همتك نعدل الكفة
1٬905   مشاهدة  

حكمة السيكوباتيين .. هل نحتاج إلى انعدام الضمير من أجل النجاح؟

حكمة السيكوباتيين


يبدأ كيفن داتون، مؤلف كتاب “حكمة السيكوباتيين.. دروس في الحياة من القديسين والجواسيس والسفاحين” باعتراف ” كان والدي سيكوباتيا، رجل أعمال لا يرحم، شديد الجرأة والوقاحة، لا يحرجه أو يزعجه شيء، بلا ضمير لكنه كان شجاعا وساحرًا، لا يعرف الخوف، لم يكن الرجل الأكثر قدرة على التعاطف في العالم، لكنه لم يكن عنيفًا أبدًا”

يجادل داتون في الكتاب أن هناك أطيافا من “الجنون” داخل كل واحد منا، وأن هناك بالفعل “مختلين عقليا وظيفيا “بيننا – يختلفون عن نظرائهم القتلة – ناجحين في المجتمع، وأن في بعض المجالات كلما كان الأشخاص “سيكوباتيين” أكثر كلما زاد احتمال نجاحهم.

جراح الأعصاب اللامع الذي يفتقر إلى التعاطف لديه الكثير من القواسم المشتركة مع السفاح تيد باندي الذي يقتل من أجل المتعة أكثر مما قد نرغب في الاعتراف به، السارق في موقف سيارات خافت الإضاءة قد يكون في الواقع، لديه نفس الاتزان العصبي الذي يتمتع به أحد عمالقة الصناعة.

على عكس الصورة السلبية السائدة عن السيكوباتيين يرى داتون أن بعض الصفات التي يملكونها، قد تكون مفيدة لنا وأن بإمكاننا التعلم منها. وإن كانوا هم الأكثر قدرة على إيذائك فهم أيضا الأكثر قدرة على إنقاذك، يضرب داتون مثالا أوضح: ماذا لو أن مسبب الحريق الذي أحرق منزلك، قد يكون أيضا في عالم مواز هو البطل الذي لا يهاب النيران وينقذ أفراد عائلتك.

ما يبني عليه داتون أطروحته هو أن سمة قلة التعاطف عند السيكوباتيين هي ما تجعلهم يتخذون قرارات عقلانية تحت ضغط كبير. يميز داتون بين نوعين من التعاطف، الساخن والبارد، تعاطف تغلب عليه المشاعر بتكوين روابط عاطفية مع الآخرين، وتعاطف معرفي يعتمد على فهم ما يدور في ذهن شخص ما.

يقول جيمس فالون، الباحث في السيكوباتية، أن السيكوباتيين جيدون في النوع الثاني وليس الأول والذي يسهل تطبيقه بشكل تلقائي على معظم مواقف الحياة، أما في المواقف الأكثر تعقيدا وتتطلب تفكيرا أكثر وعيا وبرودا فنحن في حاجة إلى النوع الثاني، لأن تلك المواقف تتضمن مقايضات وبعض الأضرار الجانبية التي تتطلب التضحية مقابل الحصول على منافع أكبر.

من الأمثلة النموذجية التي تتضمن النوع الثاني، المشكلة الفلسفية التي تعرف باسم معضلة العربة والرجل السمين، تتقدم عربة ترام بسرعة في مسار عليه خمسة أشخاص. أنت تقف على جسر ستمر العربة من أسفله، ويمكنك إيقافها بوضع شيئًا ثقيلًا جدًا أمامها. بالصدفة، هناك رجل سمين جدًا قربك، الطريقة الوحيدة لوقف العربة هو دفعه من فوق الجسر على المسار، ممّا سيسفر عن مقتله وإنقاذ خمسة أشخاص. ما الخيار الذي ستتخذه.

بغض النظر عن تفرعات المعضلة أخلاقيا فإن أغلب الناس حين يسئلون سيفضلون القول إن عليهم إنقاذ خمسة أشخاص في مقابل قتل شخص واحد، لكن على أرض الواقع، فإن قلة فقط هي من ستجرؤ على دفع الرجل السمين بعقل بارد، وهم الذين يتميزون بسمات سيكوباتية، نظرا لأن لديهم قليل من التعاطف وبلا ضمير، سيفعلونها من وجهة نظر نفعية بحتة، دون أن يرمش لهم جفن، أي إن بإمكانهم وفقا لداتون العمل من أجل الصالح العام، أكثر من الأشخاص الذين يتمتعون بعاطفية أقوى وضمير أكثر يقظة.

كما يربط مؤلف الكتاب بين الترقي الوظيفي بالسيكوباتية، وهو أمر أكثر شيوعا بين المديرين التنفيذين، اللذين يمتلكون صفات مشتركة مع ما يسمى المجرمين المضطربين، كالكاريزما، والتمركز حول الذات والقدرة على الإقناع، وعدم التعاطف، والاستقلالية، والتركيز – مع التأكيد أن الاختلاف الرئيسي بينهم وبين المجرمين هو في الجوانب المعادية للمجتمع كخرق القانون والاعتداء الجسدي والاندفاع، كما أن تقييماتهم الداخلية داخل الشركات عادة ما تكون إيجابية، ويتسمون بالإبداع والتفكير الإستراتيجي الجيد ومهارات الاتصال الممتازة.

تبدو قدرة السيكوباتيين على التلاعب كمهارات ذات تأثير جيد، علامة للقائد الفعال.

كما أن البرودة العاطفية مفيدة في الوظائف والمواقف القاسية أمر لا غنى عنه للجراحيين، رجال المطافئ، ساعات الحرب، مفككي القنابل.

**

يطرح الكاتب سؤالا واضحا: هل يجب علينا أن نضيف المزيد من السمات السيكوباتية إلى شخصيتنا، إجابته: هي نعم، فمزيج حكيم من القسوة والخوف واليقظة، يمكن أن يساعدنا على المضي قدما، فهم أنجح على سبيل المثال في أن يؤمنوا لأنفسهم رواتب أعلى على مائدة المفاوضات سواء في بداية الالتحاق بالعمل أو عند مراحل الترقي أو طلب علاوة. كما أنهم أكثر قدرة على تجاوز الشعور بالسوء أو الاستسلام أمام العقبات، وأفضل بالكثير من بقيتنا في التغلب على الرفض والتعافي من الانتكاسات، لأنهم يعيشون في الغالب في الوقت الحاضر، غير مثقلين بالندم أو التوقعات السلبية.

 

**

لكن هل هذا هو كل شيء. تناقض مارثا ستاوت، الحائزة على درجة الدكتوراة، ومؤلفة كتاب The Sociopath Next Door، النظرة الوردية التي يقدمها داتون للسيكوباتيين، في مقالها في مدح النفوس الفارغة. وترى أن القصص التي ساقها داتون لإثبات فكرته، لا صلة لها بالواقع، مذكرة أن تعريف الشخصية السيكوباتية، هي اضطراب في الدماغ والسلوك، السمة المركزية له هي الغياب التام للضمير. تنبثق جميع سماته المرضية الأخرى (مثل القسوة والكذب المعتاد والقسوة) من هذا النقص المُحدد. محذرة من مغالطة كتاب داتون الرئيسية، الذي لم يذكر كلمة ضمير سوى أربع مرات فقط، كما أنه لا يعرف السيكوباتية بدقة.

إقرأ أيضا
المستوطنون

وترى ستاوت أن ما يتضمنه كتاب حكمة السيكوباتيين هو مجرد استعارات أنيقة وعدد كبير من القصص الشخصية المكتوبة بشكل جيد للغاية والإشارات إلى دراسات نفسية مثيرة للاهتمام، لكنها ترى أن أغلب ما يتعلق منها بأطروحته ملتبسة في أحسن الأحوال وفي أسوأها مضللة، كي تترك انطباعا لقارئها بأن السيكوباتية تتكون من الجرأة وشيء من الوقاحة وحياة خالية من العبء والندم.

يخلط داتون وفقا لساوت بين النقص الدائم في العاطفة لدى السيكوباتيين مع قدرة الشخص العادي على تنظيم عواطفه عند اتخاذ قرارت تحت ضغط، كما أنها ترى أن تصوير السيكوباتي كشخص ينجذب بلا خوف إلى المخاطر وقادر على إنقاذ الآخرين هي فكرة تصدر عن سوء فهم أساسي لطبيعة المفترس.

أما القسوة والكاريزما والتركيز والصلابة الذهنية والشجاعة واليقظة والقدرة على العمل، حجة داتون الرئيسية، فتقول ساوت أن تلك السمات السلوكية لا تمثل جرعة من السيكوباتية قد نحتاجها للنجاح في الحياة، وفي رأيها أن لمسة من السيكوباتية في حياتنا لا تستدعي سوى سلسلة خبيثة من الوحشية والعنف والتلاعب.

وإن كان من الصحيح أن غالبية السيكوباتيين لا يمارسون العنف، والكثير منهم يستخدمون شخصياتهم الكاريزمية لتحقيق نجاح في المجتمع إلا أن ذلك لا ينفي كونهم باردين عديمي الضمير ومضطربين نفسيا، وإن كون القاتل المتسلسل يرتكب أفعالا مروعة أكثر، فهل ذلك يجعله أقل شرا من السيكوباتي الذي يحرم موظفيه من حقوقهم؟

لا ترى ستاوت أن السيكوباتي شخص حكيم، بل شخص ذو روح فارغة وبلا حب لن يتورع عن تضييع حياة من حوله.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
4
أحزنني
2
أعجبني
2
أغضبني
1
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان