيسى زاجان أمير البصرة ويكتب له ورقة يقول فيها إن النبي زاره في المنام وأن يطلب منه ما يشاء “، هذه الرواية إذا ما حذفنا منها مسألة الكرمات والخوارق بمكن أن نقول أن رابعة ولدت في بيت شديد الفقر.
إشكالية نسبها بين العطار ومصادر التاريخ الأولى
يعتبر أقدم كتاب وصل إلينا تناول فيه حياة رابعة العدوية كان كتاب البيان والتبين لـ الجاحظ، ومما تناوله الكتاب أنها أبها مولى آل عتيك الذي هي بطن من بطون قيس لذلك أطق عليها الجاحظ رابعة القيسية، أما ما جاء فيه وفيات الأعيان لابن خلكان فقد ذكر اسم أبيها وقذ ذكره أنه إسماعيل ثم قال” رابعة بنت إسماعيل العدوية” وعليه سار المنياوي والزبيدي و ابن الجوزي، والسؤال هنا هل رابعة العدوية هي رابعة القيسية؟ ، وإشكالية الخلاف هنا أنه لو كان نسبها كما قال الجاحظ فأنها أبها عبدًا فمن حررها من الرق هذا السيد أم السيد الذي ذكره العطار في شبابها بعد أن كانت تعزف على العود في إحدى الحانات.
من الحانات إلى صاحبة الكرامات
وفي وقت مجاعة وقحط حَسَبَ” العطار” وبعد وفاة والديها تفرق الإخوة وصارت رابعة وحيدة مشردة في الشوارع تعاني الجوع والفقر، فعملت في إحدى الحانات حيث كانت تلعب الناي فلمّا رآها أحد الرجال وأعجبته اشتراها بدرهم من صاحب الحانة ولكنه كان ظالمًا أثقل عليها العمل.
وهنا يذكر لنا العطار كيف هبطت عليها رسالتها الروحية، فيقول :”إنها كانت تسير ذات يوم فشاهدت رجلا غريبا ظل يرمقها بنظره مضمرًا لها الشر، فهربت ثم ارتمت على التراب وظلت تناجى ربها: إلهي ! أنا غريبة يتيمة، أرسف في قيود الرق، لكن غنى الكبير هو أن أعرف: أراض أنت على أم غير راض؟ ”
فسمعت صوتًا يقول: “لا تحزني! ففي يوم الحساب يتطلع المقربون في السماء إليك ويحسدونك على ما ستكونين فيه، فلما سمعت هذا الصوت عادت إلى بيت سيدها، وصارت تصوم وتخدم سيدها وتصلى لربها” هذه الفترة الحاسمة في حياة رابعة يمكن أن نقول عنها ابتداء الرسالة الروحية فرغم الذل والمهانة التي تتعرض لها إلا أنها قريبة من ربها.
أسطورة كونها خيال فريد الدين العطار
يلجأ فريد الدين العطار مرة أخرى إلى الكرامات والخوارق فيقول عن تحررها من الرق أن سيدها استيقظ ذات ليلة فرأى رابعة ساجدة تقول :”إلهي! أنت تعلم أن قلبي يتمنى طاعتك، ونور عيني في خدمة عتبتك؛ ولو كان الأمر بيدي لما انقطعت لحظة عن خدمتك، لكنك تركتني تحت رحمة هذا المخلوق القاسي من عبدتك”، فسمعها سيدها ثم شاهد قنديلًا فوق رأسها يضئ نورًا عجيبًا ففزع وبعد ذلك أعتقها ثم انصرفت في بلاد اله للعبادة والزهد.
إذًا خضعت قصة رابعة العدوية عند فريد الدين العطار إلى خياله الجامح كشاعر لا كمؤرخ، فلا يمكن أن نعتمد على ما قاله على أنه حقيقة مطلقة، إلا أننا يمكن أن نوجز أن رابعة كانت فقيرة عملت في الحانات إلا أنها تابت وعادت إلى الله ثم اعتقت من الرق، وأصبحت أحد الزهاد الذي تدور حولهم الحكايات والأساطير .
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال