حمزة البسيوني .. كينج كونج السجن الحربي
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
يدخل رجل إلى المقهى، رجل ابيض البشرة والشعر معتدل القامة ذو يد تشبه مخالب الطيور، فور دخوله يخفت ضجيج المقهى تدريجيا حتى يصل إلى درجة الهمس يجلس نجيب محفوظ وصديقه ويرى الجرسون يسرع بوضع شيشة أمام ذلك القادم الغامض ويضع لوح شطرنج على طاولته ليبدأ في ملاعبة أحد الجالسين معه، يسأل محفوظ الجرسون من هذا؟ ليجيبه في خوف ” حمزة البسيوني مدير السجن الحربي السابق”.
مجرد ذكر هذا الاسم ربما إلى الأن يفتح في الخيال باب لا نريد أن نفتحه، باب يقودنا بشكل مباشر للقرون الوسطى وتعذيب الساحرات، حمزة البسيوني الرجل الذي له العديد من الألقاب، الجلاد الأول في نظام عبد الناصر، الرجل الذي كان يرتجف من مجرد اسمه كل صاحب رأي أو كاتب أو سياسي في مصر.
حمزة كينج كونج، كما هذا أحد ألقاب حمزة البسيوني، الرجل الذي يكان يحتفظ في جعبته بالعديد من الجلادين الأشداء المتفننين في التعذيب وربما أشهرهم الرباعي الدموي ” صفوت الروبي سعيد بدوي محمد رجب بكر نجم الدين مشهور” إضافة إلى كلابه المدللة الكلاب التي كانت جميعا لها أسماء وربما أشهرها لاكي، الذي كان يشبه الأسد من فرط ضخامته وقوته، وأيضا ميمي وليلى وهما كلبتان معدتان لاستقبال المعتقلين الجدد إضافة إلى جولدا وركس وزوجته عنايات وغيرهم من الكلاب.
وفق شهادات عبداللطيف البغدادي وصلاح نصر حينما أقروا بأسماء أعضاء تنظيم الضباط الأحرار والبالغ عددهم 300 أسم كان من بينهم اسم سيد حمزة حسين البسيوني، فهو أحد الضباط الأحرار حتى وإن أنكر السادات وجوده في قائمة الضباط الأحرار التي اطلقها عام 1972 والتي شملت 168 اسم فقط.
البسيوني الذي بدا نجمه في الظهور حينما تسلم مهمة الإشراف على السجن الحربي عام 1954، في تلك الفترة كانت ثورة يوليو انقلبت على نفسها أو صححت مسارها، ضع التعريف الذي يناسبك لما حدث في عام 1954، ولكن في النهاية كانت النتيجة واحدة جمال عبدالناصر أصبح على رأس النظام، وأطاح بنجيب وكل مؤيديه، وتفرغ للإطاحة بمعارضيه سواء خارج مجلس قيادة الثورة أو داخله مثلما فعل باليسارين أو الإخوان أو كما فعل بخالد محي الدين ويوسف صديق.
في تلك الفترة ظهر نجم حمزة البسيوني معارضي ناصر وهم كثرة من مختلف الأطياف السياسية كانوا يقولون إن ناصر ومن خلفه عبدالحكيم عامر وشمس بدران كانوا هم قادة عمليات التعذيب في السجن الحربي والتي تتم تحت إشراف وقيادة حمزة البسيوني الذي كان مجرد رائد صغير قبل أن يصل إلى رتبة اللواء في بداية الستينات ويحصل على ترقية أخرى رفعته على رتبة الفريق قبيل نكسة يونيو بأعوام قليلة.
حمزة البسيوني العسكري الأسود للنظام الناصري كما كان يطلقون عليه، الغريب أن يبقى حمزة البسيوني مع كل تلك الترقيات التي نالها في حياته في موقعه مديرا للسجن الحربي ربما كانت المرة الوحيدة التي يبقى فيها ضابط برتبة فريق في قيادة السجن الحربي في مصر ولكن يبدو أن وجوده كان أمرا لا يقبل الجدل أو النقاش.
ليس البسيوني وحدة هو من حصل على ترقيات عسكرية في وقت قصير، ربما المثال الأبرز على ذلك كان صفوت الروبي العسكري الذي تطوع للتجنيد وتم ترقيته حتى وصل لرتبه صول ثم سافر إلى ألمانيا في بعثة عسكرية ليعود ويحصل على رتبة ملازم ليتحول من عسكري إلى ضابط.
5 يونيو 1967 يقول البعض انه كان لابد من تلك الكارثة كي نفيق، وربما هذا ما حدث حينما أصبحت المحاكمات تطال رموز القوة في عهد عبدالناصر وعلى رأسهم بالطبع صلاح نصر وحمزة البسيوني الذي ادين ودخل إلى السجن ولكنه خرج تحت مظلة العفو الصحي لتكون نهايته عام 1971، بأبشع صورة ممكن أن تحدث لرجل فقط حياته في حادثة سير عادية، ذلك الرجل الذي شهد له الجميع انه صاحب وجه طفولي بريء ومظهر حميم اخترقته عشرات السياخ الحديدية لتشوه جثته تماما في 19 نوفمبر عام 1971.
بالمناسبة حمزة البسيوني جسدت شخصية في السينما في العديد من الأعمال ربما أبرزها فيلم الكر نك حينما جسد الشخصية كمال الشناوي بمقولته الشهيرة كلنا ضحايا وكلنا مجرمين وايضا جسدها سعيد عبدالغني في فيلم إحنا بتوع الأتوبيس وجسدها رشدي اباظة في فيلم ما وراء الشمس تحت اسم الجعفري، وغيرها حينما قررت السينما الإنتقام من الممارسات الامنية ورموز النظام الناصري الامنية كان حمزة البسيوني هو الشخصية الدرامية المناسبة لذلك
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال