عن علاقة أحمد شوقي وثومة..قصة “كوكب الشرق” أم كلثوم (27)

أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة السابعة والعشرين من قصة كوكب الشرق أم كلثوم، وفيها نكمل ما بدأناه في الحلقة السابقة من الحديث عن الجانب الأدبي والثقافي لأم كلثوم وعلاقتها بالشعراء، وقلنا أننا سنخصص هذه الحلقة للحديث عن علاقة أم كلثوم بأمير الشعراء أحمد شوقي بك.

أم كلثوم وأمير الشعراء، علاقة قصيرة وأثر عظيم

حكت أم كلثوم عن لقائها الأول بأمير الشعراء شوقي بك، كيف حدث، وماذا فعل شوقي حين سمعها، وعن وقائع هذا اللقاء تقول كوكب الشرق: التقيت بأمير الشعراء أحمد شوقي بك في أواخر أيامه، وكانت أول مرة رأيته فيها في محل سولت في شارع فؤاد القديم بجوار شيكوريل، وكان معه محمود فهمي النقراشي باشا والدكتور محجوب ثابت، وقد دعاني للغناء في كرمة ابن هانيء، فذهبت مع أبي وأخي وغنيت ليلتها كأن لم أغن من قبل، ورأيته يتمايل طربا، ولكنه يقطع النشوة التي هو فيها فيختفي لدقائق ثم يعود إلينا ساهما ولم أكن أدري لماذا يختفي، فهمس أبي في أذني: إنه إلهام شعر يجيئه، فيقوم ليدون شيئا ثم يعود، وفي صباح اليوم التالي جاءني من يقول: الحقي يا ست، شوقي بيه أمام الباب الخارجي، فهرولت لأجده، كان وجهه مضيئا بابتسامة طيبة، وأعطاني مظروفا ظننت أنه يحتوي على أجر لي، وأمام ترددي قال: لم أتكلف في الهدية شيئا، إنها من وحيك، وفتحت المظروف فوجدت قصيدة: سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها.

تقول الدكتورة رتيبة الحفني

غنت أم كلثوم في سهرتها تلك بكرمة ابن هانيْ طقطوقة اللي حبك يا هناه من ألحان الشيخ زكريا أحمد، فأعجب بها احمد شوقي بك إعجابا شديدا، فنهض من مكانه وقدم لها كأسا من الشراب كرمز للتحية والإعجاب، وأحرجت أم كلثوم، وتأدبا منها لرجل بقيمة شوقي، أمسكت أم كلثوم بالكأس ورفعته إلى فمها دون أن تمس شفتاها الخمر، ثم أعادت الكأس إلى مكانه، وفي اليوم التالي حين فتحت أم كلثوم المظروف وجدت به قصيدة سلوا كؤوس الطلا هل لامست فاها، واستخبروا الراح هل مست ثناياها.

ويقال أن أحمد شوقي بك من شدة إعجابه بأم كلثوم، ولكونها سببا في إلهامه بتلك القصيدة العظيمة، كان قد صرح فيها باسم أم كلثوم مرتين، مرة في بيت: سل أم كلثوم من بالشرق طارحها والذي غنته أم كلثوم: حمامة الأيك من بالشجو طارحها، والمرة الثانية في البيت الأخير: يا أم كلثوم أيام الهوى ذهبت، والذي غنته أم كلثوم: يا جارة الأيك أيام الهوى ذهبت، جدير بالذكر أن أم كلثوم احتفظت بتلك القصيدة التي كتبها لها شوقي ولكنها لم تغنها إلا بعد وفاته، فقد لحنها لها الموسيقار رياض السنباطي وغنتها أواخر الثلاثينيات في وصلة بديعة بقاعة إيوارت التذكارية بالجامعة الأمريكية، والغريب في الأمر أن قصيدة سلوا كؤوس الطلا ليست موجودة في الأجزاء الأربع من ديوان الشوقيات، لذلك لو لم تحتفظ أم كلثوم بالورقة التي دون بها شوقي الكلمات لاندثرت وما عرفت إلى يومنا هذا.

أم كلثوم وإطراء بحق شوقي بك

في حديثها عن أحمد شوقي وعن حبها له تقول أم كلثوم: كنت اقتني دواوين شوقي بك وأضعها بجانب فراشي وأنا أقول: إن ثروة مثل هذه يجب أن تكون دائما في متناول يدي، وكانت قصائد شوقي بك هي آخر ما يحتضن عقلي وعيني قبل النوم، وكنت لا أكاد أسمع عن مسرحية مما كتب تمثل في مسرح الأوبرا حتى أذهب لرؤيتها عدة مرات، ولست أنسى على وجه الخصوص مجنون ليلى، وكليوباترا وأنطونيو، وقد رأيت في أدوار البطولة الفنانة العظيمة فاطمة رشدي والفنانة العظيمة أمينة رزق، فأنا متعصبة لشوقي تعصبا لا حد له، فلم يجد ولن يجود الزمان بمثل شوقي بك، إنني أضعه في مرتبة تسبق مراتب البحتري وعمر ابن أبي ربيعه، ما أروع شوقي حين يقول: وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا، وما أجمله وهو يضع دستور الأخلاق في بيت: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا.

نتاج كوكب الشرق الغنائي من كلمات شوقي بك

لم تكن قصيدة سلوا كؤوس الطلا أولى القصائد التي غنتها أم كلثوم من كلمات شوقي بك، بل غنت أم كلثوم سنة 1936م قصيدة الملك بين يديك في إقباله، والتي كان قد ألفها شوقي بك سنة 1910م مدحا في السلطان محمد رشاد الخامس الذي كان يحتفل وقتها بعيد توليه العرش بعد السلطان عبد الحميد الثاني، وقد أعجبت أم كلثوم بهذه القصيدة وعهدت بها إلى رياض السنباطي فلحنها لها وغنتها أم كلثوم بمناسبة تولي الملك فاروق الأول سلطته الدستورية سنة 1936.

إقرأ أيضًا..

“عبدالحليم حافظ والمشايخ” الحويني رآه في المنام يطمئنه وشيخ الأزهر جهز له مشروع فني

كذلك غنت أم كلثوم من كلمات شوقي بك قصيدة أتعجل العمر ابتغاء لقائها وقصيدة النيل وقصيدة بأبي وروحي التي غنتها بمناسبة توقيع معاهدة الجلاء، أما أول قصيدة دينية غنتها أم كلثوم من شعر شوقي بك فكانت قصيدة سلو قلبي غداة سلا وتابا، لعل على الجمال له عتابا، والتي ألفها شوقي بك في فترة العشرينات مدحا في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويحكى أن أم كلثوم حين غنت تلك القصيدة ووصلت إلى بيت: وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا، وكان ذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، نهض الجمهور وانتفض يطالب المحتلين بجلاء قواتهم عن أرض مصر، كذلك غنت أم كلثوم من كلمات شوقي بك قصيدة نهج البردة وقصيدة ولد الهدى فالكائنات ضياء وقصيدة إلى عرفات الله التي امتدح بها شوقي الخديوي عباس حلمي الثاني حين سافر لآداء مناسك الحج، على أن القصائد التسع التي غنتها أم كلثوم من كلمات شوقي بك جاءت كلها من ألحان المرحوم رياض السنباطي، أما أم كلثوم فقد دفعت لورثة أحمد شوقي ألف جنيه عن كل قصيدة غنتها من تأليفه.

وأخيرا، عن علاقة أم كلثوم بالأدب والشعر والشعراء وعن ثقلها وثقافتها يقول مصطفى أمين:

تعلمت أم كلثوم من شوقي أمير الشعراء ومن أحمد رامي ومن حافظ إبراهيم ومن إبراهيم ناجي ومن العقاد ومن المتنبي ومن أبي العلاء المعري، وكانت تجلس أمام كل واحد من هؤلاء أشبه بتلميذة، وكانت تجلس في غرفة نومها تحفظ الشعر وكأنها ستتقدم في اليوم التالي لامتحان صعب، لم تكن أم كلثوم في معظم حياتها الفنية مجرد مطربة تردد أغانيها لمجرد التطريب والشهرة وجمع المال، إنما قيمة أم كلثوم الحقيقية في أنها كانت فنانة ملتزمة، والملاحظ أنه منذ أن نزحت أم كلثوم للقاهرة، التف حولها خيرة الأدباء والشعراء والموسيقيين والمثقفين، مفتونين بجمال صوتها، كل منهم يبذل ويعطي من عصارة روحه أجمل الكلمات، لتشدو بها صاحبة الحنجرة الذهبية فتطرب الملايين.

وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة على أن نكمل الحديث في حلقات قادمة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.